التطهير العرقي هو واحد من أكثر المصطلحات إثارة للرعب والجدل في عالمنا اليوم. فماذا يعني التطهير العرقي بموجب القانون الدولي؟ ومتى وكيف تمت صياغة هذا المصطلح؟
في هذه الحلقة من بودكاست وراء الخبر، استكشف معكم أنا دينا عبد المجيد الأبعاد القانونية والتاريخية للتطهير العرقي ونسأل ما إذا كان المجتمع الدولي يبذل جهدًا كافيًا لوقفه.
ما هو التطهير العرقي؟
يشرح لنا عماد سلامة أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الأمريكية معنى مصطلح التطهير العرقي.
"في القانون الدولي التطهير العرقي جريمة ضد الإنسانية وهو عبارة عن محاولة إخراج مجموعة من الناس لاعتباراتها الإثنية أو الطائفية أو العرقية والمحاولة عبر أشكال محاولة من الضغط والعنف إلى نقلها من المكان الذي تعيش فيه أو القضاء تماما عليها."
يقول الدكتور سلامة إن المصطلح اكتسب استخدامًا واسع النطاق لأول مرة في أوائل التسعينيات أثناء الحرب اليوغوسلافية.
يقول سلامة: "بدأ استخدام هذا التعريف في أحداث يوغوسلافيا بعد انهيار الاتحاد السوفييت خاصة في مناطق كوسوفو واستخدم لوصف محاولات الصرب تطهير المناطق التي كانوا يعتبرونها صربية من كل من هم غير صرب وخاصة المسلمين والألبان وغيرهم."
"عندها اعتبرت الأمم المتحدة ما قام به الصرب تطهيرا عرقيا وأدانوا هذا العمل وتم ملاحقة الفاعلين عبر المنابر الدولية والمحاكم التابعة للأمم المتحدة."
LISTEN TO

لماذا أنشئت منظمة الأمم المتحدة ولماذا لا تستطيع أحيانا وقف الصراعات العالمية؟
SBS Arabic
24/10/202412:33
هل التطهير العرقي يعني الإبادة الجماعية؟
غالباً ما يتم الخلط بين التطهير العرقي والإبادة الجماعية، ولكن هناك اختلافات مهمة.
ففي حين يتم تعريف الإبادة الجماعية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 على أنها محاولة القضاء على مجموعة من البشر، فإن التطهير العرقي يركز في المقام الأول على النزوح القسري للسكان.
قد ينطوي التطهير العرقي على عمليات قتل جماعي، ولكن دكتور سلامة يقول إنه قد يشمل أيضاً وسائل غير عنيفة مثل الهجرة القسرية ومصادرة الأراضي والضغوط الاقتصادية والتمييز القانوني.
يشرح سلامة: "التطهير العرقي بشكل عام يتم بالتعنيف الموجه ضد جماعة معينة وقد يتم بسلب كل مقومات الحياة كما يحدث اليوم في غزة بحيث لا يعود هناك مناطق للزراعة وينهار الاقتصاد. هذا يجعل من غير الممكن للمجموعة المستهدفة العيش في تلك المنطقة فتجبر على الخروج."
"يمكن أن يقوم التطهير العرقي على أسس أكثر عنفا مثل القتل والجرائم وحرق المنازل والترهيب وكل هذا يصب في نفس الهدف وهو إخراج مجموعة معينة من منطقة جغرافية أو القضاء عليها كليا."
بعبارة أخرى، لا تفي جميع حالات التطهير العرقي بالحد القانوني للإبادة الجماعية، ولكن لا يزال من الممكن اعتبارها جرائم ضد الإنسانية.
حالات تاريخية للتطهير العرقي
التطهير العرقي ليس ظاهرة جديدة. ومن بين الحالات الأكثر أهمية في التاريخ الحديث مذابح الأرمن (1915-1917) والتي قامت خلالها الإمبراطورية العثمانية بترحيل وقتل مئات الآلاف من الأرمن قسراً.

Sarajevo, Bosnia and Herzegovina - October 7, 2019: Muslim cemetery of Kovaci dedicated to the victims of the Bosnian war, in Sarajevo, Bosnia and Herzegovina. Credit: Ozbalci/Getty Images
هل يتعرض الفلسطينيون للتطهير العرقي؟
تظل قضية فلسطين واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدال في القانون الدولي.
يزعم بعض الخبراء أن التهجير القسري للفلسطينيين في عام 1948 والسياسات الإسرائيلية اللاحقة بما في ذلك التوسع الاستيطاني وهدم المنازل والقيود المفروضة على الحركة تشكل تطهيرًا عرقيًا.
يقول سلامة: "ما يحدث في غزة وفلسطين عملية تطهير عرقي ممنهج قامت به الدولة الصهيونية عبر عشرات السنين."
"استطاعت الحركة الصهيونية من تطهير الفلسطينيين من قراهم ومدنهم في أراضي 1948 وإخراجهم ووضعهم في مخيمات للاجئين في مناطق الشتات... واليوم لا تزال الحركة الصهيونية تحت إطار الحكومة الإسرائيلة بقيادة نتنياهو تقوم بنفس هذه العملية."
وقد أثارت خطة الرئيس الأمريكي ترامب التي أعلن فيها رغبة الولايات المتحدة في ما يعرف بـ"امتلاك" غزة ونقل سكانها إلى مصر والأردن ودول أخرى غضبا واسعا إقليميا ودوليا واتهمه البعض بالدعوة إلى التطهير العرقي ضد الفلسطينيين.
LISTEN TO

ما هو حل الدولتين وهل هو قابل للتطبيق؟
SBS Arabic
05/03/202408:00
هل يستطيع المجتمع الدولي وقف التطهير العرقي؟
وعلى الرغم من الأطر القانونية الدولية، فإن التطهير العرقي لا يزال يحدث بمعدلات مقلقة. تتمتع الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية والهيئات الإقليمية بآليات لمعالجة الجرائم ضد الإنسانية، إلا أن إنفاذ القانون لا يزال يشكل تحدياً كبيراً وكثيراً ما تمنع الاعتبارات السياسية التدخل الفعال.
في بعض الحالات، كان للجهود الدولية تأثير مهم.
لقد ساعد تدخل حلف شمال الأطلسي في كوسوفو في عام 1999 في وقف التطهير العرقي ضد الألبان. وعلى نحو مماثل، حاكمت المحكمة الجنائية الدولية أفراداً بتهمة ارتكاب جرائم تتعلق بالتطهير العرقي.
أدانت المحكمة الجنائية الدولية زعماء سابقين من يوغوسلافيا مثل سلوبودان ميلوسيفيتش ورادوفان كارادزيتش بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك التطهير العرقي.
كما وجهت المحكمة الجنائية الدولية اتهامات إلى مسؤولين بارتكاب جرائم تتعلق بالنزوح، كما حدث في صراع دارفور في السودان.
ومع ذلك، العديد من الجناة ظلوا بلا عقاب والتحدي الذي ينتظرنا ليس مجرد الاعتراف بهذه الجرائم، بل ضمان تحقيق العدالة وعدم تكرار التاريخ.
إلى أن يلتزم العالم بمحاسبة الجناة ومنع الفظائع في المستقبل، فإن التطهير العرقي سيظل يطارد البشرية.