بعد أكثر من ثلاثة أشهر من الإغلاق، أعادت سيدني الكبرى فتح اقتصادها يوم الاثنين مما أراح أصحاب الأعمال، لكن كان هناك تحدٍ واحد ناجم عن الفيروس يهدد الانتعاش الموعود.
النقاط الرئيسية
- في الأشهر الـ 12 التي أعقبت إغلاق الحدود الدولية لأستراليا، ارتفع عدد سكان أستراليا بمقدار 35,700 شخص فقط
- كبار المسؤولين طلبوا من بيروتيه اعتماد استراتيجية أكثر طموحاً تجاه الهجرة عبر استقبال مليوني مهاجر على مدى خمس سنوات
- تتوقع خبيرة في الهجرة أن تستمر الصين والهند بتصدر أعداد الوافدين إلى أستراليا في مرحلة ما بعد كوفيد
منذ أن أغلقت أستراليا حدودها الدولية في آذار/مارس من العام الماضي، تكافح الشركات لمواجهة النقص المزمن في العمال.
وقد استدعى ذلك نداءات من بعض القادة لإعادة فتح الحدود الدولية بسرعة ورفع مستويات الهجرة بطريقة لم نشهدها منذ الحرب العالمية الثانية.
ما تأثير ذلك على أستراليا؟
أزمة سكانية
في الأشهر الـ 12 التي أعقبت إغلاق الحدود الدولية لأستراليا، ارتفع عدد سكان أستراليا بمقدار 35,700 شخص فقط، وفقاً لمكتب الإحصاءات الأسترالي.
وكان معدل النمو 0.1% فقط، ويعد ذلك تراجعاً كبيراً بالمقارنة مع السنوات السابقة.
وظلت "الزيادة الطبيعية السنوية"، التي تشمل المواليد والوفيات بين السكان الأستراليين، ثابتة عند 131,000 شخص.
لكن قابل ذلك انخفاض كبير في صافي الهجرة الخارجية، التي وصلت إلى رقم سلبي بلغ 95,300 مهاجر.ويمثل ذلك انخفاضاً بمقدار 334,600 شخص عن العام السابق.
The closure of international borders has had a significant impact on the total growth of the Australian population. Source: ABS
وقالت الدكتورة ليز ألين من جامعة ANU في كانبرا لأس بي أس الإخبارية: "منذ زمن الحرب لم نشهد في تاريخ أستراليا أي شيء يشبه التغيير الديموغرافي الذي حدث خلال وباء كوفيد-19".
نقص في اليد العاملة
كانت الشركات الأسترالية تكافح بالفعل مع نقص القوى العاملة قبل انتشار الوباء، وأدى إغلاق الحدود المستمر إلى تفاقم المشكلة.
وقال البروفيسور جوك كولينز من كلية UTS للأعمال لأس بي أس الإخبارية: "في جميع المجالات، من المهاجرين غير المهرة إلى المهنيين الطبيين ذوي المهارات العالية، ندرك مدى اعتمادنا كدولة وكأمة على الهجرة".
ويوجد طلب كبير من المهاجرين الذين يتطلعون للاستقرار أو العودة إلى أستراليا، لكن الدكتورة ألين قالت إنه من غير المحتمل أن تعود أرقام المهاجرين قريباً إلى مستويات ما قبل كوفيد، حين كان ينمو عدد السكان بأكثر من 1% سنوياً.
وحذرت ألين من أن "هذا ينذر بكارثة خطيرة لأستراليا والاقتصاد".
وأضافت: "لن يتم تلبية الاحتياجات الأساسية لهذا البلد لأن القوى العاملة المحلية غير كافية لتلبية احتياجات صناعاتنا".هذه المشكلة كانت حاضرة بقوة في ذهن رئيس حكومة نيو ساوث ويلز دومينيك بيروتيه، الذي تحدث في وقت سابق من هذا الأسبوع عن حرصه على إعادة فتح الحدود الدولية.
NSW Premier Dominic Perrottet. Source: AAP
"نحن بحاجة لفتح الحدود. نحتاج بعد ذلك للترويج لأستراليا لدى البلدان الأخرى في الخارج لجذب بعض هؤلاء المهاجرين المهرة لأننا إذا فقدنا هذه الفرصة، فإن هؤلاء المهاجرين المهرة سيذهبون إلى بلدان أخرى".
ويعتبر ذلك تغييراً في التوجه، حيث خاضت غلاديس بيرييكليان انتخابات الولاية الأخيرة في عام 2019 ببرنامج يستهدف خفض الهجرة إلى الولاية بنسبة 50%، لأسباب تعود إلى تفاقم المشكلات المتعلقة بالبنية التحتية والازدحام المروري.
طفرة "طموحة"؟
وذكرت صحيفة Australian Financial Review أن كبار المسؤولين طلبوا من بيروتيه أن يعتمد استراتيجية أكثر طموحاً تجاه الهجرة، عبر استقبال مليوني مهاجر على مدى خمس سنوات.
ودعوا بيروتيه للضغط من أجل برنامج هجرة "طموح"، مماثل للتدفق الجماعي للاجئين في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عندما تلقى الأستراليون رسالة مفادها "السكان أو الهلاك".
وفي عام 1945، كانت الحكومة قلقة من أن البلاد بحاجة إلى عدد أكبر من السكان للحفاظ على دفاعاتها وتعافيها الاقتصادي، مما أدى لتأسيس وزارة الهجرة الفيدرالية التي هدفت لزيادة السكان بنسبة 1% كل عام.ودخل حوالي 1.2 مليون مهاجر البلاد على مدى السنوات الـ 15 التالية، لا سيما من أوروبا التي كانت قد مزقتها الحرب، مما أدى إلى تعزيز الاقتصاد.
The 50,000th Dutch migrantarrives in Australia aboard the Sibajak in 1954. Source: Supplied: National Archives of Australia
وأوضح البروفيسور كولينز أن "هؤلاء المهاجرين الجدد ساهموا في نمو الوظائف وشكلوا نصف النمو السكاني".
"كان المهاجرون يصلون مباشرة من القارب، ويتوجهون إلى المصنع في اليوم التالي".
وقال إن البلاد تواجه نقصاً مشابهاً في العمالة اليوم، مما يتطلب زيادة قوية في الهجرة.
لكن زيادة معدلات الهجرة على غرار الحرب العالمية الثانية ستشكل تحديات للبنية التحتية والإسكان، حيث ينبغي توسيع الطاقة الاستيعابية لوسائل النقل العام والطرق ونظام الرعاية الصحية.
وقال البروفيسور كولينز: "في كثير من الأحيان في الماضي، استفادت الحكومات نوعاً ما من فوائد الهجرة فيما قامت بتأخير الاستثمار الضروري في البنية التحتية العامة".
كما حذر من الاعتماد المتزايد على حاملي التأشيرات المؤقتة لسد النقص في العمالة، مما قد يؤدي إلى زيادة الاستغلال وسرقة الأجور.
الأثر الثقافي
أدت طفرة الهجرة التي أعقبت الحرب إلى تحول كبير في التركيبة الثقافية في أستراليا.
فقد شكل قرار استقبال اللاجئين من جميع أنحاء أوروبا نهاية التوجه التفضيلي للمواطنين البريطانيين وبداية تحول أستراليا من مستعمرة متركزة حول الثقافة الأنجلوساكسونية إلى مستعمرة متعددة الثقافات.
وأدى ذلك إلى تغيير في المنظور حيال الهجرة توّج بإزالة سياسة أستراليا البيضاء من قبل حكومة وايتلام.
وقالت الدكتورة ألين: "تنامي الهجرة بعد الحرب هو الذي رسم مساراً جديداً لأستراليا. لقد ابتعدنا عن تلك الثقافة الأحادية البيضاء".
وفي حين اعتمدت طفرة ما بعد الحرب بشكل كبير على المهاجرين الأوروبيين، تتوقع الدكتورة ألين أن تستمر الصين والهند في المساهمة بحصة كبيرة من الوافدين إلى أستراليا في مرحلة ما بعد كوفيد.
"سنحتاج لمهارات أشخاص من خلفيات متنوعة وعمال ومهنيين. أظن أننا سنستمر برؤية مهاجرين من أماكن أكثر تنوعاً من تلك التي رحبنا بها تاريخياً".
وختمت قائلة: "في هذه اللحظة من الزمن، ستكون إعادة البناء في مرحلة ما بعد كوفيد نقطة فاصلة في تاريخنا".