في تمام الساعة السابعة مساءً بتوقيت غرينتش، خرج الدخان الأسود الذي ينتظره الملايين حول العالم كإشارة تقليدية لعدم التوافق على انتخاب بابا جديد، وذلك بعد ساعات من بدء جلسات المجمع المغلق الذي يضم 133 كاردينالاً من سبعين دولة وهو أعلى عدد من البلدان الممثَّلة في تاريخ الكنيسة.
طقوس انتخابية صارمة وعزلة تامة
بدأ الكرادلة يومهم بصلاة جماعية في كنيسة القديس بطرس، قبل أن يدخلوا في موكب مهيب إلى كنيسة سيستينا، حيث يؤدّون القسم بالحفاظ على سرية المجمع المغلق، تحت طائلة الحرمان الكنسي. وبمجرد انطلاق الجلسة، أُقفلت أبواب الكنيسة، وقُطعت الاتصالات تمامًا، ليغدو الكرادلة في عزلة تامة لا يُسمح فيها بالخروج أو التحدث إلى العالم الخارجي.
وفي تقليد متوارث، يُستدل على نتيجة كل جولة تصويت من لون الدخان المنبعث من المدخنة المعدنية على سطح الكنيسة: أسود في حال لم يُنتخب البابا، وأبيض عندما يتم انتخابه.

epa12081846 Faithful gathered in St. Peter's Square use their mobile phones as black smoke comes out of the chimney atop the Sistine Chapel on the first day of the conclave to elect a new pope in Vatican City, 07 May 2025. EPA/ANDREA SOLERO Source: ANSA / ANDREA SOLERO/EPA
ترقّب عالمي ومراهنات على الأسماء
يُعدّ هذا المجمع من الأكثر متابعة إعلاميًا، حيث غطى الحدث أكثر من خمسة آلاف صحافي من مختلف دول العالم. وقد تحوّلت جلسات التصويت إلى مناسبة تُواكبها شاشات عملاقة نُصبت في ساحة القديس بطرس، وسط تصفيق الحضور، وارتفعت التكهّنات حول أسماء المرشحين الأوفر حظًا لتولي منصب البابوية، وبينهم الإيطاليان بييترو بارولين وبييرباتيستا بيتسابالا، والمالطي ماريو غريش، والفلبيني لويس أنطونيو تاغلي، والفرنسي جان-مارك أفلين.
بابوية فرنسيس: إصلاحات وتوسيع للتمثيل العالمي
اللافت أنّ البابا الراحل فرنسيس، الذي كان أوّل بابا من أميركا اللاتينية، قد عيّن 81% من الكرادلة الناخبين الحاليين، وحرص على تمثيل بلدانٍ من خارج أوروبا ومن مناطق مهمّشة في الكنيسة سابقًا، ما يجعل هذا المجمع الأكثر تنوعًا وانفتاحًا في تاريخ المؤسسة.
وقد حظيت خمس عشرة دولة لأول مرة بعضوية في هذا المجمع، من بينها جنوب السودان وهايتي والرأس الأخضر، في إشارة إلى رغبة البابا الراحل في كسر المركزية الأوروبية التي طالما سيطرت على الفاتيكان.
السياسة العالمية تدخل إلى المجمع
تأتي هذه الانتخابات في وقت بالغ الحساسية دوليًا، مع تنامي النزاعات، خصوصًا في غزة، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، وعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. ويرى مراقبون أن هذه المستجدات قد تدفع الكرادلة لاختيار شخصية مخضرمة تُجيد إدارة العلاقات الدولية وتمتلك رؤية واضحة في ظلّ هذا المشهد المعقّد.
ومع استمرار المجمع، سيُجري الكرادلة أربع عمليات تصويت يوميًا حتى التوافق على مرشّح يحصل على ثلثي الأصوات، أي ما يعادل 89 صوتًا. وحتى ذلك الحين، تبقى الأنظار مشدودة إلى السماء... في انتظار الدخان الأبيض.