رغم أن ديون الدولة اللبنانية تبلغ أكثر من مئة مليار دولار ورغم كون لبنان ثاني أتعس بلد في العالم بحسب مؤشر السعادة لعام 2022 وبلوغ معدل البطالة 30% والفقر الذي طرق معظم الأبواب، إلا أن اللبنانيين تحملوا تلك المصائب بصمت وصبر يُحسدان عليهما. ولكنهم أبداً لن يتحملوا خسارة شيء قد تسقط من أجله الحكومات والبرلمانات وكل المحظورات. كأس العالم في كرة القدم!
الكهرباء التي يتذكرها اللبنانيون من وقت لآخر ستضاء بسحر ساحر في تشرين الثاني/نوفمبر 2022 لتسمح لأربعة ملايين لبناني على مدى 28 يوماً بقليل من السعادة وكثير من الحماس.
ولكن قبل كأس العالم القادم بصولاته وجولاته، فلنعد بالذاكرة إلى سنوات مضت ونسأل أنفسنا: هل عشق اللبنانيين لكرة القدم والمونديال تحديداً يفتح نافذة على فهم الشخصية اللبنانية؟
سألنا الإعلامي جورج هاني، رئيس قسم الرياضة في جريدة نداء الوطن اللبنانية، الذي قال: "اللبنانيون يحبون كرة القدم منذ زمن بعيد. شبّوا على رموز كبيرة مثل بيليه ورومينيغه ومولر منذ الستينات والسبعينات عندما كان المونديال يخطف أضواء العالم".
لنبدأ بالقليل من الوقائع المؤكدة. لبنان الصغير بمساحته، كبير بمحبته لرياضتين على وجه الخصوص: كرة القدم وكرة السلة. في الأولى الحب كان ولا يزال من طرف واحد. أي أن اللبنانيين عشقوا كرة القدم لكنها لم تبادلهم نفس الحب. فلم نجد من اللبنانيين نجماً ساطعاً مثل المصري محمد صلاح أو الجزائري رياض محرز. بعكس كرة السلة التي حقق اللبنانيون فيها المعجزات وغلبوا التنين الصيني والشقيق الأردني ليصلوا لنهائي كأس آسيا 2022 قبل أن يتعثروا أمام الكانغورو الأسترالي. لماذا يا ترى؟
المحلّل الرياضي علي الزين يرى أن كرة القدم مظلومة بالمقارنة مع كرة السلة: "من أبرز الأسباب غياب الدعم والاستثمار في كرة القدم بعكس كرة السلة، وهذا الواقع أوجده الراحل أنطوان الشويري فوصلت كرة السلة إلى العالمية بتأهل لبنان للمرة الرابعة إلى كأس العالم".
ذكريات المونديال
هل تذكرون أجمل هدف في العالم للأسطورة مارادونا أمام إنجلترا بمونديال المكسيك 86؟ ومن منا ينسى "نطحة" زين الدين زيدان للمدافع الإيطالي في نهائي كأس العالم 2006؟
للبنانيين ذكرياتهم التي لا تُنسى عن المونديال... وغير المونديال.
يقول علي الزين: "في مونديال 1982 تعرض لبنان للاجتياح الإسرائيلي وشهد العالم سقوط الجيل الذهبي للبرازيل أمام إيطاليا بنتيجة 2-3".
مشجعو أشهر فريقين لكرة القدم في لبنان النجمة والأنصار هم أيضاً لهم "نطحات" على الملعب وفي المدرجات، والطائفية لم تغب عن الكثير من مبارياتهما.
"في لبنان لكل نادٍ مرجعية سياسية"، يقول الزين.
الرياضة مضاد طبيعي للاكتئاب. ذلك ما يؤكده الأطباء. هذا طبعاً إذا كنت أنت من يمارس التمارين الرياضية. أما إذا كنت مسترخياً أمام الشاشة الصغيرة تتابع منتخبك المفضل، هل تسري هذه القاعدة عليك؟ اللبنانيون قد يجيبون: نعم. وهم محقون بذلك. فكرة القدم أصبحت بدون شك المتنفس الأقل كلفة لشعب محاصر بالأزمات المعيشية.
المعلق الرياضي محمد كركي الذي يعرفه اللبنانيون في تغطيته لكأس العالم على تلفزيون لبنان منذ سنوات عديدة له رأيه الخاص: "اللبناني بحاجة لمتنفس بظل الظروف التي أصبحت أسوأ حالياً".
من جهته يقول جورج هاني: "خلال أيام الحرب وبسبب عشق اللبنانيين لكرة القدم، رغم انقطاع الكهرباء وخطوط التماس وسقوط القذائف، كنا نخرج بطارية السيارة ونضع تلفزيون صغير على غطاء المحرك ويجتمع الحي بأكمله لمشاهدة المونديال".
يضيف هاني: "عندما يحين موعد مباراة في المونديال تتوقف القذائف، وحتى الطرفان المتحاربان يوقفان القتال خلال المباراة وعند نهايتها تعود المعارك".
المونديال والهوية
أنت برازيلي أم ألماني؟ هكذا يسأل اللبناني.. اللبناني الآخر. والإجابة يترتب عليها صداقة ومحبة أم خصومة ونفور.
عن هذه الظاهرة يقول جورج هاني: "لا أتصور أنه يوجد في العالم أعلام كما يوجد في لبنان. الأمر قد يكون متنفساً أو مشكلة في الانتماء. يصبح اللبناني وكأنه حاصل على جنسية الدولة التي يشجع منتخبها".
عن واقع الكرة اللبنانية يقول المعلق الرياضي جوزيف بو شاهين الذي يعرفه اللبنانيون بعشقه للكرة على الشاشة وفي كواليسها: "مع الأسف لبنان مستواه متواضع وربما يعود ذلك لعدد سكانه القليل".
يضيف بو شاهين: "يوجد في المقابل مواهب عديدة تمكنت من اللعب في أوروبا مثل رضا عنتر ويوسف محمد فضلاً عن اللبنانيين الذين يلعبون في أوروبا بجنسيات أوروبية وهم من جذور لبنانية مثل أمين يونس الذي لعب في صفوف منتخب ألمانيا".
حدث تاريخي
مونديال هذا العام تاريخي بكل المعايير. فهو يقام لأول مرة في بلد عربي وبمشاركة ستكون كاسحة من الجماهير العربية. اللبنانيون الذين جلبوا في حقائب هجرتهم عشق الكرة إلى أوطانهم الجديدة في بلاد الاغتراب ومنها أستراليا، ينتظرون هم أيضاً هذا العرس الكروي والبعض منهم حجز تذاكر لمشاهدة المونديال من المدرجات في الدوحة.
حمى المونديال بدأت واللبنانيون على أهبة الاستعداد. فمن اختاروا؟ على من راهنوا؟ ومن سيشجعون؟
يمكنكم أيضاً الاستماع لبرامجنا عبر أو عبر تطبيق SBS Radio المتاح مجاناً على