النقاط الرئيسية
- هاجرت عائلة صليبا من لبنان إلى بلدة توومبا عام 1924، ومن العمل في قطع الحطب تملك الآن احدى أهم المزارع
- تشارك عائلة صليبا تجارب أكثر من 100 عام من الهجرة وتكشف ملامح استراليا آنذاك والطرق الترابية الضيقة التي مشت عليها لتجد في توومبا مكانًا لاستقرارها
هاجر طوني صليبا مع والديه أسعد وحسنة الى استراليا عندما كان يبلغ من العمر 13 سنة، وفي أستراليا التقى برفيقة الدرب جوزفين. استقر الزوجان في بلدة توومبا الريفية التي تبعد 125 كم من العاصمة بريزبان، وهناك بدأت الذكريات تُكتب بالتعب والعمل الشاق فأثمر حبهما ثلاثة أولاد هم رودني وميرفين وماري.
يقول الابن ميرفين الذي يبلغ اليوم من العمر 82 سنة: "كان جدي ووالدي يعملان في تقطيع الحطب للجيش الأمريكي خلال الحرب، وكانا يذهبان كل صباح لإحضار الحطب لإعداد الطعام للجيش".
لم يتقن كل من الجد والوالد اللغة الإنكليزية الا انهما كانا يعملان بجدّ لذا قدم الجيش لهما شاحنة فكانت بداية مغامرة مهنية وانطلاقة عملهما بنقل الحليب الطازج يوميًا من توومبا الى بريزبان، اذ يقول ميرفن: “وصل أهلي الى سيدني ومشوا من سيدني الى هنا وعملوا بجد كبير على مدار الساعة في قطف الموز والبطاطا الحلوة "
روى الابن الأكبر رودني من الجيل الثالث في توومبا والذي فقد أي ارتباط باللغة الأم، أنه لم يزر ابدًا كفر صغاب مسقط رأسه، إلا أن لها مكانة خاصة في ذاكرته وعاطفته وهويته.
يقول رودني إن جدّيه هاجرا من كفرصغاب في مطلع العشرينات هربًا من وحشية الأتراك والمجاعة، إذ وصل الجدان أسعد وحسنة مع ولديهما طوني وماري الى سيدني وسرعان ما توجها للاستقرار في توومبا حيث انتظرتهم العائلة الأكبر التي هاجرت في أواخر القرن الثامن عشر.
أشار رودني إلى أن والده طوني كان أميًّا وتعلم بمجهوده الذاتي القراءة والكتابة: "والدي كان يعرف فقط توقيع اسمه على شيك مصرفي وكان لا يملك سوى بنس في جيبه عندما وصل إلى سيدني."
شرح رودني كيف وفرت أستراليا الأرضية الخصبة والوافرة للعمل الشاق والمثمر لأجداده الذين كانوا يعملون بجد سبعة أيام في الأسبوع وصولًا الى 12 ساعة في اليوم. كان جده أسعد ووالده طوني يجران عربة بيع الخضار في توومبا ومع حصولهما على الشاحنة من الجيش الأميركي بدآ العمل في نقل الحليب:
" كانت تنقل شاحنة أسعد وطوني 12 حمولة من الحليب الطازج الى بريزبان كل يوم."
وتابع قائلًا: " تطلب النجاح منهم وقتًا وكفاحًا، لكنهم نجحوا."
من نقل الحليب إلى شراء أول مزرعة كان طوني صليبا منفتحًا على الثقافة الأسترالية ومرنًا، وعن حبه للتعلم يقول الابن ميرفن: "تعلّم والدي فقط لمدة 6 شهور لكنه كان ذكيًا ومحبًا للثقافة الأسترالية وفيما كان يعمل ببيع الخنازير التقى شخصًا يريد بيع مزرعته فكانت الانطلاقة مع المزرعة الأولى.
"تصافح الرجلان واشترى والدي المزرعة ومنذ ذلك اليوم لم ينظر إلى الوراء."
أحب الوالد طوني العلم رغم أنه حُرم منه، فأرسل ابنيه إلى أهم المدارس في المنطقة ورغم أن ميرفن عمل في المجال المصرفي ولم يكن يحب أن تطأ قدماه أرض المزرعة، لكنه اليوم وأخوه من أشهر المزارعين في توومبا.
"ذهبت وابتعت كل كتاب حول عالم المزارع وما زلت أحتفظ بالمجموعة حتى اليوم."
في المزرعة الأولى الصغيرة، بدأت زراعة وبيع الشعير الأسترالي الشهير لتتسع المزرعة فتصبح من أكبر المزارع في المنطقة في تصدير المحاصيل، واليوم باتت تصدّر الحبوب أيضاً.
"كنا نملك في مرحلة معينة 300 فدان من الأرض في المزرعة وكانت من أكبر المزارع."
تزوج ميرفن من جوان التي تتحدر من أصول أسترالية ورغم أنها كانت ملكة جمال Sunshine coast آنذاك، إلا أنها تفوقت في حياة المزرعة وفي إعداد الأطباق اللبنانية: "زوجتي تعد ما يخطر لك من الأطباق اللبنانية وتحلب الأبقار وتساعد في ري المزرعة وزراعة الشعير وكل ما يخطر ببالك."
وعن الثقافة اللبنانية تقول الزوجة جون: "تعلمت أن اللبنانيين يحبون اطباقهم ويتناولونها بشكل مكثف"
أما الابن طوني حفيد أسعد وحسنة الذي يحمل اسم جده وإرثه، فاختار أن يرتبط بشريكة عمر من كفر صغاب الحب الأول، واستطاع أن يحقق حلم الوالد إذ زار لبنان عام 2000 لأول مرة: "أثمّن القيم اللبنانية المسيحية لأنني ترعرعت عليها وأستمتع بغنى هذه الثقافة وترابط وقرب الناس".
بغصة ودمعة تحدث عن زيارته الأولى للبنان متمنيًا أن ينجح بدوره بنقل القيم التي تربى عليها لأولاده.
"لا يمكنني التعبير عما شعرت به، لم اختبر أبداً مثل هذه الصداقة ودفء الناس هناك لا يوصف."
أما رفيقة الدرب ميرنا التي حملت لبنان معها وأعادت لذاك البيت لغة الأجداد الذين تركوا كفر صغاب منذ أكثر من مئة سنة فتقول: "نحن نعيش في أستراليا لكن لبنان يعيش فينا، أنا من كفر صغاب وسأبقى كذلك."
وتتابع قائلة: "لا أنسى لبنان وأحب أن أنقل فخري بلبنانيتي لأولادي ولمجتمعي في توومبا".
"فقدت عائلة زوجي ارتباطها بلبنان بعد مئة سنة من الهجرة، ولكن مع زواجي من طوني شعرت أنني أعدت هذا الارتباط والانتماء للعائلة."
تضيف ميرنا المستمعة الدائمة لأس بي أس عربي24: "أس بي أس عربي تربطنا مع جذورنا ووطننا الأم."
يقول الحفيد أندرو وهو من الجيل الرابع عن مسيرة الإصرار والنجاح وهو يعمل على نفس الأرض التي ابتاعها جده أسعد: "إنه شعور رائع بأن نحافظ على إرث الأجداد وأن أعمل هنا في مزرعة جدي، أنظر لإهراءات القمح القديمة والجديدة وأفتخر بما وصلنا إليه اليوم."
يمكنكم أيضاً الاستماع لبرامجنا عبر أو عبر تطبيق SBS Radio المتاح مجاناً على