في السادس والعشرين من مايو أيار من كل عام تشهد أستراليا مراسم ومسيرات وخطابات وأحداث لإحياء يوم الاعتذار أو Sorry Day، وهو اليوم الذي يعبر فيه الأستراليون عن أسفهم للمعاملة السيئة التي تعرض لها السكان الأصليين منذ وصول الأوروبيين إلى القارة.
ولكن مثل كل الأحداث الكبرى التي تحييها أستراليا على مدار العام، لن يشهد هذا العام الاحتفالات المعتادة باليوم بسبب إجراءات التباعد الاجتماعي المفروضة للحد من تفشي وباء كورونا.
لماذا تحتفل أستراليا بيوم الاعتذار؟
أول إحياء ليوم الاعتذار كان عام 1998، أي بعد عام واحد من تقديم التقرير التاريخي الخاص بسرقة أطفال السكان الأصليين إلى البرلمان والذي حمل عنوان "أعيدوهم للمنزل".
التقرير الذي نتج عن تحقيق فتحته مفوضية حقوق الإنسان والمساواة، وثق عملية الانتزاع القسري لأطفال السكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس من أحضان عائلاتهم في الفترة من 1910 وحتى السبعينات من القرن الماضي.هؤلاء الأطفال الذين تم تفريقهم عن عائلاتهم أصبحوا يُعرفون باسم "الجيل المسروق".
Skywriting on the day that thousands of people crossed the Sydney Harbour Bridge as a sign of reconciliation. Source: AAP
واستمر الأستراليون في إحياء اليوم كل عام بهدف الحصول على اعتذار رسمي من الحكومة الأسترالية ودعم قضايا السكان الأصليين.
ولم تقر الحكومات الأسترالية بتلك الممارسة حتى رئيس الوزراء العمالي بول كيتينغ والذي اعترف عام 1992 في خطاب له في حي ريد فيرن في قلب سيدني، والمعروف باعتباره أحد معاقل نضال السكان الأصليين في المدينة، والذي قال فيه لأول مرة "لقد أخذنا الأطفال من أمهاتهم".
لكن قضية الجيل المسروق لم تتحرك كثيرا منذ ذلك الحين حتى مسيرة الجسر الشهيرة، والتي تعد أحد أبرز العلامات في طريق الوصول إلى يوم الاعتذار الوطني.
في عام 2000، وفي 28 مايو أيار، شارك أكثر من ربع مليون أسترالي في مسيرة الجسر لعبور جسر ميناء سيدني الأيقوني دعما لحقوق السكان الأصليين. نظم المسيرة مجلس المصالحة مع السكان الأصليين، بهدف التضامن مع السكان الأصليين وتسليط الضوء على عدم اعتذار الحكومة الأسترالية بشكل رسمي عن الجيل المسروق.
يوم الاعتذار يوم للتعافي
في عام 2005، تم تسمية يوم الاعتذار بيوم التعافي الوطني لكل الأستراليين من قبل لجنة يوم الاعتذار الوطنية.السناتور أدن ديريك والذي كان السناتور الوحيد من السكان الأصليين في مجلس شيوخ نيو ساوث ويلز خلال فترة خدمته بين 1999 وحتى 2005، أعلن عن إطلاق يوم التعافي الوطني في 25 مايو أيار عام 2005 وقال "هذا اليوم سيركز على التعافي الذي نحتاجه في كل المجتمع الأسترالي إذا أردنا تحقيق المصالحة."
Sorry Day in Sydney in 2016. Source: AAP
الاعتذار
استغرق الأمر عشر سنوات كاملة منذ صدور تقرير "أعيدوهم للمنزل" ليصدر اعتذار رسمي من الحكومة الأسترالية. ففي الثالث عشر من فبراير شباط عام 2008، قام رئيس الوزراء الأسترالي آنذاك كيفن رد بالاعتذار التاريخي للسكان الأصليين في أستراليا وخاصة لأطفال الجيل المسروق وعائلاتهم ومجتمعاتهم.
وقال راد إنه يعتذر عن القوانين والسياسات التي "تسببت في معاناة وفقد وحزن لإخواننا وأخواتنا من الأستراليين."
وتضمن الاعتذار اقتراحا للجنة السياسات في البرلمان بالعمل على غلق الهوة بين الأستراليين من السكان الأصليين وباقي المجتمع فيما يتعلق "بمتوسط الأعمار والإنجازات التعليمية والفرص الاقتصادية."
وكانت حملة للدفاع عن حقوق الإنسان بعنوان "أغلقوا الهوة" قد بدأت بالفعل للدفاع عن حقوق السكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس عام 2006، قبل أن تتبنى الحكومة الخطوط العريضة للحملة في 2008.
عملية التعافي
مجلس المصالحة الأسترالي قال إن يوم الاعتذار هو جزء مهم من عملية التعافي بالنسبة للسكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس.
وكجزء من تلك العملية تم تأسيس منظمة التعافي بعد عام واحد من اعتذار رئيس الوزراء كيفن راد. وتعمل المنظمة مع أفراد من الجيل المسروق لمساعدتهم على العثور على طرق خاصة بهم للتعافي من سياسات الانتزاع القسري التي تعرضوا لها على يد الحكومة.وقالت المؤسسة "مؤسسة التعافي ترى مستقبلا حيث ينجح من وقع عليهم الضرر من الممارسات السابقة للانتزاع القسري في كسر دائرة الانتهاكات، وتعزيز قدراتهم كأفراد وعائلات ومجتمعات للحفاظ على الرفاه والأجيال المستقبلية.
Hundreds rally on Sorry Day 2017 in Sydney's Victoria Park. Source: AAP
وأضافت "نتمنى أنه من خلال المساعدة على رؤية أخطاء الماضي فإننا سنتمكن من السير إلى الأمام تجاه أستراليا بها مصالحة وعدالة ومساواة."
ما زال هناك طريقا طويلا
ورغم التقدم الذي يحرزه السكان الأصليون من ناحية الحقوق إلا أن الفجوة ما بين مجتمعاتهم وباقي المواطنين الأستراليين ما زالت كبيرة.
ويقل متوسط أعمار السكان الأصليين عن باقي سكان القارة بنحو عشرة إلى سبعة عشر عاما. ويتوفى مواليد السكان الأصليين بمعدلات تصل إلى الضعف بالمقارنة مع باق المواليد، كما يعاني السكان الأصليون من معدلات أعلى من الأمراض التي يمكن الوقاية منها مثل أمراض القلب والكلى والسكري.