يترك المهاجرون أوطانهم الأم في سعيهم لحياة أفضل، وغالباً ما تتمثل مقاصدهم بتحسين أوضاعهم والعودة لمسقط رأسهم وتراب أجدادهم.
على مدار السنين والأزمان، برهن الاغتراب على قدرته في تسريع عقارب الساعة، فيمضي العمر سريعا ويكبر المهاجرون وعائلاتهم ويكبر أيضا أهاليهم، فهل يمكن للحلم أن يختطف في الأرض المسماة على اسمه وهل يجوز للآمال أن تندثر على وقع دوام العمل والواجبات؟ طبعا لا لأن الحياة تستمر ويبقى الأردن ولبنان ومصر والعراق وسوريا والعالم العربي بأسره في قلب ووجدان أبنائه حتى لو عاشوا بعيدا متغذين بالحنظل متحلين بالرضاب.
لنرجع 50 سنة الى الوراء ونعود برحلة الى الماضي ونرافق السيد محمد نويران في مسيرة مهاجر شاب حمل الأردن في قلبه ورافق الجالية في نشأتها ونموها وأسس عائلة كريمة ولا يزال يتابع عطاءاته بسخاء.في حديث له مع أس بي أس عربي 24 قال السيد نويران: "أستراليا أعطتنا ويجب أن نعطيها بالمقابل، أستراليا أجمل بلد في العالم".
Source: Mohammad Nwiran
هذا البلد يعتني بنا وهكذا يجب أن نعتني به، هذا البلد بلد عطاء ويجب علينا أيضا أن نعطيه. هذا البلد يستحق الوفاء لأنه كان وفيا لنا
وصل السيد نويران الى أستراليا في عام 1973 وهو في الـ 22 من العمر، وهو من الجيل الثالث من الملمين باللغة بشكل عام والطامحين لتحسين مهاراتهم العملية والأكاديمية والحصول على عمل ودخل لدعم عائلاتهم في الوطن الأم: "كنا نذهب الى المدارس الليلية بعد الشغل لنتقن اللغة الإنجليزية".
جئنا بهدف تحسين أوضاعنا ودعم عائلاتنا وأهلنا في الأردن
واكب السيد نويران الجالية منذ نشأتها ورافق تطورها ونموها: "كنا وبمجرد السماع عن وصول أحد أبناء الوطن، نذهب ونركب القطار والباص ونكمل الطريق سيرا على الأقدام لنراهم ونقابل الأردني الذي وصل حديثا الى أستراليا".
عرفت الجالية الأردنية بتعاضد أبنائها ومساندتهم بعضهم لبعض وسؤالهم عن كل مهاجر جديد وتقديم الدعم له سواء بالمشورة والنصح أو بالسكن وتأمين العمل: "كنا حين يصل أحد المهاجرين الجدد، نسعى لزيارته وتفقده وغالبا ما كنا نلتقي بهم في عطلة نهاية الأسوع لأن أيام الأسبوع كانت أيام عمل دائمأ، فقد كانت تلك أياماً صعبة".
كان المهاجرون يبحثون عن دوام إضافي ليتمكنوا من توفير مبلغ أكبر من المال لإعانة عائلاتهم في الوطن الأم
ويختلف نمط الحياة في الهجرة عن نشأة الشاب العربي في كنف عائلته التي تحتضنه وتلبي حاجاته البيتية دون سؤال: "لم نكن على إدراك بأمور الطبخ فكنا نأكل سريعا على الماشي".ونظرا لتعلق الأردنيين بالوطن الأم، يجد بعض المهاجرين صعوبة في التأقلم أو الاستقرار في بلاد جديدة: "بعض المهاجرين الأردنيين أحبوا أستراليا والبعض الآخر فضلوا العودة".
Source: Mohammad Nwiran
عند العودة الى الوطن الأم يدرك المهاجرون تغيرات كثيرة إلا أن التغيير لم يحصل في البلاد ولكن في داخلنا نحن
ولطالما بقي حلم العودة نصب عيني السيد نويران حتى بعد تأسيس العائلة والعيش في أستراليا سنين طويلة: "كنا دائما نقول إننا سنرجع الى بلادنا ونعول على نهاية هجرتنا ولكن في عام 2002، وبعد أن تلقت زوجتي رعاية صحية لا مثيل لها في مستشفى ويستميد بسبب إصابتها بسرطان الثدي، تغيرت نظرتنا وبدأنا نشعر أن أستراليا وطننا".
الرعاية الصحية والعناية التي تلقتها زوجتي جعلتني أنتقل 180 درجة واقول أن هذا البلد يستحق الوفاء
ويقول السيد نويران إن نظام الرعاية الصحية في أستراليا إنساني للغاية: "أستراليا هي أجمل بلاد الدنيا".
وعاد السيد نويران بالذاكرة الى عقود غابرة، كان فيها الحلم الأسترالي المتمثل بشراء بيت سهل المنال: "لم يكن شراء البيت صعباً، كانت هناك قدرة شرائية جيدة عند الناس وكان الدولار الأسترالي يساوي 1.30 دولار أميركي".
كان ثمن البيت يعادل دخل العامل على مدار خمس أو ست سنوات فقط أما الآن فقد تغيرت المعادلة
"اشترينا المنزل الأول وهو مبني من الخشب مقابل 28 ألف دولار وكان مقابل متوسط أجر العامل على مدار خمس سنوات، كان العامل يتقاضى بين 5 و6 آلاف دولار كمعدل في العام الواحد."بالإضافة الى جودة الرعاية الصحية المتوفرة في أستراليا، أشاد السيد نويراني بنظام التعليم الذي يؤهل الأشخاص لتحصيل شهاداتهم الجامعية والأكاديمية ومن ثم إيفاء تكاليفها بعد الانخراط في سوق العمل أو الحصول على وظيفة: "إنه أنصاف مجتمعي أن تتمكن من تعليم أولادك في الجامعة من خلال قروض HECS، أنه نظام جيد وعادل".
Source: Mohammad Nwiran