بدأت الحملات الانتخابية بشكل رسمي مع إعلان سكوت موريسون أن الانتخابات الفيدرالية لعام 2022 ستجرى في 21 أيار/مايو بحيث يطمح كلا الحزبين، العمال والائتلاف الحاكم، لكسب أصوات الاستراليين.
النقاط الرئيسية:
- انخفاض القيمة الشرائية للأجور يشكل التحديات الاقتصادية الأكبر أمام الحكومة المرتقبة
- من المتوقع ان تلامس نسب التضخم 4% في الأشهر القادمة، مما قد يدفع المصرف المركزي أستراليا لرفع سعر الفائدة الأساسي مما سيزيد من تكلفة الاقتراض
- النقص الكبير في اليد العاملة الماهرة ستدفع بالحكومة المقبلة لإعادة النظر بنظام الهجرة الحالي واستقطاب هذه المهارات بشكل صحيح
قدم الخبير الاقتصادي عبدالله عبدالله قراءة اقتصادية حول التحديات الاقتصادية الأبرز التي سوف تواجه الحكومة الفدرالية الجديدة في ظل غلاء المعيشة ووصول الدين العام الأسترالي إلى تريليون و160 مليار دولار في العام 2025.
أزمة المعيشة
تلقي أزمة تكلفة المعيشة في أستراليا بظلالها على الجميع، لا سيما على الأسر ذات الدخل المنخفض. ومع التوقعات أن تلامس نسب التضخم الاساسي 4% في الأشهر القادمة، من المرجح أن يبدأ مصرف أستراليا المركزي برفع سعر الفائدة الأساسي، مما سيزيد من تكلفة الاقتراض. ويهدف رفع سعر الفائدة الى محاولة تقليل الطلب على السلع والخدمات. لكن هذا الإجراء وحده لن يكون كافياً في معالجة المصادر الحالية للتضخم، كما يمكن أن يؤدي لتفاقم أزمة تكلفة المعيشة من خلال خفض الإنتاج وبالتالي التوظيف في المستقبل.
يقول عبد الله: "امام هذه المعضلة لا أحد يملك عصا سحرية لحل الازمة بالمدى المنظور. يجب أن يكون البحث حول الأسباب الفعلية لهذا التضخم. ارتفاع الطلب هو أحد هذه الأسباب، ولكن المشاكل الكبرى تكمن في العرض، ومنها مشاكل محلية وأخرى عالمية مرتبطة بسلاسل التوريد".
شرح عبدالله تداعيات النقص الكبير في اليد العاملة الماهرة على انخفاض نسب الإنتاجية، لذلك على الحكومة المقبلة أن تعيد النظر بنظام الهجرة الحالي الذي يتميز بالعديد من النواقص والعقبات التي تحول دون استقطاب هذه المهارات بشكل صحيح، بالإضافة لتسهيل عملية بقاء من يرغب من الطلاب الدوليين في أستراليا، بالإضافة للعمل مع مجتمع الأعمال الأسترالي على برامج استقطاب الكوادر وتدريبهم والإسراع في دمجهم في هذه الشركات.
يقول عبد الله: "لا يكفي أن نأتي بهم إلى البلد دون برامج فعلية تساعدهم على إيجاد فرص العمل".
"توجد مشكلة في منظومة إدارة الكثير من الشركات في أستراليا التي تتجنب توظيف من لا يملكون خبرة محلية وهذه كلها فرص ضائعة على تلك الشركات وعلى الاقتصاد الأسترالي بشكل خاص".
قدم عبد الله في هذا الإطار مقارنة أستراليا مع الولايات المتحدة وكندا، إذ تعتمدان بشكل كبير على استقطاب المهارات من الخارج، وقد طور البلدان طريقة توظيفهما للقادمين الجدد بحيث يتم تقييم المهارات والإمكانات التي يمتلكها الشخص بحد ذاتها والتي يمكن أن تكون قيمة مضافة فعلية، وقامتا بتطوير أساليب الاستفادة من هذه الخبرات بدل تجاهلها، مما يؤدي إلى عمل هؤلاء بوظائف أقل بكثير من إمكاناتهم الفعلية، وهي كلها فرص ضائعة على الاقتصاد.
المشاكل في سلاسل التوريد المحلية والعالمية
أصبحت أستراليا في السنوات الأخيرة أكثر اعتمادًا على البضائع المصنعة خارج البلاد وبالتالي باتت تتنافس مع كل العالم على بضائع أساسية وبذلك انخفضت مساهمة الصناعة بالناتج المحلي الأسترالي من 14% في أوائل التسعينيات إلى اقل من 6% حالياً مع تحول الاقتصاد الأسترالي الى ما يعرف باقتصاد خدمات.
يقول عبد الله: "هذا الخطأ تتحمله الحكومات المتعاقبة وخاصة بعد عام 2005 حيث بدأ التدهور الفعلي، خاصة أن أستراليا تتمتع بقدرات تصنيع عالية المهارة تجعلنا قادرين على المنافسة على القيمة بدلاً من التكلفة وحدها".
يعتبر عبد الله أن على الحكومة المستقبلية تعزيز دور وكالة العلوم الوطنية الأسترالية CSIRO لتكون صلة الوصل والتعاون بين عمليات البحث والتطوير في المختبرات الجامعية والصناعيين الاستراليين. ويشدد على ضرورة الاستثمار في دعم المزيد من البحوث في الصناعات المتطورة بالإضافة للعمل على تطوير شبكات النقل من خلال الإنفاق الاستثماري في وسائل النقل المتطورة والقطارات السريعة، وهذا يلزمه رؤية اقتصادية متكاملة افتقدتها موازنة عام 2022.
مؤشر أسعار المستهلكين CPI
تطرق عبد الله إلى مسألة الحقيقة التمثيلية لمؤشر أسعار المستهلكين (CPI) الذي هو مجرد معدل تضخم واحد، بناءً على مفهوم سلة تمثيلية من السلع، ونمط إنفاق نموذجي، وأسرة متوسطة.
يقول عبد الله: "لا يأخذ هذا المؤشر قيمة ارتفاع أسعار المنازل كلها بعين الاعتبار. هو يحتسب فقط قيمة سعر بناء المسكن الجديد، دون احتساب سعر الأرض".
وأشار إلى أنه لا يتم تسجيل مشتريات المساكن الموجودة في مؤشر أسعار المستهلكين، لأنها تعامل على أنها تحويلات للأصول القائمة، لذلك يرى أن ارتفاع أسعار المنازل لا يعكس الصورة الكاملة عن أبرز عوامل الضغط على المواطن الأسترالي والذي يكلفه حوالي ثلث مدخوله السنوي، والمرجح أن ترتفع هذه التكلفة مع ارتفاع أسعار الفوائد. لذا يعتبر عبد الله وجوب تطوير كيفية احتساب ال CPI ليتمكن واضعو السياسات من الوصول لفهم أعمق للأرقام وصياغة الحلول على أساس هذا الفهم، وهذا امر أقرّه مكتب الإحصاء البريطاني ويجري العمل على تطويره، ويرجو أن تحذو أستراليا حذو بريطانيا في هذا الامر.
عدم ارتفاع الأجور
يقول عبد الله إنه مع استمرار معدلات التضخم بالارتفاع، تنخفض قيمة الأجور الفعلية: "آخر مرة شهدنا فيها ارتفاع معدلات أجور سنوي فوق 4% كانت عام 2008 قبل الازمة العالمية حيث انخفضت في ذلك العام لما دون 3% بشكل رئيسي بسبب الصدمة الاقتصادية التي شكلتها الازمة العالمية".
وعادت معدلات الأجور للارتفاع في السنوات اللاحقة فوق 3% لغاية 2013 حيث بدأ تقهقر معدلات ارتفاع الأجور لما دون 2.5% ولم يتجاوز هذا المعدل منذ ذلك الحين، وهذا موضوع بكل تتحمله سياسات الائتلاف الحاكم، وهذا ما يثير الشك بالمعدلات الواردة في موازنة عام 2022-2023 والتي توقعت عودة ارتفاع الأجور إلى 3.5%، إذ في كل السنوات السابقة لم تصدق هذه التوقعات.
كيف يمكن للأجور إذاً أن ترتفع؟
أشار عبد الله إلى وجوب التدقيق في معدلات البطالة التي تبدو اليوم منخفضة عند 4%، إلا أن المشكلة هي في معدلات العمالة الناقصة أو underemployment التي لا تزال مرتفعة وهي سجلت 6.6% في شهر شباط/فبراير الماضي: للتذكير أن مكتب الإحصاء يحتسب ساعة عمل واحدة بالأسبوع ضمن من هم يعملون. إلا أن معدلات العمالة الناقصة تحتسب من يعملون ولكنهم يريدون العمل لساعات إضافية ولديهم القدرة على ذلك".
وأضاف: "لكي ترتفع الأجور لمستويات فوق الـ 3% يجب أن ينخفض هذا المعدل، أي أن الاقتصاد الأسترالي يجب أن ينمو بشكل أكبر لخلق ساعات عمل أكثر".
هذا وسط تراجع كبير في معدلات انتساب العمال إلى نقابات واتحادات العمال التي شهدت في السنوات الماضية تراجعاً من 35% في عام 1995 إلى أقل من 15% في السنوات الأخيرة بحسب أرقام مركز الإحصاء. ويعتبر عبد الله أن على النقابات واتحاد العمال أخذ هذه النسب المتراجعة بشكل جدي والبحث عن أسباب تراجعها:
انضمام العمال لاتحادات العمال كان تاريخيًا أحد الدوافع الأساسية لرفع قدراتهم التفاوضية لزيادة الأجور
وختم مذكراً أن أدنى معدلات ارتفاع الأجور كان لموظفي القطاع العام عند 2.1% فقط في آخر إحصاء عن الفصل الماضي في شباط/فبراير، مقارنة بـ 2.5% للقطاع الخاص. وهنا يمكن للحكومات الأسترالية ان تساهم ولو بشكل بسيط برفع هذا المعدل.
لمعرفة المزيد، اضغط على الملف الصوتي أعلاه.