تحولات تاريخية في مفهوم الجنسية
في أوائل القرن العشرين، كانت ازدواجية الجنسية تُعتبر غير مرغوبة في العديد من الدول. في أستراليا، كانت النساء يفقدن جنسيتهن تلقائياً عند زواجهن من أجانب، كما أن الأمريكيين كانوا عرضة لفقدان جنسيتهم لمجرد التصويت في انتخابات أجنبية. لكن مع مرور الزمن، بدأت الحكومات تدرك العواقب الوخيمة لسحب الجنسية، حتى لو ظل الشخص مواطناً في دولة أخرى.
أقرت المحاكم في كل من الولايات المتحدة وأستراليا بأن فقدان الجنسية يعد عقوبة قاسية لا ينبغي فرضها تعسفياً، ما أدى إلى تعديلات تشريعية تحد من صلاحيات الحكومات في هذا الشأن.
ازدواجية الجنسية بين الامتيازات والقيود
مع تزايد العولمة، أصبح الحصول على جواز سفر ثانٍ أمراً شائعاً بين الأستراليين الذين يستفيدون من أصولهم العائلية للحصول على جنسيات أخرى، ما يُسهّل عليهم السفر والعمل في الخارج. غير أن بعض السياسيين، مثل داتون، يرون أن ازدواجية الجنسية قد تُستخدم كوسيلة لعودة "الأشخاص غير المرغوب فيهم" إلى البلاد.
حاليًا، يسمح القانون الأسترالي للوزراء بتقديم طلب لسحب الجنسية، لكن القرار النهائي يعود للمحاكم التي لا تبت فيه إلا عند إصدار الأحكام الجنائية في قضايا مثل الإرهاب والخيانة العظمى. أما المقترح الجديد فيهدف إلى منح الوزراء صلاحيات مباشرة لاتخاذ هذا القرار دون الحاجة إلى تدخل المحاكم.
مواقف دولية مشابهة
أستراليا ليست الوحيدة التي تعيد تقييم علاقتها بمزدوجي الجنسية. في الولايات المتحدة، يواجه الملياردير إيلون ماسك دعوات لسحب جنسيته الكندية بسبب مزاعم حول محاولته "تقويض" سيادة كندا ضمن أجندة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. في المجر، يسعى رئيس الوزراء فيكتور أوربان إلى تعديل الدستور لسحب الجنسية ممن يعتبرون "تهديدًا للنظام العام"، وهو جزء من حملة أوسع تستهدف المهاجرين والمعارضين السياسيين.

Tesla CEO Elon Musk is a top adviser to US President Donald Trump. In a now-deleted post on X, he mocked a petition calling for his Canadian citizenship to be revoked, saying: "Canada is not a real country." Source: AAP / Jae C Hong/AP
على الرغم من كونها حقاً دستورياً في الولايات المتحدة، فإن الحصول على الجنسية الأسترالية يخضع لقرارات السياسيين. يتطلب الأمر سنوات من الإقامة بشروط صارمة، حتى لمن لديهم روابط عائلية قوية بالبلاد. ومع ذلك، فإن الجنسية تُعتبر مكسباً هاماً يمنح الأفراد حق التصويت، الحصول على جواز سفر أسترالي، ودخول البلاد والبقاء فيها.
في حالات معينة، دافعت الحكومة الأسترالية عن مواطنيها المحتجزين في الخارج، كما حدث مع جوليان أسانج وشينغ لي وشون تورنيل، لكن في المقابل، شهدت السنوات الأخيرة محاولات لترحيل مزدوجي الجنسية الذين ثبتت إدانتهم بجرائم، لا سيما في قضايا الإرهاب.
التحديات القانونية والحقوقية
في عام 2020، أقرَّ البرلمان الأسترالي قوانين تمنح الوزراء صلاحية سحب الجنسية من أي شخص أُدين بجرائم خطيرة وحُكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات على الأقل، لكن في عام 2022، قضت المحكمة العليا بأن هذه الإجراءات تُعتبر "عقوبة"، وبالتالي لا يجوز للسياسيين اتخاذ مثل هذه القرارات دون إشراف قضائي.
المحكمة الأسترالية العليا شددت على أن فقدان الجنسية هو "خسارة جسيمة" تعني فعليًا الحرمان من العودة إلى الوطن، مما يشكل عقوبة قاسية تتطلب إجراءات قضائية عادلة.
LISTEN TO

ما هو "الوشق المصري" ولماذا أصبح حديث مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي؟
SBS Arabic
23/03/202506:07
آثار الترحيل على حياة الأفراد
تعرض العديد من النيوزيلنديين الذين عاشوا في أستراليا لعقود للطرد بسبب تغييرات في قوانين الهجرة الأسترالية عام 2014. على سبيل المثال، تم ترحيل لاريس ريني، البالغة من العمر 72 عامًا، في عام 2019 بعد إلغاء تأشيرتها نتيجة إدانة بجريمة متعلقة بالمخدرات، رغم أنها عاشت في أستراليا لأكثر من 55 عاماً. في عام 2023، عدّلت الحكومة الأسترالية موقفها وبدأت تأخذ في الاعتبار مدة إقامة الأفراد قبل اتخاذ قرار بترحيلهم.
الفصل بين السلطات ودور القضاء
يُعد اقتراح داتون بتعديل الدستور لمنح الوزراء سلطة سحب الجنسية خطوة قد تُخل بتوازن السلطات في أستراليا، حيث يقوم النظام الديمقراطي على الفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية (البرلمان)، التنفيذية (رئيس الوزراء والوزراء)، والقضائية (المحاكم).
تؤكد البروفيسورة هيلين إيرفينغ، أستاذة القانون الدستوري بجامعة سيدني، أن هذا الفصل ضروري لحماية الأفراد من العقوبات التعسفية، إذ يجب أن يتم تحديد العقوبات الجنائية من قبل القضاة وليس السياسيين.
مستقبل ازدواجية الجنسية في أستراليا
على الرغم من الجدل الدائر حول هذه القضية، يرى بعض الخبراء، مثل المسؤول السابق في دائرة الهجرة أبول رضوي، أنه من غير المحتمل أن تتراجع الحكومة الأسترالية عن قبول ازدواجية الجنسية، خاصة أن أكبر مجموعتين من مزدوجي الجنسية في البلاد هما البريطانيون والنيوزيلنديون، ولا ترغب أي حكومة في إثارة غضبهم.
وفقًا لإحصائيات التعداد السكاني، فإن أكثر من نصف سكان أستراليا إما وُلدوا خارجها أو لديهم والد واحد على الأقل وُلِد في الخارج، مما يعكس طبيعة المجتمع الأسترالي المتعدد الثقافات.