في ضوء مشاكل العالم العربي المتزايدة والتي تثقل كاهل العرب وتؤرق حياتهم، تأتي هذه الساحرة المستديرة كمتنفس لهم وأسلوب علاج بنكهة كروية، فهي كفيلة بطبع الابتسامة على وجوههم وإدخال السعادة إلى قلوبهم لتنسيهم بعض ما يمرون به. فما هو السر الذي جعل العالم العربي يترقب هذا العرس على أحر من الجمر؟
Credit: ATPImages/Getty Images
وعلى الرغم من أن المنتخب المصري ليس من أكثر الدول الإفريقية مشاركة في المونديال حيث تأهل في ثلاث دورات فقط، إلا أن مصر من أكثر الدول العربية متابعة وهوساً بكأس العالم.
ولا يقف هوس المصريين بالكرة عند المستوى المحلي، بل يتعداه إلى العالم أجمع، حيث يترقب المصريون مونديال 2022 بفارغ الصبر ويرون فيه أهم وأكبر حدث كروي لا يمكن تفويت اي لحظة منه.
ونبقى في القارة الأفريقية، ولكن ننتقل إلى المغرب العربي وعلى وجه التحديد تونس والمغرب والجزائر والتي هي من أكثر المنتديات العربية مشاركة في المونديال. ولا شك أن كأس العالم سيكون له نكهة خاصة في هذه البلدان بعدما نجح فريق أسود الأطلس المغربي ونسور قرطاج التونسي بشق طريقهم للمشاركة في البطولة العالمية.
TUNIS, TUNISIA - MARCH 29: Players of Tunisia celebrate after beating the team Mali at the end of the second leg of the FIFA World Cup African Qualifiers 3rd round match between Tunisia and Mali in Tunis, Tunisia on March 29, 2022. (Photo by Tnani Badreddine/vi/DeFodi Images via Getty Images) Credit: DeFodi Images/DeFodi Images via Getty Images
من هنا نما وتطور حب هذه البلدان للكرة الساحرة وتحول إلى شغف وعشق، فأنجبت لاحقاً العديد من نجوم كرة القدم الذين لمعت أسماؤهم في سماء الكرة العربية والعالمية فيما بعد، وبالفعل استطاعوا أن يرفعوا أسماء بلادهم عالياً وحققوا إنجازات لا تُنسى. لذا تعول شعوب المغرب الغربي على قدرة بلادها على مراحل متقدمة في المونديال ويقول أحد المشجعين المغربيين في سيدني، "المنتخب الوطني المغربي بروحه القتالية في الملعب يمكن أن يذهب بعيدا خلال هذه المنافسة".
Squad of Saudi Arabia for World Cup. Credit: FIFA
يقول الصحفي الرياضي الكويتي محمود الشمري، "كانت المدارس هي النواة التي انطلق حب كرة القدم منها في الخليج، ونما حب هذه اللعبة لدى التلاميذ من خلال مشاركة مدرسيهم، ومن هنا كانت الطفرة التي ولدت لاعبين أبدعوا في رياضة كرة القدم التي أصبحت الرياضة الشعبية الأولى في دول الخليج".
وكانت مسابقة كأس الخليج العربي هي الانطلاقة للمنتخبات الخليجية عربياً وآسيوياً ثم عالمياً، حيث تمكنت الفرق الخليجية من انتزاع كأس آسيا عدة مرات وعلى رأسها السعودية التي تمكنت من الفوز ثلاث مرات.
ملعب البيت القطري الذي سيستضيف كأس العالم لكرة القدم 2022 Credit: AP
نتوجه الآن شمالاً إلى لبنان الذي يولد شعبه عاشقاً لكرة القدم، هذا البلد الصغير المحاصر بالأزمات المعيشية والتي تثقله الديون والبطالة والفقر لا شيء يستطيع انتزاع فرحة أبنائه بالمونديال.
وَلَه اللبنانيين بكرة القدم يعود إلى الستينات والسبعينات، فاللبنانيون لا يستطيعون أن ينسوا اللحظة التاريخية التي زار فيه أسطورة الكرة العالمية البرازيلي بيليه العاصمة بيروت في 6 نيسان/ أبريل 1975 وشارك بمباراة استعراضية مرتدياً قميص نادي النجمة في ملعب المدينة الرياضية.
وحتى خلال الحرب الأهلية اللبنانية فالقذائف كانت تصمت عند انطلاق صفارة مباريات المونديال، فيقول أحد الشاهدين على تلك الأيام، "كي لا تفوتنا أي مباراة كنا ننزع بطارية السيارة ونستعملها لتشغيل تلفاز صغير وكان يجتمع أهل الحي جميعاً حينها لتشجيع فريقهم المفضل".
Source: Getty / Getty Images AsiaPac
والأغرب أن اللبنانيين سواء كانوا داخل لبنان أو خارجه، فعشق كرة القدم ثابت في قلوبهم لا يتبدل مهما تبدلت الظروف، حتى أنك تسمعهم خلال المونديال يعرفون عن أنفسهم حسب البلد الذي يشجعونه والعبارتين الأشهر هما، "أنا ألماني" و"أنا برازيلي" وكأنهم يتقمصون جنسية البلد الذي يشجعونه.
Source: SBS
بدأ شغف وهوس السوريين بالكرة الساحرة منذ انضمام الإتحاد السوري لكرة القدم إلى الإتحاد الدولي الفيفا عام 1937، وبدأت الأندية السورية بالظهور بعدها تباعاً في مختلف المحافظات ومما لا شك فيه أن كل محافظة أنجبت جمهورها ومشجعوها.
ومن لا يذكر وصول نسور قاسيون إلى الملحق الأسيوي في تصفيات كأس العالم 2018 لأول مرة في تاريخه بمواجهة المنتخب الأسترالي، هذه المباراة التي جمعت ووحدت السوريين في أستراليا على قلب واحد وهدف واحد الذين حضروا بحشود كبيرة في ملعب سيدني.
Syria's players celebrate Source: AFP
أما في الجارة العراق فلا تختلف الصورة، فكرة القدم بالنسبة للعراقي هي أكثر من مجرد حماسية، فالكثيرون لا يتذكرون من طفولتهم سوى لعب الكرة في الأزقة والساحات التي كانوا يحولونها ملاعب يصنعون عوارضها من الحجارة أو من كتبهم المدرسية، وكانوا يحلمون بأن يكونوا لاعبين مميزين ومحط أنظار الجمهور.
وعن هذا العشق يقول المدرب باسم راشو، "نحن نعيش كرة القدم بفكرنا وعقلنا ومن كل قلبنا، حتى أنها كانت خلال الأحداث السياسية الصعبة المنفذ والمتنفس الوحيد الذي كان يجمعنا على طاولة واحدة". فشوارع العراق تخلو من المارة عندما يلعب المنتخب الوطني نظراً لقدسية وأهمية هذه المباريات التي لا يمكنهم تفويتها.
Iraqi soccer fans wave their country's flag after their national team beat Iran in their Asian Cup quarterfinal as the fans watch the match on TV in Baghdad, Iraq, Friday, Jan. 23, 2015.
وينتهي بنا المشوار في بلاد النشامى فلسطين والأردن اللذين يتنفسان حب الكرة ويجتمعان بقلب واحد على عشقها الذي يساوي عشقهم لأكلاتهم التقليدية المنسف والمسخن.
전반 26분 코너킥 세트피스에서 아나스 바니 야신에게 결승 헤딩골을 헌납하고 있는 사커루즈. Source: AP
وعن سبب محبة الشعب الأردني لكرة القدم قال الصحافي الرياضي الأردني الشهير لطفي الزعبي، "إن العائلة المالكة منغمسة في كرة القدم مما يشد الناس أكثر لها، كما أنها لعبة غير مكلفة ولا تتطلب الكثير من المصاريف المادية مما يشجع الناس على الإقبال عليها".
يعشق الشعب الأردني منتخبه الوطني "فريق النشامى" الذي رفع رأسهم عالياً في الكثير من البطولات العربية والدولية، كما خاض سبع مباريات لا ينساها الأردنيون سواء في الوطن أو في أستراليا ضد المنتخب الأسترالي السوكروز، والتي تمكن أن يحصد الفوز في ثلاثة منها.
أما الشعب الفلسطيني، فلا يرى أن كرة القدم هي مجرد رياضة، بل هي قوة دفع للأمام، فمهما كانت الظروف صعبة يجد الشبان والشابات متنفساً في الملعب لإفراغ قساوة الأيام التي يمرون بها.
وبالفعل قام السيد فؤاد أبو غليون بتأسيس جمعية فلسطين لكرة القدم لمبتوري الأطراف في عام 2018 في منطقة دير البلح الوسطى والتي تحوي لاعبين تتراوح أعمارهم بين 13 و 42 فقدوا أطرافهم نتيجة حوادث معينة إلا أن هذا الأمر لم ينل من عزيمتهم ولم يثنيهم عن لعب رياضتهم المفضلة حتى لو على العكازات.
يمكنكم أيضاً الاستماع لبرامجنا عبر أو عبر تطبيق SBS Radio المتاح مجاناً على