ماذا ينتظر العالم بعد الهزة الاقتصادية التي ضربته مطلع 2020 مع ظهور كوفيد واعقبتها فسحة أمل في النصف الأول من العام 2021؟ يثير تفشي المتحورة أوميكرون الواسع النطاق القلق وإن كان الاقتصاد العالمي تأقلم على التعايش مع الجائحة.
هل النمو العالمي مُهدّد؟
حجم الأضرار الاقتصادية التي تسببت بها المتحورة غير واضح، ولكن النمو يمكن أن يعاني ما دامت القيود وتفشي أوميكرون تؤثر على عمل المؤسسات.
وحذّر صندوق النقد الدولي منذ بداية كانون الأول/ديسمبر من أنه قد يراجع توقعاته للنمو العالمي، علما أنها الآن 5,9 بالمئة للعام 2021 و4,9 بالمئة للعام 2022. وقد تتم هذه المراجعة بحلول نهاية كانون الثاني/يناير.
ولاحظ كبير الاقتصاديين في وكالة موديز مارك زاندي ان اوميكرون "تسببت أساسا بأضرار" في الولايات المتحدة، متوقعا نموا بنسبة 2,2 بالمئة في الربع الأول من العام، مقابل 5,2 بالمئة قبل تفشي المتحورة الجديدة. لكنه توقع تبدد هذه الاضطرابات في الربع الثاني من العام.وفي منطقة اليورو، رأى كبير اقتصاديي أوروبا في مركز كابيتال ايكونوميكس للابحاث أندرو كينيغهام أن "أوميكرون لن تؤدي إلى انكماش في الناتج المحلي الاجمالي في الربع الأول" مع توقع انتعاش في شباط/فبراير.
Population growth will help propel Australia to become the world's 11th biggest economy within a decade, a report predicts. Source: AAP
واختصر الوضع بقوله أنّ "كل موجة تحدث أضراراً أقل على النظام الصحي والاقتصادي مقارنةً بالتي سبقتها".
في المقابل، ثمة غموض اكبر بالنسبة الى الدول الناشئة التي لم تلقح سكانها بنسبة كبيرة، وكذلك الصين التي تفرض حجراً محلياً مشدّداً تنفيذا لاستراتيجيتها "صفر كوفيد-19".
ما هي القطاعات الأكثر تضرراً؟
ألغيت آلاف الرحلات الجوية خلال الأعياد ومثلها رحلات سياحية بحرية في حين أنّ حجوزات الفنادق ضعيفة، فأوميكرون تعيق الانطلاقة المرجوة لقطاع السفر الذي عانى كثيراً من الموجات السابقة.
ويخشى المتخصصون في قطاع الترفيه من أن يسبّب ازدياد أعداد المصابين بكبح حماسة مرتادي المسرح أو السينما.
ولكن في بورصات العالم تُحقق هذه القطاعات أرباحاً منذ بضعة أسابيع. ويقول المحلل من مؤسسة الاستثمارات "ي ج" فرنسا، ألكسندر باراديز "يبدو أن السوق مشرّع على ما بعد أوميكرون". منذ 20 كانون الأول/ديسمبر ارتفعت أسهم شركة السفن السياحية كارنيفال بأكثر من 20 بالمئة، وتلك التابعة لـ اير فرانس بحوالي 15 بالمئة، والشركة المصنعة للآلات وأدوات ورش البناء كاتربيلار إلى ما يقارب 25 بالمئة.
The hospitality industry is one sector to benefit from the easing restrictions. Source: AAP
هذه الأسهم التي تتأثر بشكل كبير بالظروف تستفيد من توقعات عودة وشيكة للاقتصاد، إلى حالته المعتادة.
هل سيزداد التضخم؟
قبل ظهور المتحورة أوميكرون بلغ التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا أعلى مستوياته منذ عدة عقود. ويمكن أن تزداد وتيرته، ففي منطقة اليورو بلغت نسبة التضخم في كانون الأول/ديسمبر أعلى مستوى منذ 25 عاماً، مسجّلةً 5 بالمئة خلال عام، بحسب ما أكد الجمعة مكتب الاحصاءات يوروستات.
وقال كبير الخبراء الاقتصاديين لدى الاتحاد الأميركي للتجار جاك كلينهنز إن "الأشخاص الذين يبقون في المنازل بسبب المتحورة يصرفون أموالهم على مواد استهلاكية بدل صرفها على خدمات مثل المطاعم أو الترفيه".
وأدى استنزاف القنوات العالمية للتموين إلى شح في المواد، والمواد الأولية، ويمكن أن يؤدي ارتفاع على الطلب إلى ارتفاع الأسعار.ويخشى الاحتياطي الفدرالي الأميركي هذا السيناريو ويعتزم طرح جدوله الخاص لرفع الفوائد بحسب تقرير صادر عن اجتماعه الأخير.
Source: Getty Images/jayk7
إلى ذلك تخسر العائلات البرازيلية أو النيجيرية من قدرتها الشرائية بسبب التضخم، كما أن الاقتصاد البريطاني على حافة الانكماش بحسب غرف التجارة البريطانية.
تحذيرات منظمة الصحة العالمية
بعد أيام من وصف سونيا بينيت نائبة كبير مستشاري الصحة في أستراليا متحور أوميكرون بأنه "أقل حدة" بالنسبة لمعظم الناس، قالت منظمة الصحة العالمية (WHO) وكبار علماء الأوبئة إن ذلك الادعاء غير دقيق.
وقال تيدروس أدهانوم غيبريسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية للصحفيين في جنيف: "بينما يبدو أن أوميكرون أقل خطورة مقارنة بالدلتا، خاصة في أولئك الذين تم تلقيحهم ، فإن هذا لا يعني أنه يجب تصنيف المتحور على أنه أقل خطورة".
قال: "تمامًا مثل المتغيرات السابقة ، يقوم أوميكرون بإدخال الأشخاص إلى المستشفيات ويقضي على العديد من الأشخاص، في الواقع سبب أوميكرون ارتفاع الحالات بشكل جنوني لدرجة أن الأنظمة الصحية في جميع أنحاء العالم لا تستطيع مواكبة تلك التطورات بالشكل اللازم".
ويتفق علماء الأوبئة في أستراليا مع هذا الرأي.
قال أدريان إسترمان، عالم الأوبئة من جامعة جنوب أستراليا، "هناك سببان لتوخي منظمة الصحة العالمية الحذر حيال ذلك".وتابع البروفيسور إسترمان: "الأول هو أنه حتى لو كانت الإصابة أقل حدة، فهناك الكثير من الأشخاص الذين يصابون الآن وإذا تعرضت نسبة صغيرة منهم لأعراض شديدة فإن ذلك يعني الكثير من الأشخاص الذين بحاجة للعلاج في المستشفيات وذلك لارتفاع اجمالي عدد الإصابات بشكل عام".
Adrian Esterman, epidemiologist from the University of South Australia. Source: Supplied
وأضاف موضحا: "والسبب الثاني هو أننا ببساطة لا نملك البيانات لنقول إنه أقل حدة في العديد من البلدان التي لديها نسبة عالية من الأشخاص غير المحصنين".
بينما ترتفع أعداد إصابات كوفيد-19 في أستراليا، قالت عالمة الأوبئة نانسي باكستر إن العدوى لا يمكن اعتبارها مثل "نزلات البرد" حتى الآن.
قالت باكستر وهي رئيسة كلية السكان والصحة العالمية في جامعة ملبورن ، لـ SBS الاخبارية: "أحد التحديات مع أوميكرون هو تلك السردية والتي تفترض بأنه متحور أقل حدة".وتضيف باكستر "وهذا ما جعلنا نفترض التقليل من قدرتها على تعطيل المجتمع، من المهم بالنسبة لنا أن ندرك أن هذا المتحور لم يصبح مثل نزلات البرد التقليدية".
Nancy Baxter, head of the Melbourne School of Population and Global Health at the University of Melbourne. Source: Supplied
أعربت باكستر عن قلقها من إصابة المزيد والمزيد من الأشخاص الذين تم تطعيمهم بهذا النوع من الفيروس التاجي.
وتابعت موضحة "جزء من السبب الذي يجعله يبدو أكثر اعتدالًا ليس لأنه أقل حدة بالضرورة، ولكن لأنه يصيب الأشخاص الذين حصلوا على لقاحات، إن أوميكرون في الواقع يلتف حول جهازنا المناعي بشكل أفضل من بعض المتحورات الأخرى، لذا من بعض النواحي، فإنه يوسع من دائرة من يمكنه إصابتهم، ولا يمكننا الاستهانة بهذا الأمر".