لعبت جماعة هيئة تحرير الشام المسلحة دوراً محورياً في الحرب السورية واحتلت عناوين الأخبار حول العالم بعد سقوط نظام بشار الأسد ولجوئه إلى روسيا ودخول المعارضة إلى دمشق.
في هذه الحلقة من بودكاست وراء الخبر، سنستكشف أصول تلك المنظمة ودوافعها وقوتها وتأثيرها المحتمل على مستقبل سوريا.
تأسست هيئة تحرير الشام رسمياً في يناير 2017 بعد اندماج عدة فصائل مسلحة معارضة للنظام، أبرزها جبهة فتح الشام، التي كانت تُعرف سابقاً باسم جبهة النصرة، وتُوَصّف كفرع لتنظيم القاعدة في سوريا.
نشأت هيئة تحرير الشام في سياق الحرب الدموية في سوريا، التي اشتعلت نيرانها عام 2011 في أعقاب انتفاضة سعت لإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد بالتزامن مع أحداث الربيع العربي.
سعى مؤسسوها لإنشاء جبهة قوية وموحدة ضد الحكومة السورية والجماعات المنافسة. وفي حين أن الجماعة تتبنى أيديولوجية سلفية جهادية، إلا أن قيادتها أكدت مراراً وتكراراً استقلالها عن تنظيم القاعدة.
LISTEN TO
نصف قرن ختم بالشمع الأحمر: سقطت سوريا الأسد، ولكن أي سوريا أشرقت؟
SBS Arabic
08/12/202401:28
لماذا تم تأسيسها؟
يعكس تشكيل هيئة تحرير الشام خطوة استراتيجية للتكيف مع المتغيرات على الساحة السورية من خلال دمج العديد من المجموعات تحت راية واحدة ذات شرعية أوسع.
هدفت هيئة تحرير الشام إلى تعزيز القدرات العسكرية للجماعات المعارضة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد والعمل على تعزيز سيطرتها الإدارية في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة. وقدمت نفسها كجهة فاعلة شرعية قادرة على حكم تلك المناطق والدفاع عنها.
عارضت هيئة تحرير الشام باستمرار نظام الأسد، واتهمته بالاستبداد والفساد والطائفية. ويرى قادة المنظمة نضالهم كجزء من رؤية إسلامية أوسع نطاقاً، تهدف لإقامة حكم قائم على الشريعة الإسلامية وحشدت الدعم من خلال تسليط الضوء على ما وُصف بجرائم ارتكبتها الحكومة السورية وحلفاؤها ضد الشعب السوري.
تعتبر هيئة تحرير الشام واحدة من أقوى الجماعات المسلحة في سوريا، وخاصة في محافظة إدلب، وهي معقل رئيسي لقوات المعارضة.
تشير التقديرات إلى أن المجموعة تضم 30 ألف مقاتل مجهزين بالأسلحة الحديثة ومدربين تدريباً جيداً.
epa11764681 Fighters of the Syrian Democratic Forces (SDF) gather after they took control of the city of al-Hasakah, northeast Syria, 08 December 2024. Source: EPA / AHMED MARDNLI/EPA
قدرات الهيئة العسكرية جعلتها قوة مهيمنة في شمال غرب سوريا. ومع ذلك، فإن سلطتها ظل متنازعاً عليها من قبل الفصائل المتمردة المتنافسة كما ظلت مهددة بالغارات الجوية المستمرة من القوات السورية والروسية.
من يقود الجماعة؟
الهدف الأساسي لهيئة تحرير الشام كان الإطاحة بنظام الأسد وإقامة دولة إسلامية في سوريا. لكن قيادتها أظهرت نوعاً من البراجماتية أثناء حكمها لمحافظة إدلب.
يقود المجموعة أبو محمد الجولاني الذي بات يُعّرف عنه باسمه الحقيقي أحمد الشرع بعد سقوط النظام، وهو شخصية مثيرة للجدل قادت هيئة تحرير الشام خلال تطورها. تحت قيادته، نأت هيئة تحرير الشام بنفسها عن تنظيم القاعدة، سعياً إلى إبراز صورة أكثر محلية وأقل تطرفاً.
وعلى الرغم من هذا، فإن أيديولوجية المجموعة الأساسية لا تزال متجذرة بعمق في المبادئ السلفية.
علاقة هيئة تحرير الشام باللاعبين الخارجيين معقدة.
في حين أنها تتلقى دعماً غير مباشر من جهات إقليمية من خلال شبكة المعارضة الأوسع، فإنها لا تحظى بدعم علني من أي دولة. على سبيل المثال، تتعاون تركيا مع هيئة تحرير الشام في الحفاظ على الاستقرار في إدلب لكنها تعتبرها رسمياً منظمة إرهابية.
LISTEN TO
ماذا حدث في السابع من أكتوبر وهل غيّر موازين القوة في الشرق الأوسط؟
SBS Arabic
07/10/202413:51
وقد صنفت الأمم المتحدة والولايات المتحدة والعديد من البلدان الأخرى هيئة تحرير الشام كجماعة إرهابية بسبب أصولها وأيديولوجيتها وعلاقتها السابقة مع تنظيم القاعدة.
وهذا التصنيف يعقّد جهودها لكسب الشرعية والدعم الدوليين.
ماذا ينتظر سوريا؟
حققت هيئة تحرير الشام نجاحات ملحوظة على الأرض، وخاصة في تعزيز سيطرتها على إدلب وصد تقدم الحكومة السورية وحلفائها. ورغم أن هياكلها الإدارية مثيرة للجدل، إلا أنها سمحت لها بالحفاظ على مظهر من مظاهر النظام في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
في نهاية عام 2024 وفي ظل انشغال حزب الله – أحد الحلفاء الرئيسيين لنظام بشار الأسد – بمعركته مع إسرائيل التي أنهكته كما قوّضت قدرات المنظمات الموالية لإيران في سوريا، شن مقاتلو الهيئة هجوما مفاجئا فسيطروا على معظم مدن رئيسية مثل حلب وحماة في غضون أيام ودخلوا دمشق وسط دهشة عمت العالم من تراجع القوات الحكومية التي انهارت بشكل كامل.
وقد دفعت المكاسب السريعة التي حققها المتمردون - وهي الأكثر أهمية منذ عام 2016 - الفصائل المعارضة السورية المختلفة إلى دائرة الضوء مرة أخرى.
إن هيئة تحرير الشام تشكل رمزاً لتعقيدات الحرب الأهلية في سوريا، فهي جماعة ولدت من الفوضى، ووصلت بشكل مفاجئ إلى السلطة، وتتنقل عبر شبكة من التحديات الإيديولوجية والسياسية والعسكرية.
شهدت سوريا تطورا جذريا مع سقوط النظام، مما أثار تساؤلات حول طبيعة المرحلة المقبلة وما إذا كانت ستتسم بالاقتتال الداخلي أو الاستقرار.
وفي ظل هذه التحولات، تبقى الفصائل المسلحة وموقفها من التعهدات، قضايا محورية في رسم مستقبل سوريا.