مثّل انفجار مرفأ بيروت أحد أكبر الانفجارات غير النووية في تاريخ العالم، وتسبّب في ارتدادات هزّت المدينة، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 220 شخصًا، وإصابة أكثر من 7000 آخرين، وإلحاق أضرار جسيمة بالممتلكات، وتهجير 300 ألف شخص، ولكن إلى اليوم لا تزال التحقيقات موقوفة من خلال منع القاضي من استكمال عمله.
وفي شهر ديسمبر الماضي، أوقف التحقيق مما أدى إلى تأخير الملف، وهذا ما دفع إحدى عشرة منظمة حقوقية، إلى دعوة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لإصدار قرار يقضي بإنشاء بعثة لتقصي الحقائق بشأن الانفجار
ويقول الدكتور مكرم رباح إن الأجواء التي سادت في لبنان عشية الذكرى الثانية لانفجار المرفأ أجواء سوداوية.
الأجواء سوداوية ويوجد نوع من الإحباط
"الأجواء سوداوية ويوجد نوع من الإحباط لا سيما لأن العدالة لم تحقق وليس هناك من نية عند الطبقة الحاكمة بأن تتجه نحو العدالة أو حتى أن تشرح للشعب اللبناني ما حصل، وحتى أن تقوم بطريقة صحيحة بتنظيف مسرح الجريمة بحيث لا يتم طمس معالم الجريمة ولا تتحول تلك الاهراءات إلى قنبلة جديدة.
ويضيف بأن الانهيار الذي حصل في إحدى صوامع القمح هو رسالة للشعب اللبناني.
يريدوننا أن ننسى تلك الجرائم التي ارتكبت وترتكب بحق الشعب اللبناني
"انهيار قسم من هذه الاهراءات هي رسالة واضحة بأن هذه الطبقة المجرمة تريد أن تخرب مسرح الجريمة وأن تعتبر بأن ما حصل في 4 آب هو من الماضي وعلينا أن ننسى تلك الجرائم التي ارتكبت وترتكب بحق الشعب اللبناني".
ويقول الدكتور مكرم رباح إن لانهيار الاهراءات رمزية مهمة في ظل ما يمر به الشعب اللبناني من ضائقة معيشية والانتظار أمام الأفران لتحصيل رغيف الخبز.
"نحن لسنا بحاجة للاهراءات كمبنى لتخزين القمح، نحن تجاوزنا هذه المرحلة، ولكن ما يحصل الآن في لبنان من ذل للشعب اللبناني للحصول على لقمة العيش ورمزية ما حصل من انهيار للاهراءات هو كذلك صورة لانهيار الدولة، وتحول الدولة إلى مسخ أو وحش يريد أن يقتل أبناء الشعب اللبناني".
حزب الله يطالب بتحقيق عادل في انفجار مرفأ بيروت "بعيداً عن المزايدات والتحريض"
واليوم، طالب حزب الله اللبناني بتحقيق نزيه وعادل وفق الأصول القانونية، ومراعاة وحدة المعايير، بعيداً عن الاستثمار السياسي والتحريض الطائفي والمزايدات الشعبوية، فيما يتعلق بانفجار مرفأ بيروت.
وقال الحزب في بيان صحفي، بمناسبة الذكرى الثانية لانفجار الرابع أغسطس 2020، أوردته الوكالة الوطنية للإعلام، إن "هذه المأساة الوطنية الكبرى التي أصابت لبنان وشعبه في الصميم، تحل ولا يزال يعاني من آثارها ونتائجها الوطن على المستويات كافة".
وأكد أن «العدالة وحدها هي من يحقق الانصاف ويطمئن النفوس ويضمد الجراح ويثبت الاستقرار الداخلي ويدفع بنا جميعا الى الحوار الهادىء والعمل المشترك لتجاوز الازمة الخطيرة التي يمر بها بلدنا لبنان».
وعبر الحزب عن تعاطفه مع أهالي جميع القتلى الذي سقطوا في هذه الحادثة ومع كل الذين تضررت املاكهم ومنازلهم وأعمالهم في بيروت وعلى امتداد الوطن، مشيرا إلى أنه خلال العامين الماضيين شهدت البلاد موجة هائلة من الحملات السياسية والاعلامية المكثفة، والتي تضمنت اتهامات باطلة وزائفة وقدراً كبيراً من التحريض أدى إلى توتر داخلي في غاية الخطورة كاد أن يطيح بأمن البلد واستقراره.
ولم تشكل حكومة جديدة في لبنان بعد الانتخابات النيابية التي جرت في الخامس عشر من شهر أيار مايو الماضي. ويقول الدكتور مكرم رباح إنه ليس هناك من أمل قريب لتشكيل الحكومة قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ليس هناك من إمكانية لتسوية إقليمية كما يطمح البعض بوجود سلاح حزب الله
"ليس هناك من تسوية تؤدي إلى تشكيل حكومة، لا سيما بأن دخول المجلس النيابي وتحويله إلى جسم اقتراعي في الأول من أيلول يمنع من تشكيل حكومة، والميقاتي لن يقوم بإخراج الزير من البير، هو مجرد شماعة لهذه الطبقة السياسية، وأي محاولة لتسوية تقودها فرنسا عبر محاولة فرض مرشحين مثل سليمان فرنجية، أو آخرين من تلك الطبقة، هو شيء لا يعني الشعب اللبناني، ليس هناك من إمكانية لتسوية إقليمية كما يطمح البعض بوجود سلاح حزب الله".
ليس هناك من تعافٍ اقتصادي من دون الكلام الواضح عن استعادة السيادة اللبنانية
ويقول الدكتور رباح إن التعافي الاقتصادي لن يحصل في ظل غياب السيادة.
"الكل يريد تفادي الفيل في الغرفة، الكل يريد أن يتفادى أن حسن نصر الله يحتجز الشعب اللبناني كرهينة، ويستعمل أبناء الطائفة الشيعية والشعب اللبناني بشكل عام كدرع بشري".
"إن الشعب اللبناني ليس بحاجة إلى إنقاذ اقتصادي بعدر ما نحن بحاجة إلى طبقة سياسية واعية تقوم بمحاسبة نفسها وبنفس الوقت القيام بواجبها من تأمين الأمان، وأهم من ذلك هو موضوع السيادة. ليس هناك من تعافٍ اقتصادي من دون الكلام الواضح عن استعادة السيادة اللبنانية التي باعها الساسة اللبنانيون إلى حزب الله".
وصول نواب من التغييريين هو خطوة في الاتجاه الصحيح
وكانت الانتخابات النيابة الأخيرة شهدت وصول 13 نائبا جديدا من المصنفين على أنهم مرشحو "ثورة 17 تشرين" على حساب مرشحين خاضوا الانتخابات على لوائح "أحزاب السلطة". لكن هناك انتقادات بأنهم لم يفعلوا الشيء الكثير بعد وصولهم إلى البرلمان لتخفيف معاناة الشعب.
ليس هناك من إمكانية للتغيير بكبسة زر
ويقول الدكتور مكرم رباح إن وصولهم هي خطوة في الاتجاه الصحيح.
"هي خطوة في الاتجاه الصحيح ولكن الشعب اللبناني للأسف لا يريد أن يدفع الدم ولا يريد أن يدفع من جيبه، هو يريد أن يكون هناك أحد يمثله ويقف وراءه، لكن على الشعب اللبناني أن يقف أمام هذه الطبقة التغييرية وأن لا يحتمي بهم ويطلب منهم المستحيل، ورأينا بأن رئيس مجلس النواب لا يحترم الدستور ولا يحترم القانون، وطريقة مخاطبة هؤلاء النواب إن كان الفوقية والعنجهية الذكورية تجاه بعض النواب تؤكد أن ليس هناك من إمكانية للتغيير بكبسة زر. المطلوب هو ثقافة ديمقراطية علينا أن نبنيها حجرا حجرا. صحيح بأن هناك العديد من الأشخاص ينظرون إلى هؤلاء التغييريين ولكن ليس كلهم تغييريين وليس كل الأشخاص مستعدين لمواجهة حزب الله".
على الأحزاب التقليدية أن تعود إلى رشده
ويضيف: "علينا كذلك أن نطلب من الأحزاب التقليدية أن تعود إلى رشدها، ليس هناك من إمكانية لتأسيس نظام لبناني جديد بدون أحزاب سياسية لبنانية طبيعية تقوم بمحاسبة نفسها وأن تقوم بإنشاء كوداد سياسية تستطيع ان تقوم بالعمل التشريعي، وبنفس الوقت العمل الحزبي، وهذه أشياء منفصلة عن بعضها".
علينا أن ننتظر ساعة الصفر وأهم الإشكاليات هو سلاح حزب الله
وحول سؤال عما إذا كان يرى انتفاضة شعبية جديدة نظرا لتأزم الحالة المعيشية يقول الدكتور رباح:
"علينا أن ننتظر، ما رأيناه في الانتفاضة سنة 2019 هو بداية لهذا التغيير، نحن ننظر إلى جيل جديد لم يتعاطَ السياسة الزبائنية كما تعودنا عليها. المشكلة متعددة، وأحد أهم الإشكاليات هو سلاح حزب الله، وقد رأينا كيف تم استعماله في قمع المظاهرات إن كان في البيئة الشيعية أو عبر قتل الناشطين ومنهم صديقة لقمان سليم الذي حتى الآن لم تقل الدولة اللبنانية من قام به، علما بأن العملية نفذت في عقر دار والوجود الأمني لحزب الله. بالإضافة إلى أنه كان هناك الكوفيد والأزمة الاقتصادية، علينا أن ننتظر ساعة الصفر، واعتقد بأن الشعب اللبناني، هو كما كل الشعوب في أي بلد طبيعي يحق له أن يعيش في القرن الواحد والعشرين بكرامة".
"الأحزاب السياسية والزعامات السياسية شريرة، وتعرف كيف تستخدم الخطاب الطائفي والمذهبي، ولكن في آخر المطاف نحن كلنا ننتمي إلى هذا البيت اللبناني عاجلا أو آجلا بمساعدة الاغتراب اللبناني ومساعدة الشعب اللبناني، علينا أن نعيد بناء هذا الوطن حجرا حجرا، وليس علينا أن نتمسك بالماضي وأفكار الماضي، علينا أن نبني وطنا للمستقبل، وطن تسود به العدالة ويحكمه حكم القانون وليس حكم السلاح وحسن نصر الله".
منظمات حقوقية تتهم السلطات اللبنانية بعرقلة التحقيق
واتهمت المنظمات الإحدى عشرة السلطات اللبنانية بعرقلة التحقيق في الانفجار بحماية السياسيين والمسؤولين المعنيين من الاستجواب والملاحقة القضائية والاعتقال. وقالت المنظمات ومن بينها "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدولية "امنستي" إنه بعد مرور عامين، لم يتقدم التحقيق المحلي "وما من بوادر تَقدّم تلوح في الأفق".
وحثت المنظمات أعضاء مجلس حقوق الإنسان على أن "يوفد، من دون تأخير، بعثة مستقلة ومحايدة لتقصي الحقائق في انفجار مرفأ بيروت كي تحدد الحقائق والملابسات، بما في ذلك الأسباب الجذرية للانفجار، بغية تحديد مسؤولية الدولة والأفراد ودعم تحقيق العدالة للضحايا".
وأشار تحقيق أولي أجرته "هيومن رايتس ووتش" إلى تورط محتمل لشركات مملوكة لأجانب، فضلاً عن عدد من كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين في لبنان.
عيوب إجرائية ومنهجية في التحقيق المحلي منها التدخل السياسي الصارخ
ووثقت “هيومن رايتس ووتش”، ومنظمة العفو الدولية، وجمعية الحركة القانونية العالمية، والمفكرة القانونية، ولجنة الحقوقيين الدولية مجموعة من العيوب الإجرائية والمنهجية في التحقيق المحلي، بما في ذلك "التدخل السياسي الصارخ، وحصانة مسؤولين سياسيين رفيعي المستوى، وعدم احترام معايير المحاكمة العادلة، وانتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة".