عندما تدخل إلى أي متجر لبيع الخضار والفاكهة في أستراليا، لابد أن يستوقفك أن الخيار الصغير الذي يسمى الخيار اللبناني.
أغلب المهاجرين من البلدان العربية يعرفون هذا الخيار في بلدانهم دون نسبته إلى أي بلد، فلماذا إذن في أستراليا يُنسب الخيار إلى لبنان؟
كانت الجالية اللبنانية هي أول من أحضر بذور الخيار إلى أستراليا، حيث كان الخيار الموجود في السابق هو الخيار الضخم الذي يسمى slicing cucumber.السيد يوسف (جو) بستاني من أوائل المهاجرين الذين زرعوا الخيار في سيدني منذ أكثر من 30 عام. وكان المهاجرون اللبنانيون يزرعون الخيار بالفعل في باحات منازلهم الخلفية، لكن السيد بستاني زرعه بهدف بيعه تجاريا.
الخيار اللبناني في أحد المزارع في أستراليا Source: Dr Nabil Ahmad
وقال لأس بي أس عربي24 "كنت من أول عشرة أو خمسة عشر شخصا زرعوا الخيار اللبناني وغيره من أنواع الخيار في الخيم البلاستيكية المحمية في أستراليا."
وأضاف: "كان أهلنا يحضرون معهم بذور الخيار أو يرسلوها إلينا من لبنان، لنزرعه في حدائق منازلنا. وكان الخيار يقدم كضيافة للزائرين، وكانت العائلات اللبنانية تحب زيارة من يقوم بزراعته في المنزل لتتمكن من الاستمتاع بطعمه في أستراليا."
جو بستاني يتحدر من قرية الجية اللبنانية، وقد ترك بلاده عام 1972 متجها إلى أستراليا للبحث عن مستقبل أفضل.اسم العائلة "بستاني" يعود إلى تاريخ العائلة الطويل مع الزراعة، ولكن ابن عائلة بستاني لم يكن يرغب في امتهان الزراعة.
السيد يوسف بستاني في مزرعته في ولاية نيو ساوث ويلز Source: Joe El Boustani
وقال: "بالإجمال، في لبنان، كان الشباب يهربون من العمل في الزراعة. وللحقيقة تبين أن هذا هو الحال في كل مكان."
وأضاف: "كنا نفكر في إيجاد وظيفة، ولم تكن الزراعة في لبنان آنذاك سهلة، بل جهد كبير ومردود قليل. كما لم يكن هناك مساعدة أو تسهيلات أو ثقافة زراعية كافية لدعم هذا القطاع."
وأكد جو "لم أكن أتخيل أبدا في حياتي أن ينتهي بي المطاف في قطاع الزراعة."
لدى وصول بستاني إلى أستراليا، عمل في عدد من الوظائف: "عملت في صناعة الأقمشة، وحاولت تأسيس مصلحة تجارية صغيرة ومطعم، وبعدها عملت على سيارة أجرة إلى أن وصلت موجة الزراعة بين أبناء الجالية."وقال: "بدأ الناس في بناء الخيم البلاستكية، وعندها انتقل الكثير من أبناء الجالية للعمل في الزراعة المحمية داخل الخيم، وهكذا دخلت على القطاع."
السيد يوسف بستاني مع عنقود من محصول الطماطم في مزرعته. Source: Joe Boustani
كانت بعض العادات الغذائية في تناول الخيار لدى اللبنانيين وأبناء الجالية العربية غريبة لدى الأستراليين. يتذكر بستاني كيف تغيرت تلك الثقافة بالتدريج.
وقال: "كانوا ينعتوننا بالأرانب لأنهم كان يستغربون أننا نأكل الخضروات مثل الخيار والخس للتسلية بين الوجبات دون تقطيعها في طبق سلطة."
وأضاف "ولكن ميزة الخيارة اللبنانية أنها تحتوي على حلاوة طعم كافية لتؤكل وحدها."
الآن أصبح الجميع يفعل ذلك، ووصل الطلب على الخيار اللبناني حوالي 90 في المائة من الطلب في السوق الأسترالي.
هذا الإقبال جاء تدريجيا حيث يختلف شكل الخيار اللبناني عما كان شائعا وقتها في الأسواق الأسترالية، كما شرح بستاني: "على سبيل المثال، النداء على الخيار في البلاد العربية يكون "أصابع البوبو يا خيار" في إشارة إلى أن الخيار بحجم أصابع الأطفال، وهي ميزة للترويج."وأضاف "ولكن في السوق الأسترالية حجم الخيار أكبر بكثير على حساب النكهة وذلك لإطالة عمر صلاحيتها في الأسواق."
السيد يوسف بستاني مع محصول العنب في مزرعته. Source: Joe El Boustani
لم يكن الخيار هو النجاح الوحيد للجالية العربية، حيث ساهمت في قطاع الزراعة من خلال الخيم البلاستيكية المحمية والتي لم تكن معروفة في أستراليا.
وقال جو بستاني "أعتقد أننا المهاجرون العرب كنا أول من زرع الخضروات في الخيم المحمية، وهو ما تقوله وزارة الزراعة والمجتمع الأسترالي أيضا."
وأضاف "أنا أزرع الخيار بحب. وأعتبر الشتلة مثل الطفل الصغير الذي يحتاج إلى الرعاية. أدللها لتعطيني أفضل ما عندها. وأفتخر أن مزرعتي تنتج الخيار اللبناني على مدار 365 يوم في السنة."
والآن توجد جهود لتوطين بذرة محلية للخيار في أستراليا تناسب البيئة المناخية، وبالطبع الجالية العربية في مقدمة تلك الجهود.
الدكتور نبيل أحمد وصل إلى أستراليا عام 2000 وقدم أبحاثا قيمة لدعم المزارعين الأستراليين لتحسين انتاجهم الزراعي.
وقال الدكتور أحمد: "عملت على أبحاث خاصة بالخيار والطماطم والبامية لدراسة المقاومة للظروف المناخية والتربة في أستراليا."
وأضاف "ساهمت أيضا في تطوير أصناف هجينة من محاصيل الخضار لتقاوم ظروف البيئة المحلية، لأن معظم اعتمادنا في أستراليا الآن على بذور محاصيل قادمة من دول أخرى."التقى الدكتور نبيل أحمد مع جو بستاني وغيره من المزارعين العرب خلال أبحاثه.
الدكتور نبيل أحمد مع مزارعن من ولاية نيو ساوث ويلز. Source: Dr Nabil Ahmad
وقال الدكتور أحمد: "لعب السيد يوسف دورا كبيرا ومهما وفعالا في نشر وزراعة محاصيل الخضروات وفي تأسيس نقابة لمزارعي البيوت المحمية."
وأضاف "كان للمزارعين العرب دورا كبيرا في توفير هذه المحاصيل للسوق المحلي."
وقال جو بستاني: "لإتقان أي مهنة يجب أن نكون أن نحب العمل فيها، أو أن نعمل على حبها. فالزراعة بالنسبة لي أكثر من مجرد مصلحة تجارية، لقد أصبحت أسلوب حياة."
وأضاف "هناك مصاعب كثيرة فيها وهناك أمور سهلة أيضا. ومجال الزراعة مفتوح وأبوابه كثيرة ويستطيع الانسان أن يحقق طموحه ولكنها تحتاج للجد والنشاط وتقبل أفكار الآخرين."
وأكد "أنا أعمل منذ 30 عاما في الزراعة وما زلت أتعلم شيئا جديدا كل يوم."