كانت أحلام يونان فريفر تثمر بشغف وبفيض كشجرة متجذرة في تلك الأرض الغالية على قلبه. ومع الانتقال إلى أستراليا شعر بأن حياته انقلعت من جذورها حاملة معها أغصانها المثمرة والكثيفة لتغرس جذورها في أرض غريبة عنها.
النقاط الرئيسية
- انتقل يونان فريفر إلى أستراليا في الخامس والعشرين من العمر.
- اختبر مشاعر الانسلاخ عن تاريخه وهويته وثقافته اللبنانية.
- واجه تحديا خاصا ألا وهو التأقلم مع المجتمع اللبناني في أستراليا الذي كان مغايرا لما كان يعايشه في لبنان.
هذا الانسلاخ في حد ذاته يطرح علامات استفهام كثيرة، عمّا إذا لم تتمكن تلك الجذور من الانغراس بصلابة في أرض جديدة وغريبة، فهل ستحتفل بالحياة وبفيض مجددًا؟
ولد وكبر يونان، ابن سركيس ووردة، في لبنان وسط عائلة تشع بالحب. ذاك الشاب والطالب الجامعي لم يكن ليختار ترك لبنان يوما والسفر إلى أستراليا لو لم يلتق بشريكة حياته لورين في لبنان.
هذا الإبحار يحصد اليوم ستا وعشرين سنة في أستراليا، والذي يشكل مفترق طرق يفصل تلك السنين عن خمس وعشرين سنة في الوطن الأم.
لبنان... روحه
Younan Freifer in his village "Chbanieh" in Lebanon. Source: Younan Freifer
عبر يونان عن تعلقه العاطفي والإنساني بلبنان رغم أنه من الجيل الذي عاش مآسي الحرب لكنه رغم المآسي، عاش الحب والفرح هناك: "لبنان قصة عمر، عندما أقول لبنان أعني أنا... روحي."
لم يخطر السفر على بال يونان إلا أن "القلب دق" و في عام 1994 تعرّف إلى لورين الأسترالية من أصل لبناني واختارها شريكة لحياته. وفي خضم الظروف التي كان يرزح تحت ثقلها الوطن، اختار يونان أن يجنب لورين التضحية الأكبر ألا وهي العيش في لبنان وسط تلك التحديات، فراهن على مرونة تمّرس عليها وهاجر إلى أستراليا ليبدأ حياة آمنة لعائلته الجديدة.
"أصعب شيء في أستراليا كان الناس"
حدثنا يونان عن أن الإنسان يبني صورا في خياله لا تشبه الواقع أحيانا.
فواقع أستراليا الذي تعرف عليه لم يكن مشابها لما رسمه في خياله، وسرعان ما بدأت التحديات الكبيرة، وأبرزها تحديات التأقلم مع البيئة الجديدة التي لا تشبهه.
شكل المجتمع اللبناني في أستراليا صدمةً ثقافيةً له، وهو الذي عاش الحرب بكل تفاصيلها وألمها، وعبّر عن أن أصعب تحدٍّ واجهه هو المجتمع اللبناني الذي كان مغايرا لما تنشّأ عليه في لبنان. اذ إن الجالية اللبنانية حملت معها لبنان في مطلع الخمسينات وبقي جامدًا في فكرها.
وحاول يونان إيجاد وصف دقيق لقساوة اختبار الانسلاخ عن وطنه الأم.
"فكرت كثيرا كيف أصف ما أختبره وشعرت أنني مثل شجرة قُلعت جذورها من تربتها وتاريخها مثل ما اقتلعت جذوري، أفكاري، من بين عائلتي وناسي. ربما تكون التربة التي نقلت إليها أفضل حالا ومناسبة أكثر، ولكن هذا الانتقال الجذري يحتاج وقتًا، ومجهودا كبيرًا حتى تستطيع جذوري التشبّث بالتراب وأشعر بأنني جزء من هذا البلد."
وتابع قائلا: إن الصعوبة الأكبر هي أن يرى الإنسان جزءا منه هنا والآخر هناك. أحب الكثير من الأشخاص هناك وهنا أيضا وأشعر أنني بين ا مشطورٌ بين بلدين."
"أستراليا أعطتني الفرصة لتحقيق أحلامي"
Younan and his wife Lauren on their wedding day. Source: Younan Freifer
تأقلم يونان في أستراليا، رغم الانسلاخ اليومي، ويقول إنه حقق فيها أحلامه واستطاع تأمين الاستقرار لعائلته.
"تعودنا على سماع أبناء الجيل الأكبر في لبنان يقولون عن أستراليا بأنها بلاد الخير."
وهي كذلك بالنسبة إليه وإلى أولاده الذين ينتمون إليها، ولكن انتماءهم إلى أستراليا لم يلغ انتماءهم إلى وطنهم الأم لبنان الذي يزوروه بشكل متواصل ليخلقوا فيه ذكرياتهم، وهم يفتخرون به.
"ابني جوزف، الذي اعتقدت بأنه الأكثر بعدًا شخص عن لبنان، بين افراد عائلتي، فاجأني بتعلمه اللغة العربية بمفرده قراءةً وكتابةً. "
25 سنة في لبنان و26 سنة في أستراليا
Younan with his extended family in Lebanon during his visit to Lebanon in 2016. Source: Younan Freifer
أمضي يونان نصف عمره في أستراليا، وبنى فيها ذكريات وعائلة إلا أنّه مرتبط عاطفيا بلبنان وهو حتى اللحظة الحاضرة يسأل نفسه أحيانا لم هو هنا؟
"أسأل نفسي في أوقات ما الذي أفعله هنا، عندما أحتسي قهوتي أقول لنفسي أنا هنا لأن أولادي وعائلتي هنا. للأسف الوطن الذي أحبه غير قادر على أن يؤمن لأولادي ما تقدمه أستراليا لهم."
"حتى عندما أحلم، أحلم بلبنان. أسأل نفسي أين أنا؟ نصفي هنا ونصفي الآخر هناك ولكن الإيمان هو الذي يجمع بين النصفين."
وختم داعيًا المهاجرين الجدد إلى النظر بإيجابية إلى خيار العيش في أستراليا، والاستفادة من الفرص الكثيرة التي يقدمها هذا الوطن.
يمكنكم أيضاً الاستماع لبرامجنا عبر أو عبر تطبيق SBS Radio المتاح مجاناً على