في السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر، اندلعت أعمال شغب في أمستردام عقب مباراة كرة قدم في الدوري الأوروبي بين فريق مكابي تل أبيب الإسرائيلي وفريق أياكس الهولندي. الحادث أسفر عن إصابة خمسة أشخاص واعتقال 63 آخرين. وعبرت شخصيات بارزة حول العالم عن إدانتها الشديدة لما وصفوه بـ "الهجوم المعادي للسامية المروع". لكن التقارير الأولية لم تذكر التفاصيل الكاملة لما وقع في الشوارع المحيطة بالملعب.
فيما قالت عمدة أمستردام، فامكي هيلسما، إن مشجعي مكابي تل أبيب تعرضوا للاعتداء من قبل عصابات على دراجات نارية، ووصفت الهجمات بأنها "معادية للسامية". فيما قال رئيس الوزراء الهولندي، ديك شوف، إنه اضطر لإلغاء مشاركته في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في ضوء "التأثير الاجتماعي الكبير" الذي أحدثته هذه الأعمال. من جانبها، اعتبرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، الهجوم "بغيضاً"، بينما وصفه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بـ "المشين" مشيراً إلى أنه يذكر "لحظات مظلمة في التاريخ عندما كان اليهود مضطهدين".
الجانب الأكثر إثارة للجدل في هذه القضية هو انتشار المعلومات المضللة حول الأحداث. بينما كان الإعلام الغربي سريعاً في نقل مشاهد العنف ضد مشجعي مكابي، بدأ عدد من الصحافيين والمصادر المحلية في أمستردام يشيرون إلى أن الرواية لم تكن كاملة.
آنيت دي غراف، مصورة هولندية كانت حاضرة في الموقع، التقطت لقطات لمشجعي مكابي وهم يرددون هتافات معادية للعرب ويشعلون الألعاب النارية في شوارع المدينة. ومع أن مقاطع الفيديو التي نشرتها أصبحت شائعة على وسائل الإعلام الدولية، إلا أن دي غراف اتهمت وسائل الإعلام بنقل معلومات مضللة عن عمد، مشيرة إلى أن بعض التقارير التي نشرت على "سكاي نيوز" وصفت مجموعة من المشجعين الذين ظهرت صورهم في فيديوهاتها بأنهم "رجال ملثمون"، رغم أنهم كانوا في الواقع مشجعي مكابي تل أبيب.
وقالت دي غراف عبر حسابها على منصة "إكس": "الصحافة يجب أن تكون عن الحقيقة، وليس عن تحريف الوقائع لزيادة المشاهدات أو تحقيق الربح. تلك الفيديوهات هي حقيقة ما حدث."
Fans of Maccabi Tel Aviv stage a pro-Israel demonstration at the Dam Square, lighting up flares and chanting slogans ahead of the UEFA Europa League match between Maccabi Tel Aviv and Ajax in Amsterdam. Source: Anadolu / Anadolu/Anadolu via Getty Images
دور الإعلام في تأجيج الغضب
المعركة على الرواية الحقيقية لهذه الأحداث تتجاوز مجرد تحديد المسؤوليات، بل تشمل أيضًا تأثير اللغة المستخدمة في التقارير الإعلامية. ففي كثير من الحالات، وصفت التقارير العنف بـ "المجزرة" و"الهجوم المعادي للسامية"، مما أثار مخاوف من أن هذه المصطلحات قد تؤدي إلى تأجيج الكراهية والتوترات بين المجتمعات.
في هذا السياق، حذرت سارة شوارز، محامية حقوق الإنسان ومديرة مجلس يهود أستراليا، من أن استخدام كلمات مثل "المجزرة" أو الإشارة إلى الحوادث بوصفها "مذبحة"، يعد أمراً خطيراً للغاية. وقالت: "هناك تاريخ طويل من المجازر التي تعرض لها اليهود في أوروبا. استخدام هذه المصطلحات يثير ردود فعل عاطفية قد تساهم في تأجيج الصراعات بدلاً من تهدئتها."
ورغم ما حدث من عنف، شددت شوارز على أن الحكومة الهولندية اتخذت خطوات سريعة في ردها على العنف، حيث سارعت إلى إدانة الاعتداءات وتوفير الحماية للمجتمع اليهودي. هذا الإجراء يختلف بشكل كبير عما وقع خلال أحداث مشابهة في أماكن أخرى من العالم، حيث تغاضت السلطات عن التصرفات العنيفة أو حتى شجعتها.
Maccabi Tel-Aviv fans light fireworks in the stands at Johan Cruyff Arena during the UEFA Europa League match between Ajax and Maccabi Tel Aviv FC. Source: SIPA USA / Pro Shots Photo Agency/Pro Shots/Sipa USA
آثار الانقسامات الاجتماعية على المجتمعات حول العالم
يعد هذا العنف نقطة تحول في كيفية تعامل المجتمعات مع التوترات العرقية والدينية، ليس فقط في أوروبا، بل في دول أخرى أيضًا.
في أستراليا، أدانت وزيرة الشؤون الخارجية، بيني وونغ، الهجمات المعادية للسامية في أمستردام، ولكنها أكدت أن العنف بكافة أشكاله يجب أن يُدان. وونغ أضافت أن "العنف في جميع أشكاله غير مقبول"، لكنها أيضًا أشارت إلى ضرورة معالجة الحقيقة كاملة. وتعتقد أن "بعض الاعتداءات كانت ردود فعل على الهتافات العنصرية والهجمات التي بدأها بعض مشجعي مكابي."
وقالت سارة شوارز إن "التغطية الانتقائية" للأحداث في أمستردام لها تأثيرات خطيرة على المجتمعات في أستراليا وحول العالم، حيث تساهم في زيادة الانقسامات بين مختلف المجتمعات العرقية. "عندما نتجاهل شكلًا من أشكال العنصرية ونركز فقط على شكل آخر، نساعد على تعزيز الانقسامات بين المجموعات العرقية."
Maccabi fans clashed with pro-Palestinian citizens and ripped off Palestinian flags hung on the streets. In the lead-up to the Ajax vs Maccabi Tel Aviv match, several areas of Amsterdam have been designated as security risk zones. Source: Anadolu / Anadolu/Anadolu via Getty Images
ماذا بعد؟
بينما تواصل الشرطة الهولندية تحقيقاتها في ما حدث في أمستردام، هناك دعوات لضرورة معالجة الأمور من منظور شامل، يراعي جميع جوانب الحادثة، ويضمن عدم تحريف الحقائق أو تجاهل الأحداث التي قد تؤدي إلى تفاقم الصراعات. في الوقت نفسه، تبقى القصة عن العنف الجماعي في أمستردام درساً آخر في كيفية استخدام الإعلام للتأثير على الرأي العام، وأهمية تحري الدقة عند نقل الأخبار.
الأزمة في أمستردام تفتح نقاشًا أوسع حول دور الإعلام في تشكيل الرأي العام، وحول مسؤولية وسائل الإعلام في نقل الحقيقة، خاصة في ظل انتشار المعلومات المضللة التي تؤثر بشكل مباشر على الأوضاع الاجتماعية والسياسية.