بعد فوز حزب العمّال بقيادة أنتوني ألبانيزي بولاية جديدة وبأغلبية مريحة، يبدو أن الحكومة ماضية في تنفيذ خططها لتعديل نظام الضرائب المفروضة على عوائد الاستثمار في صناديق التقاعد "السوبر"، وهو ما يثير مخاوف من تداعيات معقّدة، خاصة على بعض الفئات من المتقاعدين.
النظام التقاعدي في أستراليا: عماد مزدوج
يعتمد النظام التقاعدي في أستراليا على ركيزتين أساسيتين:
1. المعاش التقاعدي الحكومي المموّل من الدولة،
2. وصندوق التقاعد الخاص المعروف بـ"السوبر"، والذي يعتمد على مساهمات إلزامية من أصحاب العمل بالإضافة إلى مساهمات اختيارية من الأفراد.
يمكن للمواطن الجمع بين الركيزتين، غير أن حجم الراتب التقاعدي الحكومي يتقلّص كلما زادت أصول الفرد في صندوق التقاعد الخاص.
ويمتلك نحو 70% من الأستراليين أصولهم التقاعدية في صناديق منظمة من قبل الهيئة الرقابية الأسترالية (APRA)، فيما يحتفظ 25% بها عبر صناديق تقاعد ذاتية الإدارة (SMSFs).
اقرأ المزيد

من هو "ليو الرابع عشر" خليفة البابا فرنسيس
ما الذي تنص عليه الضريبة الجديدة؟
بدءًا من الأول من يوليو/تموز، تخطط الحكومة لرفع الضريبة التفضيلية على أرباح صناديق التقاعد في مرحلة التراكم (حين لا تزال المساهمات تُضَخ في الصندوق) من 15% إلى 30%، وذلك على الأرصدة التي تتجاوز ثلاثة ملايين دولار.
وسيتأثر بهذا القرار نحو ثمانين ألف صاحب حساب تقاعدي فقط، أي ما يُعادل 0.5% من إجمالي أصحاب الحسابات. ومع ذلك، سيظل الجزء الأول من الرصيد، أي الثلاثة ملايين الأولى، خاضعًا للضريبة المخفّضة بنسبة 15%، وسيُسمح أيضًا بحمل الخسائر كتعويض عن الضرائب المستقبلية.
إشكالية الأرباح غير المحققة
لكن ما أثار القلق هو أن الإصلاح الجديد يتضمّن فرض ضريبة على الأرباح غير المحققة أي على الأرباح الورقية الناتجة عن ارتفاع قيمة الأصول كالعقارات أو الأسهم، حتى إن لم يتم بيعها فعليًا. وهذا يُعد خروجًا كبيرًا عن الممارسات الضريبية الحالية، والتي تفرض ضرائب على المكاسب فقط عند بيع الأصل وتحقيق الربح بشكل فعلي.
وقد يكون هذا الإجراء مرهقًا بشكل خاص لصناديق التقاعد ذاتية الإدارة، التي غالبًا ما تتركز أصولها في ممتلكات كبيرة يصعب بيعها بسرعة، مثل المزارع أو العقارات التجارية. وفي حال اضطرّت هذه الصناديق إلى دفع ضرائب على مكاسب غير محققة، قد لا تمتلك السيولة الكافية لتسديد الفاتورة الضريبية، مما يُجبر أصحابها على بيع الأصول في توقيت غير مناسب.
LISTEN TO
"الوظيفة وحدها لا تكفي": كيف غيّر مهاجر يمني واقعه في أستراليا من موظف إلى صاحب شركة عقارية؟
SBS Arabic
10:55
دوافع الحكومة: الإنصاف والاستدامة
يرى وزير الخزانة، جيم تشالمرز، أن لهذه الخطوة بعدين أساسيين:
أولًا، معالجة الضغط المتزايد على ميزانية الدولة، حيث إن الامتيازات الضريبية الممنوحة لصناديق التقاعد تكلف الخزينة نحو خمسين مليار دولار سنويًا، وهو مبلغ يقترب من كلفة المعاش التقاعدي الحكومي.
وثانيًا، معالجة التفاوت، إذ إن هذه الامتيازات الضريبية تذهب في معظمها إلى أصحاب الثروات، الذين لا يعتمدون أصلًا على المعاش الحكومي.
وقد وصف معهد "غراتن" هذه الصناديق بأنها تحوّلت إلى "آلية للإرث بتمويل من دافعي الضرائب"، لا سيّما بعد أن كشفت تقارير وزارة الخزانة أن العديد من الأستراليين يموتون وهم يحتفظون بأرصدة تقاعدية كبيرة.
تساؤلات حول فعالية الضريبة الجديدة
رغم أنّ الهدف المعلن من هذه الضريبة هو تعزيز العدالة المالية واستدامة نظام التقاعد، فإنّ صيغة التنفيذ لا تزال تثير الجدل، لا سيما في ظل غياب بدائل مرنة مثل تلك المطروحة في الولايات المتحدة، حيث شملت خطة الرئيس جو بايدن فرض ضرائب مماثلة على أرباح غير محققة لكن مع إمكانية تقسيط الدفع على سنوات أو سداد فائدة تأجيل.
في أستراليا، قدّمت الحكومة تنازلًا بسيطًا بمنح فترة سداد تمتد لثمانين وأربعة يومًا بدلًا من واحد وعشرين يومًا، وهو ما اعتُبر غير كافٍ لتخفيف العبء عن أصحاب الصناديق الصغيرة.
ويبقى السؤال: هل تمثّل هذه الضريبة على الأرباح غير المحققة، رغم تقلّب قيمتها، الوسيلة المثلى لتحقيق العدالة المالية؟ أم أن هنالك طرقًا أكثر توازنًا تضمن استدامة نظام التقاعد دون إرهاق فئة صغيرة من المتقاعدين؟