"بقي أولادي يبكون طوال الرحلة": من كفرصغاب إلى أستراليا، رحلة البحث عن الاستقرار لأرملة وأولادها

Ghorra Khoorey

Ghorra Khoorey with her late husband and her children in her hometown Kfarsghab-north Lebanon Source: Ghorra Khoorey

من كفرصغاب في شمال لبنان إلى أستراليا، قصة هجرة قادها إصرار أرملة وأم خسرت زوجها في ربيع العمر. اختارت غرة خوري أن تحتضن أولادها وتختار لهم مستقبلًا في الغربة على عدم الاستقرار في الوطن فهاجرت في مطلع الثمانينات برفقة أولادها شربل وأنطوانيت وجوزيف.


للهجرة قصة خاصة في كفرصغاب بدأت، منذ أكتر من مئة سنة، عام 1885.


النقاط الرئيسية

  • فقدت غرة خوري زوجها وأصبحت أرملة في عمر 22 سنة
  • تركت كفرصغاب في شمال لبنان وهاجرت إلى أستراليا مع أولادها الثلاثة بحثًا عن مستقبل أفضل لهم
  • تروي تفاصيل دورها في رعاية أولادها في أستراليا التي لم تكن تعرف عنها شيئًا آنذاك

خسرت غرّة شريك حياتها في عمر 22 سنة، وتركها رفيق الدرب في كفرصغاب مع ثلاثة أولاد أكبرهم آنذاك كان شربل البالغ من العمر 13 سنة وجوزيف الذي كان رضيعًا  لم يكمل عامه الثاني.

بدأت غربة الصبية فغابت ضحكتها الرضية و"غمازاتها" مع غياب رفيق الدرب الذي ترك كفرصغاب ورحل في عمر 27 سنة. من يومها صغرت الدنيا في عينيها. اتكلت غرّة على عناية الله وحملت قلبها وأولادها وهاجرت عند جدّها وجدّتها في أستراليا، إلى تلك الأرض المجهولة والغريبة على ابنة شمال لبنان.
Ghorra Khoorey
Ghorra Khoorey's children Charbel, Antoinette & Joseph. Source: Ghorra Khoorey

رحلة الى مجهول

كان الأمر صعبًا جدًا على غرّة. وضبت حقائب السفر وحملت هدايا للأقارب وتوجهت إلى سوريا إذ كان مطار بيروت مقفلاً. وفي طريقها الى هناك، تستذكر لحظات مؤلمة حين أوقفت على الحاجز وأخذت منها كل الهدايا. كانت الرحلة هي الأصعب لغرة وللأولاد الذين يعيشون خسارة أب وانسلاخًا عن أرض، فقالت غرة:
بقي أولادي يبكون طوال الرحلة على متن الطائرة
احتضن الأقارب غرة والعائلة، لا سيما جدها وجدتها. مكثت عند أخيها في Parramatta لمدة سنة ثم انتقلت للعيش في منزل جدها. التحق الأولاد بمدرسة العائلة المقدسة التي كانت تعرف حينها بمدرسة سيدة لبنان، وبدأ نضال الأم بشتى الطرق لمواجهة الغربة، فانضمت إلى صفوف اللغة الانجليزية وعملت في أي فرصة عمل عرضت عليها آنذاك  من قبل الأقارب:

"عملت في مأوى للعجزة وكنت فرحة في خدمتي".

أم وأب في الغربة

عانى شربل بكرها من قسوة الفراق إذ شعر أن هذه الخطوة كانت قاسية جدًا للمراهق الذي خسر والده دون أي استعداد. تستذكر غرة الأم كلمات تبكيها حتى هذا اليوم قائلة:
كنت أبكي طوال الليل حين كان ابني يقول لي "أنا ذاهب الى المدرسة، ولكن ربما لن أعود إلى المنزل. سأرمي بنفسي في النهر
شعرت غربة بتحدٍ كبير يتمثل برعاية أولادها بمفردها في ثقافة لا تعرف عنها شيئًا. والأم التي انتقلت من أمان القرية إلي تجارب بلد متعدد الثقافات، سهرت ليالي طويلة تنتظر عودة أولادها من العمل أو السهر: "كنت أقول لأخي، أنا خائفة على أولادي. لبنان أكثر أمانًا. فكان يطلب مني أن أتأقلم مع أستراليا واختلافاتها".

وهكذا بقيت الأم المناضلة تخفي خوفها إلى أن استقل أولادها وطاروا من تحت جناحيها إذ هم أبناء الحياة:
من الصعب جدًا أن تحافظي على أولادك في أستراليا. سهرت وصليت كثيرًا من أجلهم. كنت أسهر طوال الليل إلى أن يعودوا إلى المنزل. بقيت أحمل المسؤولية كأم وأب إلى أن تزوج أولادي
تحدت وواجهت وسهرت لكنّها حصدت نجاح أولادها، فالأصغر جوزيف أصبح تحريًّا في الشرطة الأسترالية مما يجعلها تشعر بالرضى على كل ما قدمته كأم وحيدة في الغربة.
Ghorra Khoorey
The proud grandmother Ghorra Khoorey with her grandchildren Source: Ghorra Khoorey

"مدقة الثوم" وجارة الرضى

افتقدت غرة تفاصيل القرية والإحاطة بالأقارب في بلد يعمل بسرعة قائلة:
افتقدت لشرب فنجان القهوة مع الجيران، لرائحة البخور وصوت الجرس في كفرصغاب. افتقدت حتى للمياه لكنني كنت أضحي من أجل مستقبل أولادي
ظنت غرة أنها مع هجرتها، سترتاح من تعب العمل في الفرن الذي كان يملكه أهل زوجها، لكنه تبعها إلى أستراليا فروت ممازحة:

"عندما اشتريت منزلي في Parramatta، تفاجأت أن الفرن كان بانتظاري فيه! وجدت أن مالك المنزل الذي كان من قرية بلوزا الشمالية، كان أعد في حديقة المنزل فرنًا مجهزًا بالكامل".

وفي ذات يوم كانت بحاجة إلى "مدقّة الثوم"، فما كان عليها إلا أن قرعت باب الجيران وسألتهم إن كانت تستطيع أن تطلب منهم هذه الحاجة الملحّة فقالت جارتها منى:

"أغراضي ما زالت موضبة في الصناديق. انتظري قليلًا وسأجدها لك".

وكانت هذه بداية صداقة وأخوة وجيرة حوّلت الغربة إلى وطن منذ ثلاثين سنة. وعن هذه الأخوة تقول غرة:
منذ ذاك اليوم ونحن قلب واحد! لا طعم للقهوة الا مع جارة الرضى! جارك القريب أفضل من أخيّك البعيد. ربما لن تصدقي، لكننا فتحنا بوابة خلفية بين البيتين

حصاد الغربة

تنظر اليوم غرّة إلى رحلة عمر بامتنان كبير قائلة:

"أستراليا علمتني الكثير. علمتني الاحترام والالتزام بالقوانين. لا يعلى على هذه البلاد"

لم تستطع غرة أن تحبس الدمع في عينيها قائلة:
إذا كان بإمكاني أن أفتح عينيّ في كفرصغاب الآن، فأول مكان أزوره هو مدفن الوالد، ومن ثم أذهب لمعانقة والدتي
وأعربت بغصة عن امتنانها لوالديها ولعائلتها الذين لم يتركوها وحدها في نضالها كأرملة:
عائلتي لم تتركني لحظة منذ أن توفي زوجي وكان ابني الصغير آنذاك رضيعًا وهو الآن رجل يبلغ من العمر 37 سنة
وبشكر كبير تابعت قائلة:

"عندما انتقلت من كفرصغاب إلى بيروت، ترك أخي عمله وعاش معي سنتين كي لا أبقى وحيدة مع أولادي في بيروت. لم يتركني إلى أن سافرت إلى أستراليا"

 وختمت داعية كل أم تكافح بمفردها:
ضعي إيمانك بالله وتفهمي أولادك واسهري بترقب كبير على مستقبلهم
للاستماع إلى اللقاء كاملاً مع غرّة خوري، اضغط على الملف الصوتي أعلاه.

شارك