استقال السيد موسى الخياط من وظيفته كفني لصناعة تقويم الأسنان بعد أن عمل فيها لأكثر من 30 عام.
كان هدفه واضح وصريح: التفرغ لصناعة الكنافة النابلسية على الطريقة الأصيلة وإتقانها لتكون طبقا شعبيا على قائمة الطعام الأسترالية متعددة الثقافات.
وقال خياط لأس بي أس عربي24 "هاجرت من مدينتي نابلس في فلسطين عندما كنت أبلغ من العمر 24 عاما، عملت في مصنع للزجاج وبعدها التحقت بوظيفة في مجال تخصصي لصناعة تقويم الأسنان."
وصل خياط إلى أستراليا عام 1986، وبعد عشر سنوات كاملة فكر في صناعة الكنافة النابلسية. لم تكن سيدني خالية من الكنافة، ولكن الطبق المرتبط باسم مدينته الأم ظل في خياله.
وقال خياط: "طبعا كنت أحن لمذاقها وتناولها. كان هناك بعض المطاعم العربية وخاصة اللبنانية تقدم الكنافة وأطباق من الحلويات المختلفة، ولكن لم يكن هناك من يقدم الكنافة النابلسية."
وأضاف "ومع هذا كان للجالية اللبنانية فضل كبير في تمهيد عملية الاستقرار والتأقلم للكثير من المهاجرين العرب، سواء بفتح مطاعم عربية أو بإحضار معظم المنتجات العربية لتكون في متناول أيدينا هنا في أستراليا."
بدأ السيد موسى في محاولة صنع عجينة الكنافة في المنزل قرابة العام 2010، وكان أبناؤه الثلاثة يراقبون جهود والدهم ومدى شغفه بصنع الكنافة النابلسية.وقال عمرو الخياط، 24 عاما، أكبر أبناؤه: "صنع والدي العديد من الماكينات على مر السنين لتحضير عجينة الكنافة. وكان يحاول تصميم وهندسة ماكينات بالاستعانة بمحرك انتزعه من ثلاجة."
أفراد عائلة السيد موسى الخياط يصنعون الكنافة النابلسية في مطعمهم في ملبورن
وقالت ندى، 20 عاما، ابنته الوسطى: "أشعر بالفخر بوالدي. لقد وضع هدفا لنفسه وبذل جهدا جبارا ليحضر لنا قطعة من تراثنا الفلسطيني إلى أستراليا."
وتابع عمرو: " في يوم من الأيام دخل والدي الى المنزل حاملا صينية من الكنافة لنتذوقها، وكانت هذه هي المرة الأولى التي نتناول فيها أنا وأخوتي الكنافة النابلسية."
يصف عمرو أول مرة يجرب فيها حلم والده بعد سنين من التجارب: "فقدنا صوابنا، لم نصدق مدى لذة طعمها، وطلبنا منه صنعها مجددا."
بالنسبة لعائلة الخياط، الكنافة النابلسية ليست مجرد طبقا تاريخيا محبوبا، بل هي رمز من رموز الثقافة الفلسطينية التي تربطهم بأصلهم وأجدادهم.
أو كما وصفها موسى الخياط: "عندما يسألني الناس عنها، أقول لهم إنها أكله بنكهة التاريخ."
لم يكتف الخياط بتجاربه في أستراليا على مدار السنين، وقرر أنه بحاجة إلى خطوة واحدة أخيرة قبل افتتاح مطعمه في أستراليا: السفر إلى نابلس نفسها.رحلة خياط إلى مسقط رأسه كان هدفها التعلم مباشرة ممن ورثوا تلك الصنعة على مدار السنين: "قضيت هناك أكثر من شهر، أتدرب على صناعتها. وعندما شعروا أنني أتقنتها، قالوا لي: اذهب أنت جاهز."
موسي الخياط برفقة أحد صانعي الكنافة النابلسية في مدينة نابلس في فلسطين.
وفعلا، عاد إلى أستراليا وبدأ في تصميم ماكيناته الخاصة لصنع الكنافة النابلسية، وقدمها للمهندسين ليقوموا بتنفيذ التصميمات.
عملية إنتاج الكنافة النابلسية الأصيلة ليست سهلة كما قد تبدو: "هناك أكثر من نوع للماكينات، واحدة لتحضير عجينة الكنافة الخشنة، وأخرى للناعمة، وواحدة للتحمير وأخرى للتنخيل."
ويحضر السيد موسى السمن والأجبان والألبان لحشوة الكنافة، ويستورد بعض من مكوناتها من نابلس مباشرة لعدم توفرها في أستراليا.
وفي عام 2015، اقتتح موسى الخياط مطعمه أخيرا، باسم “كنافة نابلسية" في Hughesdale إحدى ضواحي جنوب شرق ملبورن.
وعلى أحد جدران المطعم الداخلية رسم موسى مشهدا من تاريخ شارع النصر في نابلس، والذي يمثل ذكرياته السعيدة عندما كان يأكل الكنافة النابلسية في طفولته في هذا الشارع.لم يرافق الافتتاح حملة دعاية كبيرة، بل اعتمد بشكل كلي على من يمر بالصدفة في الشارع ويقرر الدخول لتجربة الطعم النابلسي الأصيل.
موسى الخياط في مطعمه كنافة نابلسية في عام 2017. Source: Mousa Al Khayat
ومع الوقت، وبسبب إعجاب الزبائن بما يقدمه المحل، بدأ الناس في ترشيح المحل للآخرين، وخلال وقت قصير، اكتسب محله شعبية كبيرة.
لا تقدم عائلة الخياط طعام فقط، لكنها تقدم قطعة من الوطن، كما شرح موسى الخياط: "لن أنسى، عندما زارني رجل مسن، رحمة الله عليه، وقال لي: كنت أرغب بأن آكل قطعة من الكنافة النابلسية قبل أن أموت."
ويعتزم أبناء السيد موسى توريث مطعم "كنافة نابلسية" من جيل إلى جيل في أستراليا، تكريما لجهود والدهم وحفاظا على تراث مدينتهم وثقافتهم الفلسطينية.
وقال عمرو الخياط: "هذا المكان ليس ملكا لنا فقط، نحن عائلة الخياط، لكنه ملك لكل من يريد تجربة الكنافة لأول مرة أو تجربة الطعم النابلسي من جديد."
وأضاف "إنه مكان يمكن للناس الجلوس فيه والاستمتاع بأجواء فلسطينية من ناحية الموسيقى والنكهة والرائحة."
وأكد الخياط الصغير: "هذه الأجواء التي نقدمها تساعد على تحفيز الذكريات، وإن كان بإمكاننا مساعدة شخص على استعادة ذكرياته الجميلة، فهذه منحة ثمينة لا يحظى بها الكثيرون."