بدأت الهجرة بحفر بصماتها في حياة السيد خليل طرطق، من بلدة سبعل في شمال لبنان والحائز على ميدالية أستراليا، وهو بعد في الثالثة من العمر.
وكانت هجرة الوالدين في أواخر القرن الماضي شائعة ومتعارف عليها، إذ ترك العديد من الأهالي أولادهم في كنف الجد والجدة للتربية والرعاية، قاصدون الإغتراب إما لكسب لقمة العيش وتحقيق الأحلام ومد يد العون لبقية أفراد العائلة.
وفي لقاء له مع أس بي أس عربي 24، سرد السيد خليل طرطق، تفاصيل شخصية متحدثا عن خبرته مع الهجرة وتعلقه بالوطن الأم لبنان وولائه وامتنانه لأستراليا.
وهكذا كبر الطفل ذو السنوات الثلاث الأولى من العمر في بيت جديه في لبنان، ليلحق بوالديه بعد تسع سنوات وهو شاب في الثانية عشرة من العمر، ليختبر البعد والإنسلاخ ليس مرة بل مرتين.
وصل السيد خليل طرطق الى أستراليا في 10 حزيران عام 1959: "أهلي تركوني في لبنان بعمر الثلاث سنوات، وبعدها بتسع سنوات هاجرت الى أستراليا والتحقت بهم وكنت في الثانية عشرة من العمر بعد ثورة 1958".وأعرب السيد طرطق عن نظرته الإيجابية وتقديره للفترة التي قضاها في لبنان الذي عاش في أجمل سني شبابه وطفولته حيث تعرف أكثر على جذوره وأصبح على ما هو عليه بفضل العيش هناك: "أشكر الله اني عشت في لبنان في فترة صباي، تعلقت بلبنان وأحببته".
Source: Khalil Tartak
"في لبنان، وبحكم عيشي مع جدي وجدتي، تعرفت على شخصيات مرموقة من رؤساء ووزراء ونواب لأنهم كانوا معروفين كثيرا".
ومنذ نعومة أظافره، كون السيد طرطق شخصية قوية وتعرف على أكبر زعماء البلاد من رؤساء ونواب وشخصيات مرموقة.
وبالنسبة لألم الفراق، لم يكن حادا لأن الجد والجدة قاما بما بوسعهما لتخفيف ثقل الغربة: "كنت الطفل المدلل، الطفل الوحيد، لم أفتقد كثيرا لأني كنت موضع اهتمام الجميع".
"أخوالي كانوا يعطوني المال لأشتري الكستنا وكل ما تمنيت".
"في المناسبات كنت أتلقى الهدايا من أهلي، كانا يبعثان لي الأغراض الجميلة في عيد ميلادي وفي عيد الميلاد، تلقيت منهما احدى المرات ناظورا كنت أتفرج على الصور التي يحتويها بداخله".وهكذا كانت لحظة اللقاءفي الإغتراب بعد سني الغربة الطويلة: "على المطار كنت أرتدي بدلة سروال قصير- شورت، كانت الناس تحب وتتعاضد مع بعضها البعض، أكثر من 400 شخص ذهبوا الى المطار لملاقاتي".
Source: Khalil Tartak
"قالوا لأبي، أتراه سيعرفك؟ تشاءلوا في أنفسهم ما إذا كنت سأتعرف على والدي بعد 9 سنين من الغربة، نظرت فيهم الى أن وقع بصري على محيا أحدهم كانت عيناه تلمع وكأنها ستخرج من وجهه فأشرت اليه قائلا هذا هو أبي، أنت هو أبي أليس كذلك، فبكت الناس".
" وصلت الى البيت وكانت أمي وضعت مولودها الجديد، أخي طوني، قبل أسبوع بعد أن أمضت سبعة من تسعة أشهر الحمل في المستشفى، بعد 12 سنة من ولادتي".
قالوا لي هذه أمك فقلت تشرفت بمعرفتك!
وكان على ابن الثانية عشرة من العمر، ان يتعرف على أهله من جديد: "حين وصلت الى مطار سيدني، عرّفوني على والدي، وحين وصلنا الى البيت عرفوني ثانية على والدتي، كان عمري فقط 3 سنوات عندما تركوني في لبنان."
"والدتي كانت طاهية بارعة ولكني كنت أقول طعامك غير لذيذ أريد العودة الى ديار جدتي، أكلتي المفضلة الشيش برك وأقراص الكبة."
وقال السيد طرطق أن الجدة التي ربته تحتل مكانة رفيعة في قلبه :"كانت جدتي تفرش لي فرو الغنم على الأرض وفي السرير كي لا أبرد."
"القلب للجدة، استمريت في البكاء لأكثرمن ثلاثة أشهر كنت أريد العودة للعيش مع جدتي، أشكر الله لأني عشت تسع سنوات إضافية في لبنان جعلتني أغرم به وأعشقه وأعرفه أكثر."
وأكمل السيد طرطق دراسته في أستراليا: "تعلمت في المدارس للسنة العاشرة لم يكن بعد هناك سنة الحادية عشرة والصف الثاني عشر."
وعمل بعدها أشغالا مختلفة في عدة مجالات وأهمها قطاع البناء: "بنيت مع والدي بيوتا وشققا وكنت من بين المتضررين بسبب سوء وتردّي الأحوال الإقتصادية على أيام ويتلام."
وأعاد السيد طرطق شغفه بالخدمة المجتمعية، والتي لا تزال مستمرة بعد 62 من العيش في أستراليا، الى خبرته في بيت جده: "بيت جدي كانوا يخدمون الناس ويساعدوهم في لبنان وأتيت الى أستراليا ووجدت أن أهلي يفعلون الشيء نفسه فمشيت في طريق الخدمة".
ساعدت أناسا كثيرين من كل قلبي وبدافع داخلي ولم يكن ذلك بهدف سياسي أبدا
وعاد السيد طرطق بالذاكرة الى حقبته السياسية العارمة: "الفائز حصل على 12% من الأصوات وأنا حصلت على 10% ، اتصل بي سفير لبنان بأستراليا لطيف أبو الحسن وهنأني، لأن النتيجة انتزعت مقعدا عماليا بعد ستين سنة".
قلت له هل تتصفح الجريدة رأسا على عقب، أنا لم أفز، فقال لي بلا أنت فزت وانتزعت مقعدا عماليا بارزا للأحرار
وأشار السيد طرطق الى ان العديد من الأصوات الإنمتخابية لم تحتسب آنذاك بسبب عدم التصويت بشكل صحيح وهذا ما أدى الى خسارة آلاف الأصوات بحسب قوله.
وأسس السيد طرطق عائلة كريمة من ثلاثة بنين وثلاثة أحفاد مع شريكة حياته وهي أحد أنسباء والدته.
وبعد مسيرة مفعمة فيها "حزن وفرح ومن كل شيء" يكن السيد طرطق كل المحبة لوطنه الأم لبنان وكل التقدير والإمتنان لوطنه الجديد أستراليا: "أستراليا حبيبتي ولها ولائي، أحب لبنان وأموت بحبه، أستيقظ عند الثالثة والنصف صباحا لأضطلع على أخبار لبنان مباشرة ".
"ولائي لأستراليا غير متناه، أعطيتها وهي أعطتني أكثر وفضلها علي كبير، كل إنسان يحترم نفسه يحب هذه البلد أستراليا بكل قلبه، أعظم بلاد في العالم اليوم هي أستراليا".