في إحدى الليالي الرمضانية عام 2007، وعلى طول شارع التسوق الرئيسي في لاكيمبا جنوب غرب سيدني، وقفت شواية وحيدة على الرصيف، تتصاعد منها روائح اللحم المشوي، بينما كان عبد العبيد، الشاب البالغ من العمر 23 عامًا آنذاك، يمسك الملقط ليقلب لحوم الإبل على النار.
كان العشرات من الناس يتجمعون في انتظار البرجر بعد صلاة التراويح، تلك الصلاة الليلية التي يؤديها المسلمون خلال شهر رمضان، في المسجد القريب.
يستذكر عبيد تلك اللحظات قائلاً: "لم يكن هناك الكثير من الأماكن لتناول الطعام بعد التراويح في لاكيمبا كما هو الحال الآن، لذلك اعتقدنا أنه سيكون من الرائع إقامة حفل شواء."

The success of the night markets has generated mixed feelings among the Australian Muslim community. Source: Getty / Roni Bintang
من تجمع متواضع إلى مهرجان ضخم
رمضان، الشهر التاسع في التقويم الإسلامي، هو وقت يمتنع فيه المسلمون عن الطعام والشراب من الفجر حتى غروب الشمس، كما يعد فرصة لتعزيز الروحانية، وزيادة أعمال الخير، والتأمل.
ومع مرور السنين، بدأ هذا التجمع الصغير في شارع هالدون بالنمو، حيث تحولت العشرات إلى مئات، ثم آلاف من المسلمين الأستراليين الذين يتوافدون لتناول وجبة ما قبل الفجر.
كان من بين هؤلاء سامي شلبي، المقيم في غرب سيدني، الذي بدأ بزيارة السوق قبل أكثر من عقد. يقول سامي، البالغ من العمر 28 عامًا:
"في ذلك الوقت، كانت لاكيمبا نقطة التقاء طبيعية، حيث كانت الأطعمة الجيدة متوفرة في وقت متأخر من الليل."
ويتذكر انتشار الحديث بين الناس: "كان الجميع يقولون: 'هل تريد طعامًا؟ دعنا نذهب إلى لاكيمبا'."

The famous food markets in Sydney's south-west were once known as 'Lakemba Ramadan Nights', until some Muslim community members wanted the religious reference removed. Credit: AAP
بين الهوية الدينية والتوسع التجاري
تعد لاكيمبا واحدة من أكثر الضواحي الإسلامية في أستراليا، حيث أظهرت إحصاءات عام 2021 أن 61% من سكانها مسلمون، كما أنها تضم أكبر مسجد في البلاد.
وفي عام 2017، تولى مجلس مدينة كانتربري-بانكستاون الإشراف على تنظيم السوق، ليصبح أحد أكبر المهرجانات الغذائية المتعددة الثقافات في أستراليا، حيث تشير التقديرات إلى أن الحدث يجذب أكثر من 1.6 مليون زائر سنويًا، ويحقق عائدات تصل إلى 50 مليون دولار للاقتصاد المحلي.
يقول رئيس بلدية المجلس، بلال الحايك:
"إنه حدث استثنائي، لا يوجد أي مهرجان آخر في أستراليا يجذب هذا العدد الهائل من الأشخاص."
لكن مع هذا التوسع، بدأت بعض الأصوات داخل المجتمع المسلم تعبر عن قلقها من أن السوق فقد هويته الأصلية، وأصبح أكثر تركيزًا على الجانب التجاري منه على قيم رمضان الروحانية.
ويقول سامي شلبي:
"المهرجان لم يعد يخدم غرضه الأساسي في توفير الطعام للمجتمع المسلم بعد التراويح، بل أصبح أقرب إلى سوق تجاري ضخم فقد روحه الأصلية."

Up to 60 local businesses are expected to take part in Lakemba's Ramadan food markets. Credit: AAP
ويضيف: "رمضان ليس مجرد طعام، بل يتعلق أكثر بالعبادة والتأمل والتراحم."
لكن في السنوات الأخيرة، تزايدت المخاوف من أن الحدث بات بعيدًا عن جذوره الدينية، مما دفع المجلس إلى اقتراح إزالة كلمة "رمضان" من اسم المهرجان.
يقول دادون إن بعض المسلمين الأستراليين وافقوا على الفكرة، بينما رأى آخرون أن هذا التغيير يُفقد المهرجان هويته.
المقترح أثار جدلًا واسعًا بين السكان المحليين، بمن فيهم جويل والبانك هوتون، البالغ من العمر 26 عامًا، وهو غير مسلم، الذي قال:
"إزالة رمضان من الاسم يجعل الحدث علمانيًا تمامًا، وهذا أشبه بصفعة على وجه المجتمع المسلم الذي يرتبط رمضان بإيمانه وثقافته."

Ibrahim Dadoun says some members of the community complained Lakemba's night markets have become overcommercialised. Source: SBS
الحل الوسط: "ليالي لاكيمبا في رمضان"
بعد جدل مستمر، توصل المجلس إلى حل وسط، حيث صوت لصالح تعديل الاسم ليصبح "ليالي لاكيمبا في رمضان" بدلاً من إزالته كليًا.
يعلق بلال الحايك على ذلك قائلًا:
"كان هناك من أراد إزالة الاسم، وآخرون أصروا على الإبقاء عليه، فاستمعنا إلى المجتمع ووجدنا نقطة توازن تعكس تنوع وجهات النظر."
فرصة للحوار وكسر الحواجز
رغم الخلافات حول الاسم والهوية، يرى البعض أن هذا الحدث يفتح المجال للتواصل بين المجتمعات المختلفة في أستراليا، ويساهم في مكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا المتزايدة.
أفاد سجل الإسلاموفوبيا في أستراليا بزيادة 600% في الحوادث المعادية للإسلام منذ 7 أكتوبر 2023، وهو ما يجعل الحوار والتواصل أكثر أهمية من أي وقت مضى.
يقول الإمام دادون:
"إذا كان الطريق إلى قلوب الناس يمر عبر معدتهم، فليكن ذلك! مرحبًا بكم في لاكيمبا، استمتعوا بالطعام، ودعونا نتحاور ونتعرف أكثر على بعضنا البعض كمجتمع متنوع ومتعايش."
أما بالنسبة لصاحب الأعمال المحلي، محمد الشريف، فهو يرى أن السوق فرصة ذهبية لتعريف الناس بالتنوع الثقافي في أستراليا، حيث يقول:
"يأتي الناس من خلفيات وثقافات مختلفة ليتعرفوا على ثقافتنا وتقاليدنا."
LISTEN TO

القادة الروحيون يهنؤون الجالية المسلمة بقدوم رمضان لهذا العام
SBS Arabic
28/02/202520:41
وتوافقه الرأي الشابة المسلمة إيمان علم الدين، مؤكدة أن "روح رمضان لا تزال موجودة، حيث يلتقي الزوار بمسلمين ويكتشفون أننا أناس طبيعيون مثلهم تمامًا."
ما بدأ كتجمع بسيط لمجموعة من الشباب بعد التراويح، تحول إلى مهرجان ضخم يجذب الملايين، مما خلق تحديًا بين الحفاظ على هويته الدينية وبين الانفتاح على التنوع الأوسع في أستراليا.
ومع استمرار السوق في التطور، يبقى السؤال مطروحًا: هل يمكن تحقيق التوازن بين روحانية رمضان والتوسع التجاري؟