14 تشرين الثاني 1977 لم يكن يومًا عادياً في زغرتا، شمال لبنان. حسناء ومنصور لم يكونا ذاهبين كالعادة إلى بيروت التي تبعد تسعين كيلومترًا عن ساحة الضّيعة حيث كانا يلتقيان. هذه المرة، لم يتوجّها إلى بيروت مع صقيع تشرين "وأوّل ثلجة" ولن يعودا حين يزهر الرّبيع، "الغيبة هالمرّة، وحدو الله بيعرف قديش رح تدوم."
النقاط الرئيسية
- سافرت من سوريا اذ كانت السّفارة الأستراليّة هناك آنذاك
- امتنعت عن شرب الماء للفرق الكبير في مذاقها مقارنة مع مياه ضيعتها
- عبّرت عن أنّ أستراليا هي بلد العدالة والإنصاف والقانون بحيث يتساوى الجميع بحسب الكفاءة
نحن نتحدّث عن السّفر منذ أربعين سنة، إذ كان أشبه بالرّحيل، فالعناق الأخير قد يكون الأخير حقًّا.
وبين لبنان وأستراليا، سبعة بحار على لسان جدتي التي بالنسبة إليها، الغربة قاسية كرحيل الموت، هي التي انتظرت ثلاثة أشهر لتقرأ أول رسالة من والدي المهاجر.
الضيعة بكلّ ما فيها تودّع حسناء ومنصور منذ الصباح الباكر، وحقيبة السفر لن تتسع للحب والذكريات، مع الزّعتر الإهدني، القصعين والخبز السّاخن من أيدي الغاليات الموّدعات اللواتي تودعن.
من زغرتا، إلى الشّام، فأستراليا
انطلقت رحلة حسناء ومنصور من مطار الشام آنذاك على متن الخطوط الجوية الهولندية. حملت معها "زوّادة لبنانيّة شماليّة" تحتوي على كبّة، خيار، زيتون وخبز لبناني لعل طعام الطائرة لم يكن لذيذًا. كانت المرة الأولى التي تسافر فيها حسناء وللصدفة أنه جلس مهندسٌ إلى جانبها، فسألته إن تمّ الإقلاع، وإذ به يطمئنها ممازحًا حين سألته إن تم الإقلاع قائلًا: "لم تشعري بشيء اذ تمّ تزفيتُ الأرض بشكل جيد."
لبنان أجمل
في أوّل الأمر، لم تستطب حسناء أستراليا في مقارنةً بجمال لبنان، وامتنعت عن شرب الماء قائلة بلهجتها الشّمالية: "يلّي بيشرب من مي ثلج لبنان، ما بيعود في يشرب من هون."ولكن سرعان ما أحبّت أستراليا، أرض القانون، المساواة والأمان.
وصفت لنا حسناء تفاصيل المجتمع الأسترالي في مطلع الثمانينات وطيبة شعبه الذي كان يقدّم الدّعم للمهاجرين. حيث كان بائع الحليب يترك قوارير الحليب على مدخل البيوت فتترك له العائلة ثمنه من دون أن يسرقه أحد. كان مؤشّرُ الأمان كان عاليًّا، كما كان يقول منصور زوجها رحمه الله.
هذا البلد، بلد العدالة والإنصاف والقانون. أولادنا وأولاد رئيس الوزراء متساوون بحسب الكفاءة التعليمية.
وشاركتنا حسناء بهذه الحادثة التي تصف مساندة المجتمع الأسترالي للمهاجرين قائلة: "صاحبة المتجر الأسترالية طلبت من السّيدة اللبنانية أن تفتح المحفظة لتعلمها كم عليها أن تدفع بالعملة الأسترالية."
وهنا استذكرت حسناء كلمات المطران الرّاحل عبدو خليفة قائلة: "رحمه الله، كان يقول لنا دائمًا، علينا أن نحبّ أستراليا التي استقبلتنا كمواطنين وليس كلاجئين."
حديقة ردفرن
حديقة ردفرن كانت نقطة الوصول ومكان تلاقي اللبنانيين المهاجرين، وبيتهم وأحيانًا غرفة نومهم، وقالت حسناء: "حديقة ردفرن شاهدة على معاناة اللبنانيين. كنت أسمع أغاني فريد الأطرش وأم كلثوم هناك لكثرة اللبنانيين".
وشاركتنا بطرائف تحديات اللغة ومغامراتها، اذ كان عليها الانضمام إلى صفوف اللغة الإنجليزية في وسط المدينة وقالت: "كنا من جميع أنحاء العالم في الصّف، ولكنني كنت الأسرع في التعلم لأنّني أتقن اللغة الفرنسية."
أما عن شراء اللحم، فما كان عليها إلّا استخدام لغة الإشارة للتواصل مع اللحام ممازحة ومشيرة: "هيك كنّا بالإشارة ندِل ونشتري نخاعات لسانات."
وتابعت في هذا السياق قائلة: "أمّا اليوم، فالدولة الأسترالية المشكورة، تقدّم خدمة الترجمة إلى جميع المهاجرين أينما كانوا. "![حسنى عيروط](https://images.sbs.com.au/drupal/yourlanguage/public/hasna.jpeg?imwidth=1280)
![حسنى عيروط](https://images.sbs.com.au/drupal/yourlanguage/public/hasna.jpeg?imwidth=1280)
حسنى عيروط وعائلتها. Source: حسنى عيروط
الكبّة الزغرتاويّة
عبّرت حسناء عن مساهمة الجالية اللبنانيّة في بناء المجتمع الأسترالي، كلّ حسب إمكانيّاته. وحدثتنا عن خبرة تحضير الكبّة الزغرتاويّة المميّزة لطلّاب الحضانة شبه المجانيّة قرب منزلها قائلة: حضّرتُ الكبّة الزّغرتاويّة الحصريّة لسبعة وثلاثين طفلًا في الحضانة، والمكّونات كانت تقتصر على 2 كيلو من اللحم. فقالت لي مديرة الحضانة: "هذه أكثر وصفة إقتصاديّة."
أستراليا وطني ووطن أولادي
أعربت حسناء عن حسن ارتباطها وأولادها بأستراليا رغم قلقها الكبير على لبنان قائلة: "أشعر بالقلق الكبير على لبنان، أحيانًا لا أقوى على النّوم ففي قلبي هم وهو لبنان." وتابعت :
الغربة علّمتني كثيرًا. علمتني الاستقلالية والإتكال على الذذات.
وأوصت أولادها ألّا يتركوا لبنان أبدًا وأن يبقوه في قلوبهم وختمت قائلة لهم: "احترموا أستراليا لأنها احترمتنا وأحبّتنا!"
يمكنكم أيضاً الاستماع لبرامجنا عبر أو عبر تطبيق SBS Radio المتاح مجاناً على