أحدثت ظاهرة بدأت تسري في أستراليا، حالة من الإرباك لبعض الأفراد، بعد أن أجبرتهم تكاليف المعيشة على ترك منازلهم والانتقال للعيش في منزل والديهم أو أجدادهم.
ورغم فائدة صلة الرحم التي أحدثتها هذه الظاهرة، إلا أن ذلك قد تسبب بالحرج للبعض، بعد الانتقال لمنزل العائلة مع الزوج أو الزوجة والأطفال، لضيق مساحة منزل الوالدين، وفقدان بعض الخصوصية للقادمين الجدد أو الأهل.
كثيرون ممن يعيشون هذه التجربة الصعبة، لم يكن يخطر ببالهم ذات يوم أن يؤول بهم الأمر لهذه الحالة، خاصة بعد استقلالهم في حياتهم ومنازلهم الخاصة سواء بعد استئجارها أو شرائها.
وصف البعض أنهم كانوا يعيشون حياة مستقلة بعد الزواج واشتريا شقة في سيدني، وكان الشريكان يدفعان رهنهما العقاري بشكل مريح على دخل واحد لمدة 14 عامًا.
لكن المشكلة بدأت تظهر مع انتشار جائحة كوفيد-19، حيث قالت إحدى السيدات إن الجائحة دمرت حياتها المهنية التي دامت 15 عامًا، وبحلول تشرين الأول/ أكتوبر عام 2022، تراكمت عليها الديون ثم تصاعد الأمر ليؤثر على عدم القدرة على سداد الفواتير وغيرها من الالتزامات.
وتوضح إحدى المواطنات، أنه رغم أن زوجها كان يعمل خمسة أيام في الأسبوع في وظيفتين مختلفتين، وكانت هي تعمل خمسة أيام في الأسبوع، إلا أنهما لم يستطيعا تغطية نفقاتهما، وديونهما والاستمرار في دفع الرهن العقاري لشقتهما البالغ 340 ألف دولار، بقسط شهري يقدر بحوالي 2600 دولار، بعد ثماني زيادات في أسعار الفائدة على الأقل.
The Reserve Bank of Australia has increased the cash rate 13 times since May 2022.
لذلك كان لا بد للزوجين والأطفال من التحرك للملجأ الأخير بالتوجه لمنزل الوالدين، وهي ما اعتبرتها إحدى المواطنات بالخطوة الصعبة، تشعرها بعقدة الذنب لتحميل والديها ما لا طاقة لهما به، بسبب الظروف الصعبة وسوء التدبير، معتبرة أن والديها في هذه المرحلة بحاجة للعيش بهدوء في منزلهما بدون ضجيج الأطفال.
وعلى ما يحمله هذا الانتقال من شعور بالمرار، إلا أن له جوانب إيجابية عند البعض، إذ قد ساعد هذا الأمر الأزواج على مساعدة الوالدين في أعمال البستنة والصيانة في المنزل، فيما يقوم الوالدان أيضًا برعاية الأطفال حتى يتمكن الأزواج القيام بعملهما لساعات أطول.
إضافة إلى أن هذا الانتقال أنشأ علاقة جيدة بين الأحفاد وأجدادهم.
وقالت إحدى السيدات:" لقد أنشأنا حالة من الود الوثيق بين الأحفاد والأجداد ماكان لنا أن نبنيها لو بقينا نعيش في شقتنا".
في بعض المجتمعات، يعتبر العيش مع العائلة والوالدين أمرًا مألوفًا، لكن ضمن ثقافة البعض الآخر، فهذا الأمر يعتبر صعبًا ويشعرهم بالذنب.
House prices in Australia continue to bounce back after a short dip in the market in 2022. Source: Getty / Lisa Maree Williams
رغم ن أنه ليس من الشائع أن يعيش الأستراليون مع أجدادهم، إلا أن هذا الاتجاه آخذ بالازدياد.
وقال المدير الإداري لمعهد الإسكان والبحوث الحضرية الأسترالي (AHURI)، الدكتور مايكل فوذرنغهام، إن العيش في منزل مع أفراد عائلة متعددة الأجيال كان شائعًا بين بعض المجموعات الثقافية في أستراليا، ولكن يبدو أن ارتفاع تكاليف المعيشة قد دفع كثيرًا من العائلات إلى اتخاذ هذه الطريقة نهجًا.
واعتبر أن تكلفة المعيشة، وخاصة ارتفاع تكلفة السكن، هي المحرك الحقيقي لهذا الاتجاه.
وجدت الأبحاث الأقدم من AHURI أن حوالي أكثر من ربع العائلات في سيدني أي بنسبة (23.6%) كانت تتألف من جيلين أو أكثر من البالغين ذوي الصلة في عام 2006.
وذكر البحث أن بعض المنازل عند بنائها أخذت في اعتبارها تصميم المنازل الأرضية المصممة خصيصًا للعائلات متعددة الأجيال.
وقال كريس ثورنتون، الرئيس التنفيذي للعمليات في Gardner Homes في أستراليا ونيوزيلندا، إن مكاتب الامتياز المحلية التابعة لها لاحظت ارتفاعًا منذ عام 2021 استفسارات عن منازل كبيرة يمكن لأفراد عائلة من أجيال متعددة يمكنها أن يعيشوا فيه.
إذ يُظهر المخطط مساحات معيشة كبيرة ومساحات منفصلة لتلبية احتياجات المعيشة متعددة الأجيال.
An example of a floorplan designed by G.J. Gardner for multi-generational living
ويعتقد أن تكلفة المعيشة عامل آخر. وقال ثورنتون إن بعض الآباء الذين لديهم أسر شابة يخططون للمستقبل، إذ يتوقعون أن يعيش أطفالهم في المنزل لفترة أطول بسبب الزيادات في تكاليف المعيشة والسكن.
وعلى الأستراليين التكيف مع فكرة العيش كعائلات كبيرة متعددة الأجيال في السنوات القادمة.
ومع ارتفاع الأسعار، وتكاليف المعيشة، فقد لا يتمكن عدد من الشباب من تحمل تكاليف شراء منازل كما فعل آبائهم، ما لم يحصلوا على مساعدة مالية أو ميراث.
ففي حين أن التغلب على بعض التحديات المرتبطة بالحياة في منزل متعدد الأجيال قد يكون أمرًا صعبًا، إلا أن متخصصين اعتبروه أمرًا جيدًا، إذ ان الاحتكاك مع من هم أكبر سنًا يعمل على توعية الأجيال كيفية تحمل المسؤولية والتوجيه، وتوزيع الأدوار بين أفراد العائلة، إضافة لخلق الروابط والألفة بين العائلة مع بعضها البعض وهو ما كان منذ آلاف السنين."