Feature

ست سنوات على هجوم كرايستشيرش: إحياء ذكرى اليوم الذي هزّ نيوزيلندا

الإمام جمال فودة يسترجع اللحظة التي شهد فيها مسجده هجومًا إرهابيًا مروعًا، ويتحدث عن رحلة مجتمعه في التعافي على مدى ست سنوات، وأسباب انتقاله إلى أستراليا لمواصلة رسالته.

A man wearing a black coat and a brimless hat with wide white trim and a red top presses his nose against another man wearing a black jacket outside. Others look on.

Imam Gamal Fouda has been praised for his response to the 2019 Christchurch mosque shootings, which killed 51 people. Source: Getty / Lisa Maree Williams

للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغطوا على

 في يوم الجمعة، 15 مارس/آذار 2019، كان الطقس خريفيًا هادئًا في كرايستشيرش، كما هو الحال في الأيام العادية—حتى تبدّل كل شيء في لحظة.

عند الساعة 1:40 ظهرًا، ارتكب مسلح منفرد، بثّ جريمته مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أبشع هجوم إرهابي في تاريخ نيوزيلندا، أودى بحياة 51 شخصًا.

كان الإمام جمال فودة يؤم صلاة الجمعة داخل مسجد النور في ريكارتون عندما اقترب المسلح. استقبله عند الباب الحاج داود نبي، الذي لم يكن يعلم أن تحيته البسيطة: "أهلًا أخي" ستكون كلماته الأخيرة، قبل أن يُطلق عليه المهاجم النار عند العتبة.
A man wearing a white robe and dark jacket is speaking into a microphone while standing on an aqua-coloured carpet inside. People are sitting on chairs facing him.
Imam Gamal Fouda says terrorist attack has left a huge scar on the Christchurch community. Source: Supplied / Gamal Fouda
لم يتوقف الرصاص عند نبي، بل امتد ليحصد أرواح 43 شخصًا داخل المسجد، قبل أن يتوجه المهاجم إلى مركز لينوود الإسلامي القريب، حيث قُتل سبعة آخرون. أما أصغر الضحايا، فكان طفلًا لم يتجاوز الثالثة من عمره.

في النهاية، أُلقي القبض على المسلح أثناء توجهه إلى مسجد ثالث، وحُكم عليه بالسجن المؤبد دون إمكانية الإفراج المشروط.

وأحدثت المذبحة صدمةً في نيوزيلندا والعالم أجمع. لكن المفاجئ لم يكن فقط حجم الهجوم، بل أيضًا رد الفعل الذي تلاه. لم يكن الغضب والكراهية هو ما طغى، بل على العكس، كان رد النيوزيلنديين مشبعًا بالتضامن والتآخي.
وكان الإمام جمال فودة من بين أولئك الذين رفعوا راية الحب بدل الانتقام. في مقابلة مع SBS News بمناسبة الذكرى السادسة للهجوم، قال:

"في مواجهة هذا الرعب، لم يكن ردنا كراهية، بل كان حبًا".
A man wearing a black outfit and a brimless hat with a wide white band and a red top stands outside next to a woman wearing a black top and light brown headscarf
Imam Gamal Fouda with then New Zealand prime minister Jacinda Ardern during her visit to Christchurch in September 2020. Source: AFP

قيادة وسط المحنة

لأول مرة في تاريخ نيوزيلندا، تم رفع مستوى التهديد الإرهابي من منخفض إلى مرتفع. ورغم حالة الصدمة التي عمّت البلاد، أشيد برئيسة الوزراء آنذاك، جاسيندا أرديرن، على تعاملها مع الأزمة بحزم وتعاطف.

وصفت أرديرن الهجوم بأنه "عمل من أعمال العنف الشديد وغير المسبوق"، مؤكدة رفضها القاطع للأيديولوجية التي تقف خلفه. وقالت حينها:

"ربما اخترتمونا - لكننا نرفضكم وندينكم رفضًا قاطعًا."

ورفضت أيضًا ذكر اسم منفذ الهجوم، مطالبة الجميع بتذكر أسماء الضحايا بدلًا من ذلك.

أما الإمام فودة، فقد لفت الأنظار عالميًا بموقفه الإنساني. بعد أسبوع من الحادث، ألقى خطابًا مؤثرًا أمام آلاف الأشخاص الذين تجمعوا في حديقة هاجلي، المقابلة لمسجد النور، قائلًا:

"سعى هذا الإرهابي إلى تمزيق بلادنا بأيديولوجية شريرة، لكننا نقف معًا أقوى من أي وقت مضى."
وأكد لاحقًا أن استجابته لم تكن مجرد اختيار عاطفي، بل جاءت من صميم تعاليم الإسلام، مضيفًا:

"الكراهية لن تحل مشاكلنا."

وشدد على أن المسلح لا يمثل سوى نفسه، قائلًا: "هذا الشخص الذي هاجم مسجدنا لا يمثل العرق الأبيض؛ إنه يمثل نفسه فقط."

من مصر إلى نيوزيلندا: مسيرة إمام

وُلد جمال فودة في مصر، حيث درس في جامعة الأزهر وتخرج عام 1998. لاحقًا، تلقى عرضًا للعمل إمامًا في الولايات المتحدة عام 2002، لكن السلطات المصرية نصحته بعدم السفر بسبب تصاعد موجة الإسلاموفوبيا عقب هجمات 11 سبتمبر.

وهكذا، كانت وجهته التالية نيوزيلندا، حيث استقر في بالمرستون نورث عام 2003، ليكرّس حياته لتعزيز التفاهم بين المسلمين والمجتمع الأوسع.

وفي عام 2016، انتقل إلى كرايستشيرش حيث لا يزال يعيش حتى اليوم. رغم المصاعب التي واجهها بعد هجوم 2019، إلا أن مهمته لم تتغير: مدّ الجسور بين الناس وتعزيز قيم التسامح والاحترام.
Prince William (left) wearing a dark suit, talks to a woman and two men sitting on a couch inside. There are two men on chairs sitting next to the couch.
Fouda says diversity and social cohesion are key to combating ignorance, Islamophobia and hatred, and bringing communities closer together. Source: Twitter / KensingtonRoyal

تجاوز "أحلك أيام نيوزيلندا"

منذ المذبحة، عمل فودة بلا كلل لتعزيز الحوار المجتمعي، واستقبل في مسجده شخصيات عالمية، من بينهم جاسيندا أرديرن، رئيسة الوزراء التي خلفتها كريس هيبكينز، الأمير ويليام، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

لكن رغم كل الجهود، لا يزال المجتمع يعاني من آثار الصدمة حتى اليوم. يقول فودة:

"لا يزال الكثير من الناس بحاجة إلى المساعدة في تجاوز الصدمة، وأنا واحد منهم."

وفي ظل تصاعد الإسلاموفوبيا عالميًا، يزداد التحدي صعوبة.
LISTEN TO
'We need to coexist': Man who lost six friends in Christchurch reflects on attack and aftermath image

صديق لستة من قتلى إعتداء كريستشيرش يتذكر أهوال ذلك اليوم

SBS Arabic

13/03/202006:20
كشف تقرير حديث صادر عن سجل رهاب الإسلام في أستراليا أن الحوادث المعادية للإسلام وصلت إلى "مستويات غير مسبوقة"، مع زيادة بنسبة 250% في الهجمات الإلكترونية و150% في الحوادث الجسدية بين 2023 و2024.

"نحن بحاجة إلى التكاتف"

يقول فودة إن السبيل لمواجهة هذه الموجة هو تعزيز التضامن وتشجيع الحوار بدلًا من الفرقة.

"الدعوة إلى الوحدة والحوار هي أفضل طريقة لزرع المحبة وربط الناس ببعضهم البعض."

وشدد على ضرورة إدراج التعليم حول التماسك الاجتماعي في المناهج الدراسية، قائلًا:

"علينا أن نحتفي بالاختلافات... ونجعلها جزءًا من ثقافتنا التعليمية."
"الأديان وُجدت لتجمعنا، لا لتفرقنا".
Man wearing a black outfit and standing in a park with a mosque in the background.
Fouda has stepped down from his role at Al Noor Mosque. He's set to move to Australia after accepting a new role. Source: Supplied / Gamal Fouda

بداية جديدة في أستراليا

بعد قرابة عقد من الزمن، تنحّى فودة عن إمامة مسجد النور أواخر الشهر الماضي، ليخطط للانتقال إلى أستراليا بعد رمضان، حيث سيبدأ دورًا جديدًا.

في خطبته الوداعية، قال للمصلين:

"مسجد النور لم يعد مجرد مسجد. لقد أصبح رمزًا عالميًا للسلام والصمود والوحدة."

وعن مستقبله، يقول:

"أنا متحمس لكوني مواطنًا أستراليًا، وأتطلع إلى مواصلة الرسالة نفسها، والمساهمة في التعليم والقيادة، وبناء مجتمعات تقوم على الاحترام والتنوع والوحدة."

ورغم انتقاله، يظل يحمل نيوزيلندا في قلبه، قائلًا:

"سنواصل الرسالة نفسها التي انطلقت من نيوزيلندا، لنعمل معًا من أجل هذه القيم الإنسانية المشتركة."

للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغطوا على 

أكملوا الحوار عبر حساباتنا على و 

اشتركوا في لتشاهدوا أحدث القصص والأخبار الأسترالية.

شارك
نشر في: 16/03/2025 12:52pm
By Stephanie Youssef
تقديم: Rayan Barhoum
المصدر: SBS