النقاط الرئيسية
- "يوم أستراليا" الذي حمل هذا الاسم منذ أن اتفقت الولايات والأقاليم الأسترالية على تسمية موحدة له عام 1935 كان ولا يزال مثار جدل
- البعض يدعو علناً لتغيير تاريخ الاحتفال به، بينما يذهب آخرون أكثر تشدداً إلى الدعوة لإلغائه تماماً
- عدد متزايد من الشركات وحتى الجامعات بدأ يسمح لموظفيه بالعمل في "يوم أستراليا" واستبداله بيوم عطلة من اختيارهم
النظرة للتاريخ كانت ولا تزال مثار جدل. بين أبناء الشعب الواحد وبين شعوب جارة وغير جارة.
من لبنان "الفينيقي" إلى مصر "الفرعونية" في قلب عالم "عربي"، لطالما كان الماضي مُختلفاً عليه حتى بين أبناء الدم الواحد.
في أستراليا المتعددة الدماء وغيرها من الصفات الوراثية لأجيال من المهاجرين، يعود أصل الحكاية إلى اليوم الذي رسا فيه "الأسطول الأول" بقيادة آرثر فيليب عام 1788 على سواحل سيدني كوف معلناً السيادة البريطانية على الأرض التي ستحمل فيما بعد اسم أستراليا.
يومها – وتحديداً في 26 كانون الأول/يناير - كان تاريخ جديد يُكتب على يد ممثلي التاج البريطاني. تاريخ يحتفل "جزء" من الأستراليين اليوم بذكرى مرور 235 عاماً على بدايته.
يقابله على نفس الجغرافيا تاريخ "أبوريجيني" يعود إلى 60,000 عام.
الكاتب ليس واحداً فكيف يكون التاريخ رمزاً للوحدة؟
"يوم أستراليا" الذي حمل هذا الاسم منذ أن اتفقت الولايات والأقاليم الأسترالية على تسمية موحدة له عام 1935 كان ولا يزال مثار جدل.
البعض يدعو علناً لتغيير تاريخ الاحتفال به، بينما يذهب آخرون أكثر تشدداً إلى الدعوة لإلغائه تماماً.
عدد متزايد من الشركات وحتى الجامعات بدأ يسمح لموظفيه بالعمل في "يوم أستراليا" واستبداله بيوم عطلة من اختيارهم.
عام 1995، في عهد رئيس الوزراء العمالي بول كيتينغ، تم اعتماد "يوم أستراليا" عطلة رسمية.
لكن المعارضين استنكروا ولا يزالون اختيار يوم "حداد" و"غزو" كما يراه السكان الأصليون لإقامة استعراضات راقصة وحفلات شواء ومراسم منح الجنسية لوافدين جدد إلى أستراليا.
الجدل الذي أثاره التاريخ بدأ يتسلل من أوساط "الأمم الأولى" إلى ثقافة السكان "الجدد" فأصبح منذ سنوات أشبه بكرة ثلج احتجاجية يزداد حجمها اتساعاً.
بهدوء. بصمت. بلا ضجيج، ألغت فيكتوريا هذا العام الاحتفالات بيوم أستراليا.
في نفس الولاية، القرار نفسه اتخذه منظمو بطولة أستراليا المفتوحة في التنس، تجنباً لإغضاب المعارضين.
وقبل ذلك بشهر تقريباً، في خطوة تعكس النظرة المتباعدة إلى يوم يفترض أن يكون موحداً للأستراليين، ألغت الحكومة العمالية بقيادة أنتوني ألبانيزي قرار حكومة سكوت موريسون الذي كان يلزم المجالس المحلية بتنظيم مراسم منح الجنسية في "يوم أستراليا".
كان الحصول على الجنسية الأسترالية في ذلك اليوم تحديداً موضع فخر للمواطن الجديد وهو يؤدي قسم الولاء لأستراليا.
ما الذي تغيّر؟ وهل حدث ذلك بين ليلة وضحاها؟
هاني الترك، الصحفي والباحث الأسترالي العربي المقيم في سيدني، من المؤيدين للحفاظ على "يوم أستراليا" برمزيته وتاريخه.
"هو ذكرى الاستيطان البريطاني الذي جعل من أستراليا دولة حديثة بعدما كانت مأهولة بثقافات بدائية لا تعرف الزراعة وتعيش على صيد الأسماك".
26 كانون الثاني 1788 هو أهم يوم في تاريخ أستراليا. إنه يوم ميلاد الوطن
لا ينكر الترك التاريخ الدموي الذي رافق ولادة أستراليا، لكنه يرى أن الجانب المشرق يطغى على الأخطاء أو حتى الخطايا التي ارتكبت بحق السكان الأصليين.
"الأبوريجينيون استفادوا كثيراً من تطور وازدهار أستراليا في ظل الاستيطان البريطاني، ولولاه لظلوا منعزلين عن العالم".
هذه الدعوة تسلط الضوء على الواقع المأزوم لسكان أستراليا الأصليين الذين ما زالوا يعانون من مشاكل اجتماعية عديدة، بحسب الترك.
"هناك مشكلة كحول ومخدرات وعنف يعاني منها الأبوريجينون وأنا كأسترالي وعربي وفلسطيني أتعاطف معهم وأدعو لتحسين أوضاعهم المعيشية والحفاظ على لغتهم وثقافتهم".
Credit: Hani Elturk
"قامت إسرائيل على أشلاء حضارة متقدمة في فلسطين. في مدينة أريحا نشأت أقدم حضارة في التاريخ، بينما الأبوريجينيون كانوا أكثر بدائية، مع العلم بأنهم أقدم ثقافة في التاريخ لا زالت حية حتى اليوم".
أنا كفلسطيني أحتفل بيوم أستراليا لأني أعتبره بداية نهوض أستراليا الحديثة والتاريخ لا يمكن إعادته للوراء
ينقسم الأستراليون اليوم أكثر من أي وقت مضى حول الاحتفال بهذا اليوم. فهل أصبح جزءاً من الماضي الذي يحاول البعض في أستراليا نسيانه أو التكفير عنه؟
"يوم أستراليا ليس من الماضي" يشدّد الترك.
الحاضر امتداد للماضي، ولولا هذا اليوم لما نشأت أستراليا وأصبحت من أعظم دول العالم
الانقسام الواضح في المجتمع الأسترالي حول هذا اليوم لا يمكن إنكاره. لكن ما مدى حجمه وإلى أين سيؤدي؟
يشير استطلاع أجرته شركة الأبحاث راي مورجان إلى أن حوالي ثلثي الشعب الأسترالي (65%) يؤيدون إطلاق اسم "يوم أستراليا" على 26 كانون الثاني/يناير، مقابل 35% يعتبرون أنه يجب أن يسمى "يوم الغزو".
الاستطلاع الذي شمل 1,372 مشاركاً من مختلف أنحاء البلاد أجري بين 21 و24 كانون الثاني/يناير من هذا العام.
عن تلك الأرقام وما تعنيه لمستقبل أستراليا يقول الترك، "معظم الشعب الأسترالي مؤيد ليوم أستراليا ولن يؤدي الجدل حوله لأي نتيجة. هذه الموجة المدفوعة بمفهوم "التصحيح السياسي" لا تمثل الغالبية وأنا أدعو لإدراج يوم أستراليا في الدستور لأنه يحظى بدعم أكثرية الشعب".
الدستور الأسترالي يستعد لتعديل آخر سيتم استفتاء الشعب الأسترالي بشأنه قريباً. إعطاء صوت للسكان الأصليين في البرلمان.
الكثيرون يرون أن هذه الخطوة تُصالح أستراليا مع تاريخها وتعيد للجيل الأبوريجيني "المسروق" بعضاً من حقوقه.
هاني الترك غير متفائل.
لا أظن أن إعطاء صوت للأبوريجينيين سينجح في الاستفتاء إذا لم يحصل على تأييد المعارضة
"تفاصيل الخطة الحكومية غير واضحة حتى الآن وستفشل ما لم يتفق عليها حزب العمال مع الائتلاف"، يضيف الترك.
لكنه يعتبر أن هذه "خطوة موفقة" تسمح بالاستماع لآراء السكان الأصليين وإصلاح أوضاعهم.
حماسة الرأي العام الأسترالي أيضاً بدأت تخفت والدعم لهذه القضية يتضاءل، بحسب استطلاع حديث أظهر أن 47% فقط من الأستراليين يؤيدون تكريس صوت السكان الأصليين في الدستور، مع ارتفاع نسبة المترددين إلى 23%.
الانقسام العمودي على مستويات متعددة يعكس تنوع المجتمع الأسترالي الذي يجد نفسه على مفترق طرق.
وكل الطرق تؤدي اليوم إلى 26 كانون الثاني/يناير، بين محتفلين بولادة وطن ورافضين لغزو شعب.
يمكنكم أيضاً الاستماع لبرامجنا عبر أو عبر تطبيق SBS Radio المتاح مجاناً على