زمن وباء فيروس كورونا لا يشبه أي زمن شهده معظمنا من قبل على الإطلاق. نعم مرّ العالم بأحداث وحروب وأمراض صعبة، قتلت الملايين وشردت الكثيرين. ولكن كانت هذه الأحداث تهيمن على بعض الأجزاء في العالم، وليس العالم بأسره.
الدول الكبرى والأقوى تقف عاجزة حتى الآن عن تقديم حل فوري لازمة كورنا... فبدلا من شن الحرب على الفيروس لإبادته. وضع الفيروس قيودا عليها وهدد أمنها وصحتها واقتصادها. والى أن تجد حلا للقضاء عليه، وضعت مواطنيها تحت الحجر الصحي للحفاظ على سلامتهم.
وفي ظل هذه الأزمة العالمية، طرأت أمور جديدة على حياتنا اليومية وتغير نمط معيشتنا وسلوكنا جذريا وانعكس هذا على الصحة النفسية للبعض ان لم يكن الكل.
يقول الطبيب النفسي سمير إبراهيم ان العامل الأساسي للشعور بالذعر من أزمة كورونا ليس الهواجس الصحية وانما الاقتصادية، وان الإجراءات الاحترازية التي تسببت بتغير نمط الحياة على مستوى الأسرة والأفراد حصلت بشكل مفاجئ ولم يكن لها مقدمات ليقوم الناس بتهيئة أنفسهم للتعامل معها.
وعبر عن اعجابه باستجابة أستراليا السريعة جدا في التصدي للأزمة وتخفيف عبء الضغط على الأستراليين واتخاذ إجراءات علمية يحترمها جدا.ويدرك أغلبية الناس بأن سلوكنا الجديد وتعاملنا مع بعضنا يمكن أن يكون ردة فعل للضغط النفسي والقلق الذي نشعر به في ظل الظروف الراهنة وغموض المستقبل. عدا عن تعليق خططنا ومشاريعنا المستقبلية الى موعد غير معروف. وللبعض، كانت الخسارة أكبر من ذلك بكثير.
Source: Getty Images/Luis Diaz Devesa
الساعات الطويلة التي نمضيها في المنزل غمرت عالمنا بالملل والضجر. وأصبح كل منا يبحث عن أداة أو وسيلة لئلا يفقد صوابه. والبعض حاول وفشل ويعيد المحاولة يوميا.
ما الذي يحدث لنا وكيف يستجيب عقلنا لتداعيات أزمة فيروس كورونا؟
أدت الإجراءات والقيود الحكومية التي فرضت على المواطنين لمنع تفشي الوباء في المجتمع بخلق فوضى في نمط الحياة الاعتيادي. اذ اجتمع الأطفال والكبار والمدرسة ومكان العمل تحت سقف واحد لتتصادم الأولويات وتحبط وتعبث بجدول أعمالنا وراحتنا وخصوصيتنا.
ويرى الدكتور سمير إبراهيم ان أحد الحلول التي يمكن أن تساعد في إعادة حياتنا تحت السيطرة هو جدولة جميع النشاطات والأعمال التي نقوم بها يوميا ساعة بساعة.
"يجب على جميع أفراد الأسرة والأفراد الالتزام بهذا الجدول واحترامه والا ستعم الفوضى على يومنا. وستجلب الفوضى لحياتنا مشاعر سلبية تؤدي بنا الى اتباع سلوكيات خاطئة تضر بصحتنا وقد تكون لها عواقب وخيمة لاحقا.
وأضاف: "يجب أن يكون يومنا مثمر بإنجازاتنا التي تقوم بدعم ثقتنا بنفسنا وبالتالي تبث الطاقة الإيجابية لمزاجنا ونفسيتنا وتبعدنا عن الشعور بالقلق والتوتر، والوقاية خير من العلاج."ويقول الدكتور إبراهيم ان العقل الباطن يقوم بالدفاع عن نفسه من تأثير المشاعر السلبية بدفع الانسان للاستعانة بفعل يشعره باللذة أو السعادة لتفادي تأثيرها عليه. ويستجيب اللاشعور داخل كل منا بطريقة مختلفة. اذ يلجأ البعض الى تناول الطعام، وآخر للمشي أو التمارين الرياضية. وأمور أخرى مثل التدخين وشرب الكحول ومشاهدة أفلام مضحكة وغيرها من الأمور.
Families are doing it tough with home isolation Source: getty images
ويضيف ان وصلنا الى هذه المرحلة الناجمة عن قلة التنظيم والفوضى فيجب أن نكون أذكياء من ناحية انتقاء الوسيلة أو الأداة التي ستشعرنا بالطمأنينة ومنع السلبية من التغلب علينا.
وينصح الأشخاص الذين فقدوا شهيتهم ويشعرون بالاكتئاب بالتوجه وطلب المساعدة من طبيب الصحة العامة او الاخصائيين والمستشارين النفسيين.
أما بالنسبة للمهاجرين واللاجئين والأشخاص الذين ليس لديهم دائرة اجتماعية مقربة وأصدقاء وعائلة، ينصح الدكتور إبراهيم أن يلتزموا بروتين صحي أيضا والقيام بنشاطات مفيدة مثل الدراسة عبر الانترنت لتعلم مهارات جديدة. خصوصا أن بعض المعاهد والجامعات الأسترالية قامت بإتاحة برامج دراسية مختلفة اما بأسعار مخفضة أو مجانا.
وعن أحلامنا وخططنا المستقبلية، قال الدكتور إبراهيم يجب أن تكون طريقة تفكيرنا مرنة للتأقلم مع التغيرات التي تطرأ على حياتنا. فالمرونة في التفكير تعد أمرا هاما جدا لوضع خطط على المستوى اليومي أو المدى البعيد.
وقال: "ان كنت أنوي القيام بنشاط معين يتطلب الحركة، وتعرضت لحادث أدى الى بتر ساقِ، فهل سأقف عند هذا؟ أو أجد شيئا آخر لأفعله في الثلاثين أو الأربعين عام المتبقية من حياتي؟"