تحتفل أستراليا حاليا بما يعرف بأسبوع وهي مناسبة وطنية للاحتفاء بثقافة السكان الأصليين. الأسبوع الذي بدأ في السابع من يوليو تموز الماضي ستنتهي فعالياته في الرابع عشر من نفس الشهر ويحمل هذا العام شعار "صوت، معاهدة، حقيقة".
توقيع معاهدة بين السكان الأصليين والحكومة الاسترالية لطالما كان مطلبا رئيسيا للأبورجينيين، لكن الحكومات المتعاقبة رفضت هذا المطلب. حتى أن رئيس الوزراء الراحل بوب هوك عندما تعهد بتوقيع معاهدة بحلول عام 1990، اضطر للتراجع بسبب رد الفعل الشعبي والضغط السياسي.
فلماذا يحيط المعاهدة هذا القدر من الحساسية؟ وماذا ستكون نتائجها على أرض الواقع؟
أرض بلا شعب
عندما بدأ البريطانيون في التوافد على قارة أستراليا عام 1788 اعتبروها أرضا خاوية أو أرضا غير مملوكة لأحد وأطلقوا عليها المصطلح اللاتيني Terra Nullius. هذا يعني أن الأنجليز لم يعترفوا بوجود الشعوب الأصلية والتي يعود تاريخها إلى نحو ستين ألف عام على هذه القارة.
وقال المحامي هاشم الحسيني "عادة ما يتم توقيع معاهدات لتنظيم الوضع القانوني للداخلين على البلد مع الوضع القانوني للموجودين أساسا في الأرض التي احتلوها." وأضاف هاشم "في حالة أستراليا لم يعترف القادمون بالشعوب الموجودة، وبالتالي لم تُعتبر أستراليا بلاد رُبحت بالحرب، ما يعني أن البريطانيين أحضروا كل القوانين الأنجليزية وتملكوا الأرض دون أدنى اعتبار لوجود السكان الأصليين."أستراليا هي الدولة الوحيدة التي لم توقع أي معاهدات مع السكان الأصليين. على سبيل المثال، في نيوزيلندا وُقعت معاهدة وايتانجي عام 1840 بين التاج الملكي البريطاني وخمسمائة من زعماء الماوري لتقنين الوجود الإنجليزي في الجزيرة. وفي كندا والولايات المتحدة هناك مئات المعاهدات الموقعة مع السكان الأصليين، يعود تاريخ بعضها إلى مطلع القرن السابع عشر.
Painting of the Treaty of Waitangi signing by Marcus King. Source: New Zealand Government
قضية مابو
خضعت القارة المترامية الأطراف بالكامل لسيطرة الأوروبيين وبدأ تقسيمها إلى ولايات شبه مستقلة ثم وقعت الولايات لإنشاء الفيدرالية عام 1901. انتظر السكان الأصليون حتى عام 1967 للحصول على كامل حقوقهم السياسية وضمهم إلى تعداد السكان في أستراليا. لكن، سيادتهم على الأرض لم تكن مطروحة على الطاولة حتى صدور الحكم التاريخي عام 1992 في قضية مابو الشهيرة.وقتذاك حكمت المحكمة العليا، أعلى محكمة في البلاد، أن السكان الأصليين يمتلكون حقوقا في أراضي البلاد، وأن هذه الحقوق تعود إلى ما قبل وصول البريطانيين إلى القارة. وقال المحامي هاشم الحسيني "قضية مابو كانت مهمة للغاية لأن المحكمة قررت أن أستراليا لم تكن فارغة، وأقرت بوجود السكان الأصليين قبل الاستيطان الأوروبي."
Eddie Mabo with his legal team. Source: SBS
في أعقاب حكم مابو صدر Native Title Act عام 1993 والذي ينظم أحقية السكان الأصليين ببعض الأراضي. طبقا لهذا القانون، يجب أن يثبت السكان الأصليون وجود علاقة مستمرة مع الأرض التي يطالبون بها دون أي انقطاع، مثل تأجير الأرض أو بيعها أو عدم العيش فيها. ومنذ صدور القانون حصل السكان الأصليون على حقوق في قرابة اثنين مليون كيلومتر مربع من الأرض، أي أكثر بقليل من ربع مساحة أستراليا.
لا يعني الاعتراف بحقوق الشعوب الأصلية على الأرض تملك وبيع تلك الأراضي، بل يعني الحصول على حقوق معينة مثل الحق في الصيد وجمع الطعام والموارد بشكل تقليدي من تلك الأراضي، وحق الولوج إليها من أجل القيام بشعائر تقليدية ودينية. وفي بعض الحالات يكون الحق الممنوح هو الملكية القانونية الكاملة لتلك الأراضي.
وطبقا للحقوق الممنوحة في كل حالة، يمكن للسكان الأصليين توقيع اتفاقيات تأجير الأرض أو منح حقوق انتفاع بمواردها، حيث توجد حاليا في أستراليا 967 اتفاقية من هذا النوع. هذا القانون فائق الأهمية لأنه مثل أول اعتراف رسمي يوثق أحقية السكان الأصليين في بعض أراضي القارة. اعتمد القانون بشكل رئيسي على حكم قضية مابو التاريخي.
المعاهدة والإقرار بالسيادة
الفرق الرئيسي بين الحق الممنوح حاليا للسكان الأصليين في الأرض وتوقيع المعاهدة هو الحصول على حق السيادة أو sovereignty. "السيادة تعني الحق في ممارسة قانونك الخاص على أرضك" كما عرفها المحامي هاشم الحسيني.بنفس منطق قانون Native Title Act يتعين على السكان الأصليين إثبات أنهم لم يسلموا تلك الأراضي إلى الحكومة الفيدرالية، وبالتالي لم تنتهي سيادتهم عليها في أي مرحلة عبر التاريخ.
Placard outside the old parliament building in Canberra, Source: Photo by Jeff Overs via Getty Images
ومن شأن الاعتراف بسيادة السكان الأصليين تقليل قدرة الحكومة على التدخل في شؤونهم على هذه الأراضي، وطرح مفاهيم على طاولة المفاوضات مثل الحكم الذاتي والإقرار بالاختلافات الثقافية، ما يعفي السكان الأصليين في تلك المناطق من تطبيق القوانين الفيدرالية. لكن المعاهدة لن تطرح أبدا فكرة إنشاء دولة مستقلة للأبورجينيين داخل أستراليا.
على الرغم من ذلك، عارض عدد من رؤساء الوزارة في أستراليا فكرة المعاهدة، حيث قال جون هاوارد على سبيل المثال "الأمة لا تعقد معاهدات مع نفسها." في إشارة إلى أن السكان الأصليين جزء من أستراليا الحديثة وليس لهم وضع مختلف.
اقرأ المزيد
ماهو أسبوع الـNAIDOC؟
وقال هاشم الحسيني "الحق المعنوي في السيادة يتبعه حقوق على الأرض، التي تعد أصل كل الثروات." وأضاف هاشم "قد تمنح المعاهدة حقوقا أخرى مثل حق المشاركة في السلطة، والتمثيل بالهيئات المنتخبة وحق الاعتبار في المسائل ذات الأهمية ووضع مصلحة السكان الأصليين بعين الاعتبار عند سن القوانين وإصلاح الدمار الناجم عن سنين الاستيطان الأولى."
ويقول المدافعون عن المعاهدة أن المعاهدة ستكون أساس إنشاء جسد إداري على المستوى الفدرالي يمثل السكان الأصليين ويعتني بشؤونهم. كما قد تشمل تلك المعاهدة تعويضات مالية عن حوادث تاريخية معينة مثل أخذ أطفال السكان الأصليين عنوة في الفترة من 1910 وحتى 1970 فيما عُرف باسم "الجيل السليب أو Stolen Generations".
استمعوا للمقابلة كاملة مع المحامي هاشم الحسيني في الرابط أعلاه