صعد إلى شرفة كاتدرائية القديس بطرس رجل هاديء يرتدي الأبيض، يلوّح بتواضع بينما يحبس العالم أنفاسه.
لم يكن خورخي ماريو بيرغوليو الذي عرف لاحقا بالبابا فرنسيس بابا عادياً. لم يأتِ بعظمة، بل بالبساطة والسلام. من شوارع بوينس آيرس إلى قلب الفاتيكان، كانت رحلته رحلة رحمة وتحدي وثورة هادئة.
في كنيسة عريقة، تجرأ على التحدث عن الرحمة قبل الأحكام، والشمولية بدلاً من الإقصاء، والعمل على التغيير بدلاً من الصمت.
اليوم، سأستكشف معكم أنا دينا عبد المجيد حياة بابا غسل أقدام السجناء، وفتح أبواب الحوار، وذكّر المؤمنين - والعالم - بأن القيادة تبدأ بالمحبة. هذه هي قصة البابا فرنسيس، بابا الشعب.

Girls play next to a mural of the late Pope Francis in Buenos Aires, Argentina, Monday, April 21, 2025. (AP Photo/Rodrigo Abd) Source: AP / Rodrigo Abd/AP
من هو البابا فرنسيس؟
وُلد البابا باسم خورخي ماريو بيرغوليو في بوينس آيرس في الأرجنتين عام ١٩٣٦، وأصبح أول بابا من الأمريكتين وأول بابا غير أوروبي منذ أكثر من ١٢٠٠ عام.
انتُخب عام ٢٠١٣، عقب الاستقالة المفاجئة للبابا بنديكتوس السادس عشر، واختار اسم "فرنسيس" تكريمًا للقديس فرنسيس الأسيزي، رمز التواضع والفقر والاهتمام بالخليقة.
وبهذا أرسى البابا فرنسيس دعائم بابوية لا مثيل لها.
منذ البداية، كسر البابا فرنسيس التقاليد. اختار العيش في دار ضيافة متواضعة بدلًا من القصر الفخم. حمل حقيبته بنفسه. غسل أقدام السجناء يوم خميس الأسرار. لقد دافع عن البساطة قولاً وفعلاً، مما أكسبه لقب “the People’s Pope” أو "بابا الشعب".
لكن ما يميز البابا فرنسيس حقاً ليس أسلوبه فحسب، بل جوهره أيضاً.
لقد أعاد تعريف الحوار العالمي حول الكاثوليكية. بتركيزه على الرحمة بدلاً من الإدانة، والحوار بدلاً من الانقسام، والخدمة بدلاً من المكانة الاجتماعية، حظي بالثناء والنقد على حد سواء لإحداثه نقلة نوعية في نهج الكنيسة تجاه بعض أكثر قضايا عصرنا إلحاحاً.
تحدث البابا بصراحة عن تغير المناخ، داعياً العالم إلى الاهتمام بـ"بيتنا المشترك" في رسالته البابوية. كما تناول التفاوت في الدخل، وحقوق اللاجئين، ومخاطر الرأسمالية غير المنظمة. كذلك أظهر البابا فرنسيس نبرة أكثر تعاطفاً تجاه قضايا مجتمع الميم.
LISTEN TO

"تعازينا للإنسانية جمعاء": الجالية العربية في أستراليا تتفاعل مع خبر وفاة البابا فرنسيس
SBS Arabic
07:37
هاجم فرنسيس أيضا الفساد داخل الكنيسة، وطالب بإصلاح الإدارة المالية للفاتيكان، والاعتراف بالأخطاء الجسيمة المرتكبة في أزمة الاعتداءات الجنسية من قِبل رجال الدين.
عين فرنسيس أكثر من 20 كاردينالًا من خارج أوروبا جميعهم تقريبًا من دول نامية مثل رواندا ومنغوليا وجنوب السودان.
بينما يجادل منتقدوه بأنه كان يمكنه فعل المزيد، يرى آخرون جهوده خطوةً مهمةً في محاسبة المؤسسة.
توفي البابا فرنسيس يوم الاثنين الموافق 21 أبريل/نيسان 2025، عن عمر يناهز 88 عامًا، إثر إصابته بسكتة دماغية وفشل في القلب.
وقد أثارت وفاته موجة من التعازي في جميع أنحاء العالم. وقد أشاد قادة عالميون منهم رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فو دير لاين بجهوده من أجل السلام والعدالة والدفاع عن الفقراء.
ما هو إرث البابا فرنسيس؟
سيُذكر البابا فرنسيس كرجل محبة بنى جسورا بين الكنيسة الكاثوليكية والعالم وكقائدٌ روحيٌّ تواصل ليس فقط مع الكاثوليك، بل مع جميع الأديان - وحتى مع من لا دين لهم على الإطلاق.
لقد أحيت بابويته الحوارات حول الرحمة والشمولية والشجاعة الأخلاقية.
ولكن التغيير الذي جاء به البابا فرنسيس لم يعجب الجميع.

A person attends a tribute to Pope Francis at the Metropolitan Cathedral in Buenos Aires, Argentina, 21 April 2025. Source: EFE / JUAN IGNACIO RONCORONI/EPA
لم يُعِد البابا فرنسيس صياغة العقيدة، لكنه بلا شك أعاد تعريف أسلوبها وتوجهها.
كيف ستتغير الكنيسة بعده؟
أعاد البابا فرنسيس صياغة البابوية نفسها - ليس كعرشٍ للسلطة، بل كمنصةٍ للتواضع والخدمة. سيُمثّل رحيله نهاية حقبةٍ مُتميّزة، وسيُحدّد اختيار خليفته ما إذا كانت الكنيسة ستواصل طريق الإصلاح أم ستعود إلى المُحافظة.
لا شكّ أن وفاته ستُخلّف أثرًا عميقًا. سيُبكي الملايين حول العالم - وليس الكاثوليك فقط - رجلًا خاطب ضمير العالم. ستبقى كلماته وأفعاله ودفئه الذي لا لبس فيه خالدة، تُذكّرنا بأن الإيمان ليس مجرد عقيدة - بل هو حبٌّ وعدلٌ ومُسايرةٌ للأقلّ حظًا بيننا.
ربما جلس البابا فرنسيس على كرسي القديس بطرس، لكنه لم يكن يومًا فوق الناس. سار بينهم - يُقبّل الأطفال، ويُعانق الفقراء، ويُتحدى الأقوياء، ودائمًا ما كان يُبشر بالأمل.