دعا الزعيم الكردي عبد الله أوجلان الخميس حزب العمال الكردستاني الذي أسسه إلى إلقاء السلاح وحل نفسه، في إعلان تاريخي صدر في اسطنبول بعد أربعة عقود من النزاع.
وقال في الإعلان الذي تلاه وفد من نواب "حزب المساواة وديموقراطية الشعوب" (ديم) المؤيد للأكراد الذي زاره في سجنه في جزيرة إيمرالي قبالة اسطنبول في وقت سابق اليوم إن "على جميع المجموعات المسلحة إلقاء السلاح وعلى حزب العمال الكردستاني حل نفسه".
وأكد الزعيم الكردي أنه "يتحمل المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة".

Abdullah Ocalan Credit: Public Domain
وتأسس حزب العمال الكردستاني عام 1978، وتعتبره تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "إرهابيا". وأطلق تمردا مسلحا صد أنقرة عام 1984 لإقامة دولة كردية. وخلف هذا الصراع أكثر من 40 ألف قتيل منذ 1984.
ولم يعلق الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ولا حكومته على الفور على إعلان أوجلان.
وقال المسؤول في حزب العدالة والتنمية الحاكم إفكان آلا، "إذا أخذت المنظمة الإرهابية هذه الدعوة في الاعتبار (...) فستتحرر تركيا من أغلالها".
"الساحة السياسية"
والتقى وفد من "حزب المساواة وديموقراطية الشعوب" لثلاث ساعات صباح الخميس، أوجلان المسجون منذ 26 عاما.
وتجمع مئات الأشخاص في عدة مدن في جنوب شرق تركيا ذي الغالبية الكردية بينها دياربكر، لسماع رسالة أوجلان.
كذلك نصبت شاشات في شمال سوريا والعراق حيث تقيم أقلية كردية.
وهذه المرة الثالثة منذ نهاية كانون الأول/ديسمبر التي يُسمح فيها لممثلين عن الحزب، القوة الثالثة في البرلمان التركي، بلقاء أوجلان (75 عاما) الذي صدر بحقه حكم بالسجن مدى الحياة.
وخلال الزيارتين السابقتين، أعرب عن "تصميمه" على طي صفحة النزاع المسلح.
وقال لأحد زائريه "إذا أُتيحت الظروف، فإنّ لدي القوة النظرية والعملية لنقل النزاع من ساحة العنف إلى الساحة القانونية والسياسية".
وأطلق أوجلان دعوتين سابقتين إلى الهدنة في بداية القرن الحالي ثمّ في العام 2013 باءتا بالفشل، ما أفسح المجال أمام تجدد أعمال العنف.
لكن بحسب بوريس جايمس المؤرّخ الفرنسي المتخصّص في الشأن الكردي، هذه المرّة "تمنع القوة العسكرية التركية منذ فترة طويلة حزب العمّال الكردستاني من التحرّك على الأرض".
وقال نائب رئيس حزب المساواة وديموقراطية الشعوب تونجر بكرهان، رئيس الوفد الذي زار أوجلان، إن الأخير "لا يريد أن يكون الأكراد أحرارا في التحدّث بلغتهم فحسب، بل يريد أيضا أن يكون أي تعبير ديموقراطي ممكنا".
وكانت الحكومة التركية التي بادرت إلى هذه العملية عبر حليفها زعيم "حزب الحركة القومية التركية" دولت بهجلي، قد اقترحت الافراج عن أوجلان.
غير أنّ ذلك يبدو غير مرجّح، نظرا إلى التهديدات بالانتقام التي تطاله.
"مد اليد للاخوة الأكراد"
رغم عدم حديثه كثيرا عن هذا الموضوع، كان إردوغان قد أكد مرارا سياسة "مد اليد للإخوة الأكراد" الذين يشكّلون الأقلية الرئيسية في تركيا (حوالى 20 في المئة من السكان)، بينما زاد الضغوط على المعارضة، خصوصا على حزب المساواة وديموقراطية الشعوب الذي فُصل عشر رؤساء بلديات ينتمون إليه من مناصبهم خلال العام الماضي.
ومن أبرز هؤلاء رئيس بلدية ماردين (جنوب شرق) أحمد تورك (82 عاما) الذي كان من ضمن الوفد الذي زار إيمرالي الخميس وقرأ رسالة أوجلان بالكردية.

Jailed Kurdish rebel leader Abdullah Ocalan has called on the PKK to end its fight against Turkey. (AAP) Credit: ANP
ورغم الكاريزما التي يتمتّع بها أوجلان، يشير خبراء إلى حالة من عدم اليقين تحيط برد فعل مقاتلي حزب العمّال الذين انكفأ معظمهم إلى جبال قنديل في شمال العراق.
ورأى المؤرخ بوريس جيمس أن "أوجلان عندما يتحدث عن حل حزب العمال الكردستاني لنفسه، فإنه لا يلزم أبدا العناصر في قنديل". وأضاف "لم يأخذ في الاعتبار المشكلة الكردية على المستوى الإقليمي في خطابه".
وقال الخبير في مركز تشاتام هاوس ريناد منصور "تم تهميش أوجلان منذ منتصف تسعينات القرن العشرين. وطوّرت عدة قيادات في حزب العمال الكردستاني أفكارا مختلفة حول النضال المسلح".
"تغيير مزلزل"
بدوره اعتبر المحلل في فيريسك مابلكروفت هاميش كينيار أن "هناك فرقا كبيرا بين دعوة أوجلان للسلام وتحقيقه"، لكنه شدد على "مكانة أوجلان باعتباره الزعيم الروحي" للحزب، مشيدا "بتغيير مزلزل ليس فقط بالنسبة لتركيا بل بالنسبة للمنطقة".
وقال دبلوماسي غربي في تركيا "يمكنهم أن يقولوا (المقاتلون) إنّه بما أنّ أوجلان محتجز، فهو لا يتحدث بحرية، وبالتالي قد يواصلون القتال"، متوقّعا أن تنفّذ أنقرة ردا عسكريا فوريا في حال حصول ذلك.
وتتهم تركيا حزب العمّال الكردستاني أيضا بالقتال في شمال شرق سوريا ضمن قوات سوريا الديموقراطية التي يقودها الأكراد، وتلقى دعم واشنطن، وأدت دورا أساسيا ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ورحب مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديموقراطية بدعوة أوجلان، مؤكدا أن قواته غير معنية بها.
ورأى أن "الموضوع يتعلق بحزب العمال الكردستاني، ونداء إلقاء السلاح لحزب العمال الكردستاني يتعلق به ولا يتعلق بقواتنا في" شمال شرق سوريا الذي تديره الإدارة الذاتية بقيادة الأكراد.
ودعا وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مرارا السلطات الجديدة الحليفة لأنقرة في دمشق إلى نزع سلاح "قسد".
وقال "هذا لا يشكل تهديدا لأمننا فقط، ولكن للمنطقة بأسرها".
ورأى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في الدعوة التاريخية التي أطلقها أوجلان الخميس "بارقة أمل" لتحقيق السلام بين الحزب الكردي المسلّح والسلطات التركية.
كذلك رحبت ألمانيا بدعوة أوجلان ووصفتها بـ "فرصة تاريخية".