"أكتر كلمة كانت تضايقني كوني قويّة!" ماغي نخّول تتحدّث للمرة الأولى عن معاناتها مع المرض النّفسي

Maggie Nakhoul

Maggie Nakhoul speaks for the first time about her journey with anxiety in an initiative of mental health awareness. Source: Maggie Nakhoul, Pixabay

ماغي نخّول زوجة وأم منذ عشرين سنة. بدأت معاناتها مع نوبات القلق منذ طفولتها. لم تعرف آنذاك أنّ التعرّق المفاجئ، وخفقان القلب المتسارع الذي ليس له تفسيرٌ طبّي، ورجفان اليد كلّها مؤشرات نوبة القلق. عن رحلتها الطويلة مع نوبات القلق والإرهاق النفسي، ستحدّثنا ماغي التي هي اليوم تبادر للمرّة الأولى لنشر توعية حول الصحّة النفسيّة.


"صحتك بالدّني"  "المهم الصّحة" ، هي عبارات نلفظها بشكل يوميّ نوافق من خلالها على أنّ الصّحة هي الأساس، إنما ربما لا نتفّق حول تحديد نوع  تلك الصحّة.


النقاط الرئيسية

  • عانت ماغي من عدم اعتراف المجتمع المحيط بها بالإرهاق والمرض النّفسي
  • تحدّث اليوم وللمرّة الأولى عن معاناتها وعن دعم زوجها وأولادها في معركتها ضدّ الإرهاق النفسي
  • أضاء د. سمير ابراهيم على شكل المساندة الأفضل التي علينا تقديمها لمرافقة المريض النفسيّ.

وفي هذا الإطار نطرح على ذواتنا بعض الأسئلة للتعمّق في هذا الموضوع. عندما نقول هذه العبارة، هل نعني بها الصّحة الجسدية، أو النّفسية أو كلتيهما؟

هل الصّحة الجسدية بالّسبة إلينا هي بأهمية الصّحة النفسية؟ وهل نتعاطى مع الجرح الظّاهر للعين بنفس الأولويّة كما الجرح النفسي الذي لا تراه العين؟

نسلّط الضّوء اليوم على الصّحة النّفسية، ومن أفضل من الشّخص الذي عاش تفاصيل تلك الأوجاع النّفسية للإضاءة عليها.

للمرّة الأولى ستكسر ماغي نخول صمتها واضعة تجربتها بين أيدينا ومحاولةً أن تجد كلماتها باللغة العربيذة التي لا تتقنها جيّدًا، كمبادرة توعية إنطلاقًا من خبرتها الشّخصيّة.

أولى علامات نوبة القلق

تسترجع ماغي إنّ أولى علامات نوبات القلق كانت بعمر الخمس سنوات وقد تحّفظت عن ذكر الأسباب لئلّا تجرح أحدًا. كانت تكبر ماغي وترافقها هذه النّوبات  بنسب متفاوتة ولم تكن تفهمها حينها، فكانت تتجنّب التعبير عمّا تختبره لئلّا تثقل كاهل الآخرين بهمومها وأوضحت قائلة:
بتذكّر انو الإشيا كانت عم تزيد شوي وشوي. جرّبت اطلع منها بس ما كنت حس حدا عم يفهمني كرمال هيك ما كنت إحكي. كنت اترك مشاعري جوّاتي حتى ما لوم حدا او يعتلوا همّي. كنت إنجبر حِط mask بس من جوا كنت عم موت. Image
ذكرت ماغي أنّه في غياب المعرفة الكافية  لديها ولدى المحيطين بها حول الصحّة النفسيّة آنذاك، كان الأشخاص المحيطون بها، بدون معرفة وبدافع المساعدة،  يلومونها على ما تختبره مما كان يقودها إلى الغرق بالشعور بالذّنب بدل الشعور بالقوة للاستنهاض ولطلب المساعدة المتخصصة. ومع ازدياد الضّغط والمسؤوليات بعد زواجها، كانت حالتها تتدهور فشرحت قائلة:
كانوا النّاس حولي يقولولي، ما بك شي! كلّو براسك! ما تعملي هيك بحالك، إنت عم تنبشي عالإنتباه.
وبذلك، فإنّ عدم الإقرار بإرهاقها النّفسي كان يزيد من حدّته فأصبح هذا الإرهاق يسبّب شللًا في حياتها موضحة أنّها كانت تفضّل الانزواء أثناءها قائلة:
ما بيعود بدك تحكي مع حدا، بتحسي حالك بظلمة!
وحين سألتها إن كانت تشعر بالذّنب، أدمعت عيناها قائلة:
كنت حاسي إنّو بدّي قوم ع ولادي بس مش قادرة. أنا متل كل إم، أنا بموت بولادي وبدّي قوم أطبخلن، وكون واعية لمّا يجوا من المدرسة بس ما كنت إقدر. كنت إسمعُن عم بيقولو لمّا يوصلوا عالبيت "الماما بالتّخت، ما تعملوا عجقة" وهيدا الشي كان يقتلنتي لأنو ما كان عندي قوّة قوم عليُن!
فكانت هذه المعاناة تزداد بحيث لم تعد ماغي قادرة على التحمّل ففكّرت بإنهاء حياتها.

نقطة التحوّل

كانت نقطة التحوّل حين مسحت ابنتها الصّغيرة دمعتها وقالت:
نقطة التّحوّل كانت لما بنتي الزغيرة يلي كان عمرها 3 سنين إجت لعندي عالّتخت، مسحتلي دمعتي وقالتلي " ما بقى تبكي أنا بحبك"!
هذه اللحظة كانت مفصليّة، اذ شعرت بالقوّة واختارت أن تقف لمساندة عائلتها فطلبت المساعدة وبدأت رحلة البحث عن أجوبة لمعاناتها فقالت "مش قادرا بقى أظلُم عيلتي!".

كلمات كانت تزيد من معاناتها بدل التّخفيف منها

عبّرت ماغي عن أنّ الأشخاص المحيطين بها، بدافع الحب والمساندة وعلى قدر معرفتهم، كانوا يعبّرون عن حسن نيّة بكلمات كانت تزيد من ثقلها قائلة:
أكتر كلمة كانت تضايقني لمّا يقولولي كوني قويّة! اذا ايمانك قوي ما لازم تحسّي هيك!
وتابعت بأنّ هكذا كلمات بإمكانها إغراق الشّخص غير القادر على النّهوض بالّشعور بالذنب.

مؤشرات وعلامات يجب التّنبّه إليها

أوضحت ماغي أنّ  هذه العلامات لا تشبه التّعب أو الإرهاق الجسديّ العادي، اذ شرحت أنّه خلال تلك النّوبات كانت تشعر بانغلاقٍ تام عن محيطها واصفة لنا هذة العلامات قائلة:
بحس بدقّات قلب سريعة، ونفس سريع، بصير إرجف وإعرق، وما بعود قادرة شوف وإسمع الناس يلي حواليي.
وعن الدّعم والمساندة الأهم والأكبر، عبّرت ماغي عن أنّها كانت من زوجها الذي كان  يساندها في بادئ الأمر حسب معرفته الخاصّة وروت:

"أوّل وأهمّ دعم كان من زوجي يلي ما كان بالأوّل عندو المعرفة الكافية. انا مرتو، وإم ولادو وأهم شخص بحياتو وكان يشوفني عم اتعذّب وبلّش ينبّش تيفهم أكتر عن الوضع يلي عم أمرق فيه. بالأول كنت استغرب لما اسمع منو هالتغيير."

 

تتحدّث ماغي اليوم عن الصحّة النفسيّة بشكل طبيعيّ  في عائلتها ومع أولادها، اذ إنّه كما يبحث المرء عن العلاج لأيّ ألم جسدي، كذلك عليه أن يبحث عن العلاج لمداواة أي ألم نفسيّ.

العناية بالذّات

العناية بالذّات ليست أنانيّة بل أساسيّة، فبدونها لن يستطيع الإنسان مساعدة الآخرين. قرّرت ماغي أن تساعد ذاتها وتعلّمت من خلال رحلة علاجها أن تتوقّف يوميًّا للإنتباه على ذاتها وللإفادة أسبوعيًّا من جلسات  فردية أو جماعية مع المعالجة النفسيّة وهذا أمرٌ أساسي  بالنسبة لها للمحافظة على صحّتها النّفسية  موضحة:
ما بقدر بلّش بالعلاج إلّا لمّا إقبل وإعترف إنو انا بحاجة لمساعدة! المهم نبلّش نحكي عن الموضوع ونعرف إنّو يلّي عم نعيشو مش عيب. لازم نوقف ونكّمل
وختمت  قائلة إنّ المرض النفسي الذي نعانيه لا يحدّد هويّتنا قائلة:
I have mental illness, but I am not mental illness!

المساندة الفعّالة

وللإضاءة حول هذا الموضوع، تحدّثنا مع الطّبيب النفسيّ د. سمير إبراهيم عن العبارات التي نستخدمها عن حسن نيّة والتي تزيد من اكتئاب الشخص بدلًا من أن تخفّف عنه شارحًا:
الإنسان لما بيبقى تعبان بحاجة لشخص يفهمه، وهنا عبارة "كلّو براسك" يعني إنت بتتخيّل، وكلّو وهم وهذه إهانة شديدة للمشاعر العميقة الدّفينة التي يعيشها المريض. أمّا عبارة "كن قوي" بتعني إنّك ضعيف وإنّك المسؤول عن حالتك!
وشدّد على أنّ الاكتتئاب مرضٌ أو "لخبطة في كيمياء الرأس"  وهذا المرض ليس من صنع الإنسان، ولا يستطيع المريض التحكّم بما يشعر به.

وأوضح أنّه هناك فرقٌ شاسع بين الحالة المزاجيّة للإنسان الطبيعيّ كمشاعر الحزن العاديّة التي تنجلي بعد يوم ومرض الإكتئاب الذي يستمرّ لأيّام ، شهور وحتى سنوات ووصفه قائلًا: "آلام نفسيّة دفينة جدًّا. إحساس أشبه بالموت الدّاخلي كما  يصفه معظم مرضاي."أمّا عن شكل المساندة الأفضل والعبارات التي يُستحسن استخدامها، ينصح د. ابراهيم بالتّعاطي مع المرض النفسيّ تمامًا كالمرض الجسدي قائلًا:
لو رحت تزور مريض عنده هبوط في القلب، هل ممكن أن تقول له كلّو براسك؟ طبعًا لا. ستقول له "أنا جنبك" "قلبي معاك" "أنا فاهمك" "كلّنا مندعيلك"، لو استخدمنا عبارات مماثلة لمريض الإكتئاب سيشعر أننّا نفهمه، نشعر به ونسانده.
 

لجميع القرّاء الذين يسعون للحصول على المعلومات والدّعم بخصوص منع الانتحار يمكنهم التواصل مع Lifeline على الرقم 13 11 14 أو Suicide Call Back Service على الرقم 1300 659 467 أو Kids Helpline على رقم 1800 55 1800 حتى سن الخامسة والعشرين.


شارك