تقع الضاحية الجنوبية بطبيعة الحال جنوب بيروت بين ساحل بيروت الجنوبي وبداية جبل لبنان شرقي العاصمة. وتتبع إدارياً لمحافظة جبل لبنان (قضاء عالية بعبدا)، وكانت تُعرف سابقاً بـ"ساحل المتن الجنوبي" ، وتمتد على مساحة نحو 28 كيلومتراً مربعاً. تشمل عدة بلديات وبلدات وتكمن أهميتها الإستراتيجية في وجود مطار بيروت الدولي ضمن نطاقها ووزارة العمل اللبنانية والجامعة اللبنانية، ومن أهم مناطقها: الشياح، الغبيري، برج البراجنة، حارة حريك، بئر العبد، حي السلم، الليلكي، الأوزاعي، المريجة، وتحويطة الغدير، وتقع الضاحية الجنوبية بين ساحل بيروت الجنوبي وبداية جبل لبنان شرق بيروت.
A plane of Lebanon's national carrier, Middle East Airlines (MEA), prepares to take off from Beirut International airport on August 5, 2024. Source: AFP / -/AFP via Getty Images
ما يعرف اليوم بالضاحية الجنوبية لبيروت كان عبارة عن مجموعة قرى زراعية، تملؤها بساتين الزيتون والحمضيات قبيل السبعينيات ومن أهمها حارة حريك التي كانت مليئة ببساتين الليمون، وكانت معروفة بجمال طبيعتها، وبكونها مقراً لمدارس وإرساليات مسيحية.
ورد أقدم ذكر تاريخي لهذه المنطقة في مخطوطة نادرة للمؤرخ صالح بن يحيى التنوخي (توفي بعد 1453 م)، حيث ذُكر قصة امتناع سكان قرية "البرج" -المعروفة اليوم بـ"برج البراجنة"- عن دفع إقطاع الأرض لأحد الأمراء الدروز، وقتلهم "العبد" الذي بعثه لهذا الغرض ورميهم إياه في بئر يُعرف مكانه اليوم بـ"بئر العبد ".
LISTEN TO
من هم الموحدون الدروز ولماذا يؤمنون بالتقمص؟
SBS Arabic
02/08/202413:49
وفي مطلع القرن العشرين برز في هذه المنطقة "رائد الحركة الاستقلالية العربية" عبد الكريم قاسم خليل الذي ترأس مؤتمر باريس الشهير عام 1913 لمناهضة السلطنة العثمانية، لكنه سرعان ما أعدم في 20 يوليو/تموز 1916 مع بعض رفاقه.
وفي مطلع خمسينيات القرن نفسه أصبحت منطقة الضاحية تربة خصبة لكل الأفكار القومية واليسارية والاشتراكية، حيث كان لبنان مسرحاً تبارز عليه الرئيس كميل شمعون المتهم بتحالفه مع الغرب والزعيم جمال عبد الناصر ، وكان خيار الضاحية ناصرياً بامتياز.
وبقي الحال على ما هو عليه حتى عام 1968 حين توافد ما كان يُعرف بالفدائيين الفلسطينيين إلى لبنان، حيث انخرط العديد من أبناء الضاحية آنذاك في صفوف المقاومة الفلسطينية وتحديداً حركة التحرير الفلسطينية (فتح).
يذكر أنه بدأ النزوح من الجنوب والبقاع (شرق لبنان) إلى الضاحية الجنوبية أواخر خمسينيات القرن الماضي، نتيجة الفقر والحاجة للبحث عن عمل. وبالتالي توسعت القرى المجاورة لبيروت شيئاً فشيئاً بين خمسينيات وسبعينيات القرن الماضي، وتحوّلت هذه المناطق من قرى، إلى ضواحٍ للعاصمة كانت لا تزال تحتفظ بأسمائها الأساسية آنذاك.
لكن التوسع الأكبر الذي شهدته المنطقة كان خلال الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي (1975-1990)، حيث تهجّر الناس في بدايات هذه الحرب وخصوصاً عام 1976 من الضواحي الشرقية لمدينة بيروت إلى حارة حريك تحديداً. كما أنه مع بداية الاجتياح الإسرائيلي للبنان، نزحت أعداد كبيرة من الجنوبيين إلى ضاحية بيروت الجنوبية.
ومع حركات النزوح الكبيرة إلى الضاحية ، بدأت تتغير معالمها السياسية والدينية. ففي عام 1976، أسس المرجع الديني الشيعي الراحل السيد محمد حسين فضل الله أول حوزة دينية سياسية في المنطقة، وكان مركزها في حارة حريك. وبعدها أصبحت المنطقة مركزاً لحوزات دينية أخرى. لكن حارة حريك حافظت على بعض معالمها القديمة، ولا تزال كنيستها مفتوحة إلى اليوم، وتقام فيها الصلوات أيام الآحاد.
وفي السبعينيات، بدأت المنطقة تتحوّل إلى مركز ثقل سياسي، وكانت نقطة التحول البارزة مع ولادة مشروع الحركة الإسلامية الشيعية في لبنان على يد السيد موسى الصدر الذي أسس ما عُرف بـ "حركة المحرومين" أو "حركة أفواج المقاومة اللبنانية أمل" واتخذ من إحدى بلداتها وهي الشياح مقراً له، وتزامن ذلك مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، وباتت الضاحية تعرف "بضاحية المحرومين". وفي عام 1978 غُيّب الإمام موسى الصدر خلال زيارة له إلى ليبيا، إلا أن أفكاره ترسخت في أذهان سكان هذه المنطقة الشيعة الذين تأثروا بالثورة الإسلامية الإيرانية من أجل مواجهة إسرائيل.
A man waves a Hezbollah and a Palestinian flag as he stands with another man near a building covered with a banner bearing pictures of Shiite Muslim leaders, during the funeral procession of slain top Hezbollah commander Fuad Shukr in Beirut's southern suburbs on August 1, 2024. Source: AFP / KHALED DESOUKI/AFP via Getty Images
ومنذ ذلك الحين، وبعد استقرار حزب الله في الضاحية، درج استخدام مصطلح "ضاحية المستضعفين" وأصبح للمنطقة هوية دينية وسياسية جديدة ترتبط به. حيث بدأت تتبلور فصول العلاقة الإستراتيجية بين الحزب والضاحية الجنوبية لبيروت التي أصبحت معقلاً أمنياً وسياسياً وثقافياً له وقلبها حارة حريك، وتضم مساكن عدد من علماء الشيعة وقادة الحزب، مما جعلها هدفاً مباشراً للاعتداءات الإسرائيلية ولا سيما خلال حرب يوليو/تموز 2006. حيث لحق دمار هائل في مبانيها وبنيتها التحتية وموست بحقها سياسة الأرض المحروقة آنذاك.
لكن الحزب تمكن من إعادة إعمار الضاحية من خلال مؤسسة "وعد" ومساعدات خارجية لتعود إلى سابق نشاطها وحيويتها.