مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لعودة حركة طالبان إلى الحكم في أفغانستان تحذر منظمات إنسانية من تدهور الأوضاع المعيشية في ذلك البلد الذي يعاني بالإضافة إلى انعدام الأمن والاستقرار، من جفاف هو الأسوأ منذ 37 عاما، وتراجع النظام الصحي والتعليمي.
وتقول منظمة اليونيسف إن 24 مليون أفغاني يحتاجون للمساعدة الإنسانية العاجلة، أكثر من نصفهم من الأطفال.
ولقد وصل حوالي 5000 أفغاني إلى أستراليا منذ شهر فبراير هذا العام بموجب تأشيرات إنسانية مؤقتة.
كما وتم إحضار 1000 أفغاني بموجب تأشيرات إقامة دائمة في العام المالي 2021 – 2022 بحسب بيانات .
ومن هؤلاء، السيدة قمرية شيراني، التي وصلت مع عائلتها المكونة من زوج وخمس بنات إلى أستراليا في أواخر عام 2021.ومنذ توليها السلطة، فرضت طالبان قيودًا مختلفة على النساء والفتيات، على الرغم من تعهدها بحكم أكثر ليونة مقارنةً بفترة توليها الأولى في السلطة في التسعينيات. فقد حظرت عليهن تولي وظائف حكومية والتعليم في المرحلة الثانوية والسفر لمسافة تزيد عن 72 كيلومترا بدون محرم.
Qamaria speaking at a university event. Source: Qamaria
وذكر صدر في 20 تموز يوليو 2022 أن "تآكل حقوق المرأة" كان أحد أبرز نتائج إدارة طالبان منذ وصولها إلى السلطة في عام 2021 مجددا.
وسلط التقرير الضوء على تآكل حقوق المرأة باعتباره "أحد أبرز جوانب إدارة الأمر الواقع حتى الآن". فمنذ 15 آب /أغسطس، تم تقييد حقوق النساء والفتيات في المشاركة الكاملة في التعليم ومكان العمل والجوانب الأخرى للحياة العامة واليومية بشكل تدريجي وفي كثير من الحالات تم إلغاؤها بالكامل.وقالت بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان (يوناما) إن قرار عدم السماح للفتيات بالعودة إلى المدرسة الثانوية يعني أن جيلاً من الفتيات لن يكمل تعليمه الأساسي. وفي نفس الوقت، تم تقييد وصول ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي إلى العدالة بسبب حل مسارات الإبلاغ المخصصة وآليات العدالة والملاجئ.
A burqa-clad Afghan woman on a roadside in Kandahar, Afghanistan, 20 July 2022. EPA/STRINGER Source: EPA
قمرية التي تحمل شهادة في الحقوق تدرك أهمية التحصيل العلمي وحصول النساء على حقوقهن.
كأم، كبنت، كامرأة، كلنا لنا طموحات وأمنيات ونريد أن نحققها، يجب أن نرفع الصوت لأجلنا، لأجل كل أم وزوجة وامرأة
وتقول قمرية إن بناتها "ذكيات وطموحات، وأنا كأم أريد أن تكون لكل واحدة شخصية متعلمة ومثقفة، وهذا الشيء صعب جدا أو حتى مستحيل في أفغانستان الآن".وتقول إن استيلاء حركة "طالبان" على أفغانستان في أغسطس/آب 2021 أدى إلى فرار عشرات آلاف الأفغان، وتنوه المنظمة أيضا إلى وضع النساء والفتيات وعائلاتهن، وتقول إن خشيتهن من عدم التمكن من العمل أو الدراسة، يدفعهن أيضا للفرار من البلاد.
Qamaria's daughters before the family left for Australia in 2021. Source: Qamaria
وتضيف المنظمة بأن الكثير من الأفغان لا يزالون عرضة لخطر الاستهداف بسبب عملهم السابق أو ارتباطهم بقوات التحالف، والحكومة الأفغانية السابقة، وبرامج التنمية الدولية، ووسائل الإعلام، والمجتمع المدني، ومنظمات أخرى تعمل على تعزيز حقوق الإنسان.
حاولوا اغتيال زوجي بتفجير سيارته لكنه نجا والحمد لله
تقول قمرية إن زوجها كان من الذين يعملون على إرساء السلام والأمن في أفغانستان على المستوى الشعبي. وإنه تعرض لمحاولة اغتيال.
"كان زوجي يعمل على المستوى الشعبي لإنهاء هذه الحرب وهذا الوضع بوجه عام لكن للأسف الشديد توجد قوات لا تريد الثبات والاستقرار لأفغانستان، لذلك تلقى تهديدات عديدة، وحاولوا قتله بأن وضعوا مواد متفجرة تحت سيارته، ولكن بفضل الله ذلك اليوم كان عندنا ضيوف وتأخر زوجي بالخروج ونجا والحمد لله".
The wreckage of the family car after a bomb intended for Qamaria's husband detonated. Source: Qamaria
درست الحقوق ولدي خمسة أطفال وتخرجت قبل عودة طالبان بأسبوع
التحصيل العلمي كان مهما لقمرية، فهي درست الطب والحقوق قبل عودة حركة طالبان إلى الحكم. وأنجزت دراستها رغم المسؤوليات العائلية والاجتماعية الكثيرة، لكنها لم تفرح بفرحة التخرج.
"بدأت بدراسة الطب في باكستان لمدة سنتين ثم عدت إلى أفغانستان وبعد خمسة أطفال بدأت دراسة الحقوق لفترة أربع سنوات بصعوبة تامة، وبعد أسبوع من تخرجي تغيرت الأحوال وعادت طالبان، وغادرت افغانتسان".
رحلة بين الخوف والأمل بين أفغانستان وأستراليا
ولم تكن الرحلة بين أفغانستان وأستراليا سهلة، فلقد كانت شاقة ومحفوفة بالخوف والترقب لكن الأمل بالعبور إلى بر الأمان كان الضوء الذي أنار الطريق.
"كان فيها خوف، الخوف من كل شيء، من الثقافة من اللغة ن الناس ولكن كان فيها أمل وبعض الاطمئنان لان زوجي عندما كان يخرج من البيت كنت أخاف ان اسمع هاتف يقول لي ان زوجك لن يعود بعد اليوم، لكننا الآن وصلنا إلى بر الأمان وستكون حياتنا مكللة بالسعادة إن شاء الله".
حرية المرأة في كل المجالات، مساواتها بالرجل سواء بالتعليم أو العمل
ووصلت قمرية وعائلتها إلى أستراليا حيث كانت تأمل بالعثور على الطمأنينة والسعادة، فكيف كان انطباعها الأول عن هذه البلاد وهل تحققت تلك السعادة ؟
"انطباعي جيد جدا. الإحساس بالأمل، بحسن الضيافة من الحكومة الاسترالية، حرية المرأة في كل المجالات، مساواتها بالرجل سواء بالتعليم أو العمل، ووجود الفرص بأي شيء، فرحت بذلك كثيرا، ووجدت الأمل".
ومع هذا فإن لتغيير المكان والعادات والتقاليد والثقافة تأثيرا على المرحلة الأولى من الاستقرار، كما تقول قمرية، لكنها تعمل ما بوسعها على الاندماج في هذا المجتمع، وتقول إن بناتها الخمس متحمسات جدا ولديهن قدرة على التأقلم بسرعة أكبر.
"عندما يتغير الوضع كله على الانسان، الثقافة كلها، اللغة بأكملها، فهناك ما يعرف بالصدمة الثقافية، هذا الشيء موجود، لكن بناتي صغيرات بالسن ولا يفهمن هذا كثيرا، ولديهن حماس كبير لرؤية أستراليا، وعندما كنا نقول لهم إننا سنغادر أفغانستان ونذهب إلى أستراليا فكن دائما يبحثن عن أستراليا وعن جوها وجغرافيتها وثقافتها ولغتها، وعندما وصلنا هنا فرحن بهذا الشيء، وهن سعيدات ويحاولن الاندماج، لكنهن يفتقدن أصدقاءهن والعائلة أحيانا".قمرية التي تجيد سبع لغات منها العربية، أحبت أستراليا بكل ما فيها، لكن أكثر شيء فاجأها هو الهدوء في المناطق والأحياء، والصمت العميق.
Qamaria and her five daughters are making a new life in Australia. Source: Qamaria
السكوت العميق في المناطق، لا يوجد أحد في الحدائق لكي تجلسي وتندمجي معه، الجيران لا يسلمون على بعض، نسكن في هذا المكان منذ ثلاثة شهور، ولم نر أحدا من الجيران، فقط نسمع سيارة راحت وسيارة جاءت
مغادرة المكان حتى لو لم يكن آمنا تترك حسرة في النفس وحنينا له وللذكريات ولأشخاص يتركهم المهاجر حتى لو كانت الهجرة قسرية، وهذا ما تشعر به قمرية بعد سبعة شهور على وصولها الى استراليا.
"طبعا تركنا بلدنا تركنا اهلنا وثقافتنا، مثل تجمع العائلات في مناسبات مختلفة، نفس اللغة، نفس الدين، صعب جدا هذا الإحساس".وترسم المنظمات الانسانية صورة قاتمة عن الظروف المعيشية في أفغانستان بعد مرور عام تقريبا على عودة طالبان إلى الحكم.
Human Rights Chief within the United Nations Assistance Mission to Afghanistan, Fiona Frazer Source: (AP Photo/Ebrahim Noroozi)
24 مليون أفغاني يحتاجون للمساعدة الإنسانية العاجلة، أكثر من نصفهم من الأطفال
وتقول ة إن 24 مليون أفغاني يحتاجون للمساعدة الإنسانية العاجلة، أكثر من نصفهم من الأطفال.
كما وتعاني أفغانستان جراء الزلزال الذي ضربها مؤخرا، ومن جفاف هو الأسوأ منذ 37 عاما.
وتقول مندوبة الأمم المتحدة التي تعمل في أفغانستان "سام مورت" إن هناك أزمة سوء تغذية، وهي بالإضافة إلى الأمراض تقتل الأطفال هناك".
فكيف تؤثر هذه الظروف على قمرية التي وصلت إلى بر الأمان في استراليا؟
يوجد ضغط عصبي، وحزن على شعبنا المظلوم الذي يواجه الفقر، والنساء والبنات المحرومات من العمل والتعليم
"طبعا يوجد ضغط عصبي، وحزن على شعبنا المظلوم الذي يواجه الفقر، والنساء والبنات المحرومات من العمل والتعليم، خاصة كوني أم لخمس بنات، أشعر مع كل الأمهات، وأشعر بالخوف تجاه عائلتي من أن يصيبهم مكروه، وسأكون سعيدة جدا لو أتيحت لهم الفرصة للقدوم إلى أستراليا، وأشكر الحكومة الأسترالية على كل الخدمات التي منحتها لنا، لأننا نشعر بهذا الشعور الصعب".
وعلى الرغم من الصعوبات تقول قمرية إن استقرارها وعائلتها في منطقة تقطنها الجالية الأفغانية يخفف من الشعور بفقدان الوطن.
"اخترنا هذه المنطقة رغم أنها كانت صعبة علينا دفع إيجار هذا المكان، لأن الراحة النفسية بين الأفغانيين، نحن نحس في المناسبات مثل العيد مثلا، بنفس الاحساس مثل بلدنا تقريبا".
إذا وصلت إلى استراليا فاعتبر أن أستراليا وطنك وبيتك وكن سعيدا فيه، وتيقن بأن كل ما كنت تسعى إليه طوال عمرك سيحقق
ومن خلال تجربتها الحديثة العهد بالاستقرار في أستراليا، تقدم قمرية نصيحة لكل مهاجر جديد من أجل حياة أسهل.
"رغم أنهم سوف يغادرون بلدهم ويتركونه، برضاهم أو غير رضاهم، إذا وصلت إلى استراليا فاعتبر أن أستراليا وطنك وبيتك وكن سعيدا فيه، وتيقن بأن كل ما كنت تسعى إليه طوال عمرك سيحقق هنا لكن يحتاج إلى بعض المحاولات. لأن الفرص كثيرة وفي كل المجالات".
وكعربون شكر لأستراليا تقول قمرية إنها وعائلتها لن يترددوا في فعل أي شيء للمساهمة في تنمية هذا المجتمع وتقدمه.
"طبعا طبعا، نشكر الدولة الأسترالية من أعماق قلبنا، أنا وأطفالي نشكر الحكومة الأسترالية على حسن الضيافة التي وجدناها هنا، راينا التقدم في استراليا، وحرية المرأة ومساواتها مع الرجل، سواء في التعليم أو العمل، ولن نتردد أبدا في اشتراكنا وأخذ مساهماتنا في تنمية هذا المجتمع الأسترالي وتقدمه".