من الترفيه إلى التأثير السياسي
كان المؤثرون في السابق محصورين في إطار منشورات خفيفة على وسائل التواصل الاجتماعي، بعيدين عن قضايا الشأن العام. غير أنّ تأثيرهم المتزايد جعلهم اليوم من مصادر المعلومات السياسية الرئيسية، خاصة لدى الشباب.
للمرة الأولى هذا العام، تمت دعوة مجموعة من المؤثرين إلى العاصمة كانبيرا لتغطية الموازنة الفيدرالية، وهو حدث كان حتى وقت قريب حكراً على الصحفيين والخبراء الاقتصاديين.
ومن بين هؤلاء المؤثرين، الناشطة في مجال الصحة النفسية ميلي روز بانستر، والمؤسسة المشاركة لمنصة "تشيك ميديا" هانا فيرغسون، ومقدمة البودكاست دافني بيري.
اختلفت طريقة تغطيتهم للموازنة عن المعتاد، إذ فضلوا تقديمها عبر مقاطع "تيك توك" و"ريلز" قصيرة على "إنستغرام"، ومشاركة أبرز المعلومات عبر القصص التفاعلية.
جيل جديد من الناخبين يتشكل عبر الإنترنت
مع اقتراب الانتخابات، يحث العديد من المؤثرين متابعيهم على التفاعل مع السياسة وتحديث بيانات التصويت الخاصة بهم — وقد أثمر ذلك بالفعل.
إيمينا، شابة من بريزبن تبلغ من العمر تسعة وعشرين عاماً، لم تكن مهتمة بالسياسة سابقاً. لكنها بعد متابعتها للإعلامية والمؤثرة آبي شاتفيلد، شعرت بدافع لتحديث بياناتها الانتخابية ومواكبة تفاصيل الانتخابات.
شاتفيلد، التي بدأت شهرتها عبر برنامج "ذا باتشلور"، استغلت قاعدتها الجماهيرية للحديث عن قضايا الانتخابات. فقد أجرت مقابلات مع رئيس الوزراء أنتوني ألبانيزي وزعيم حزب الخضر آدم بانت، كما نظّمت فعاليات شبابية داعمة لحزب الخضر.
تقول إيمينا: "لقد تابعت آبي منذ ظهورها الأول، وأحببت صراحتها. لم أشعر يوماً بأنها تفرض عليّ تأييد حزب معين، بل كانت تدعوني لاكتساب المعرفة واتخاذ قراري بحرية".

Abbie Chatfield was once a contestant on The Bachelor, but is now a podcast host and media personality. Source: AAP / Darren England
بالنسبة لهولي رانكين، المعروفة فنياً باسم "جاك ريفر"، فإن المزج بين الثقافة الشعبية والسياسة ليس جديداً.
تؤمن رانكين، وهي أيضاً شريكة في تأسيس وكالة "سينتيمنت"، بأن المؤثرين يمتلكون قوة تواصل حقيقية مع جماهيرهم، رغم محاولة بعض الأوساط الإعلامية التقليدية التقليل من شأنهم باستخدام مصطلح "مؤثر" بشكل سلبي.
وتؤكد رانكين أنّ "جيل الشباب، الذي يشكل اليوم الكتلة التصويتية الأقوى، يشعر بمسؤولية أكبر تجاه السياسة، ويلجأ إلى المؤثرين الذين يتقاسمون معهم القيم والطموحات".
تشير تقارير الهيئة الأسترالية للاتصالات والإعلام لعام 2024 إلى أنّ 46% من الشباب بين الثامنة عشرة والرابعة والعشرين يعتبرون وسائل التواصل مصدرهم الأول للأخبار، بينما يعتمد 31% منهم على المشاهير والمؤثرين للحصول على المعلومات السياسية.

Singer Jack River, whose real name is Holly Rankin, supports musicians and content creators who speak about politics and policy. Source: Supplied
مع تجاوز عدد الناخبين من جيل الألفية والجيل "زد" عدد ناخبي جيل الطفرة السكانية (البايبي بومرز)، أصبحت مخاطبة الشباب عبر "تيك توك" و"إنستغرام" أولوية للأحزاب السياسية.
بلغت نسبة تسجيل الشباب للتصويت 92%، وفق بيانات لجنة الانتخابات الأسترالية، ما يجعلهم عنصراً حاسماً في المعركة الانتخابية المقبلة.
وترى د. سوزان غرانثام، المحاضرة في جامعة غريفيث، أن المؤثرين باتوا أكثر تأثيراً من السياسيين أنفسهم على وسائل التواصل.
"التواصل عبر المؤثرين أكثر فعالية من المنشورات الرسمية للمرشحين، وهذه حقيقة بدأت الأحزاب تدركها جيداً"، تقول غرانثام.
Dr Susan Grantham says social media has become an essential tool in political campaigns. Source: Supplied / Susan Grantham
رغم الحضور المتنامي للمؤثرين في الساحة السياسية، لم يسلموا من الانتقادات.
عندما تمت دعوتهم لحضور قفل الموازنة في مارس، وُصفوا بأنهم "أنانيون"، وطُرحت تساؤلات حول إمكانية تلقيهم أموالاً مقابل الترويج لمواقف سياسية.
خضعت بعض المقاطع، منها مقابلات آبي شاتفيلد مع ألبانيزي وبانت، لتحقيق من قبل لجنة الانتخابات الأسترالية بعد إثارة تساؤلات عن احتمال خرق قواعد الدعاية الانتخابية. غير أن اللجنة برأتهم، مؤكدة عدم وجود أدلة على دفع أموال لهم أو تدخل سياسي في المحتوى.
ردّت شاتفيلد باتهام حزب الأحرار بمحاولة "تقويض" دور المؤثرين و"إسكات الأصوات الجديدة في السياسة".
Daphne Berry is the host of Airing Your Dirty Laundry. Source: SBS
على الرغم من الفوائد في إشراك الشباب وتعزيز الوعي السياسي، يحذر خبراء الإعلام من ضرورة بقاء الإعلام التقليدي مصدراً أساسياً، مشيرين إلى أن المؤثرين لا يخضعون لنفس المعايير الأخلاقية والمهنية.
تختم رانكين حديثها بالتفاؤل: "رغم التحديات العالمية، أؤمن أن جيل الشباب عبر وسائل التواصل قادر على كتابة قصة جديدة لمستقبل أكثر إشراقاً".