تعرف الأستراليون على فيروس كورونا قبل عام من الآن، كان وقتها يسمى "الفيروس الغامض" الذي ظهر في الصين. لم يكن المتابعون لتطورات القصة يتخيلون أن يؤثر الفيروس على حياة كل فرد في البلاد.
الحكومة بدأت في تطبيق حزمة من الإجراءات نتج عنها تقييد الحركة والتباعد بين الناس حتى داخل العائلة الواحدة. تأثرت الأفراح ومراسم العزاء والدراسة والعمل وكل مناحي الحياة تقريبا.
السيدة ماري ميسي تعيش مع زوجها في منزلهما بمدينة سيدني، وقد تقاعدت مؤخرا، لكن تفشي الوباء منعها من قضاء وقت كاف العام الماضي مع أولادها واحفادها.
وقالت لأس بي أس عربي 24 "كنا نتحدث معهم عبر الفيسبوك لمدة أسبوع أو اثنين، ولكن سريعا مر شهر دون أن نقابلهم."
وأضافت "خاف أولادنا علينا أن يكون الأطفال حاملين للفيروس، ويقوموا بنقل الكورونا لي ولزوجي، لذا قرر ابني الا يحضرهم للزيارة."
لجأت عائلة السيدة ميسي إلى حل "غريب عجيب": "اتفقنا أن ننزل في الشارع، ويمر ابني بالسيارة ومعه ابناؤه ويقوموا بالتلويح من داخل السيارة."
وقالت "أصبح بإمكاننا أن نراهم، ونلقاهم في الحديقة ولكن مع الحفاظ على تباعد 10 أمتار، مسافة كبيرة."
وأضافت "تخيل مدى الصعوبة أن ترى طفل يركض باتجاهك ويريد أن يضمك أو يقبلك، وأنت تبعده عنك."
ومرت السيدة ماري ميسي العام الماضي بتجربة فقدان اختها، ومع الإجراءات الاحترازية كان من الصعب على الأحباء والأقارب زيارتها وتوديعها.
وقالت "كان الأمر صعبا للغاية، فالإنسان في آخر أيامه يريد أن يكون الناس بجواره، وتطمئن عليه، ولكن وقتها لم يكن مسموحاً إلا بزيارة شخص واحد فقط."
وأضافت "كان الأقارب يرغبون في وداعها، ولكن كان ممنوعاً علينا. لم يتمكن أحد من توديعها، وهو ما تسبب في ألم لنا ولأقاربنا."
مراسم الجنازة لم يكن مسموحاً حضور أكثر من 10 أشخاص.
وقالت ميسي "في العزاء يكون الإنسان بحاجة إلى أشخاص بجواره لتعزيته ومواساته والتخفيف عنه قليلا."
وأضافت "هذا الحزن وتكريم ذكرى الميت، كنا نعتبره أمر مفروغ منه، شيء مستحق أن يحزن الإنسان ويعقد مراسم الجنازة ويكرم الميت، ولكن بالنسبة لنا كان هذا الشيء مستحيلاً."

شقيقة ماري الراحلة، يمنى خوري، في صورة معها في مكاتب اس بي اس Source: Marie Myssy
زواج بخمسة مدعوين!
فادي هرمز من مدينة ملبورن، كان يخطط لحفل زفافه في أبريل نيسان من العام الماضي، ولكن مع إجراءات مارس آذار الاحترازية اضطر إلى تأجيل العرس.
اختار فادي شهر يوليو تموز الذي كان من المقرر أن يتم رفع قيود المرحلة الثالثة فيه، ولكنه فوجئ بتطور الموقف لتدخل المدينة في الإغلاق من المرحلة الرابعة.
وقال "قررنا أن نعقد مراسم دينية محدودة بحضور خمسة أشخاص: أنا وزوجتي واثنين ومن الشهود والقس."
وأضاف "ضحينا بعدم حضور الأهل وعقدنا حفل الزفاف في إحدى الحدائق بحضورنا نحن."
الزفاف في ظل الإغلاق لا يؤثر فقط على الحفل نفسه، ولكن حياة الزوجين الجديدة معا، والتي تبدأ تحت ظل الإجراءات المشددة للإغلاق.
وقال هرمز "حالتنا النفسية تأثرت للغاية، خاصة حالة زوجتي، لأننا لم نكن نعلم ما الذي سيحدث لنا، وهذا أثر على عملي وعلاقتي بالأقارب والأصدقاء."
لم تقتصر الإجراءات المفروضة في مارس آذار على الداخل الأسترالي، بل امتدت لإغلاق الحدود الدولية ووقف شبه كامل لسفر الأستراليين.

صورة من حفل زفاف فادي وعروسه في مراسم اقتصرت على خمسة أشخاص Source: Fadi Hermez
"نشتاق للسفر"
حياة دوغان مديرة مؤسسة الإيمان للنساء ومسؤولة خدمات اللاجئين في منظمة Well Springs في ملبورن، اعتادت كل عام على العودة إلى لبنان.
وقال دوغان "أنا أعمل طوال السنة وأنا أخطط للذهاب في إجازة في أكتوبر تشرين الأول لكي أرى عائلتي."
وأضافت "هذا العام لم استطع فعل هذا."
الأمر لا يختلف كثيرا بالنسبة للصيدلي نادر آرمانيوس: "حتى لو فتح السفر قريبا سنكون خائفين. لدينا بنت عمرها ثلاث سنوات، فأصبحنا نفكر أكثر من مرة قبل أن نقوم بأي نشاط، أو نزور أي شخص، أو حتى نخرج من المنزل."
وأضاف "كنت قد حجزت إجازة أنا وزوجتي وابنتي للسفر، ولكن مع حدوث الكورونا، اضطررنا أن نلغي كل شيء، وتوقفت خطط السفر."
وأكد "مجرد التفكير في السفر الآن أصبح شيئاً مرعباً جداً لأنك تخاف من حدوث أي شيء لطفلتك."
وقال آرمانيوس "نحن كعرب تعودنا على الأحضان والسلام، لكن الآن أصبح كل شيء قائماً على التباعد الاجتماعي والسلام عن بعد دون لمس."
دوغان أيضا تستغرب من شكل الحياة الجديدة التي فرضها كورونا: "أنا أذهب للتسوق مرة في الأسبوع، وأرى الناس تسير في الشارع مرتدين الكمامات، كما لو كنا في فيلم من إنتاج هوليوود وليس حياة طبيعية."
وأضافت "أشعر بالعزلة، فأنا أقضي طوال اليوم أمام شاشة الكمبيوتر، وهذا ليس جيدا على المستوى الصحي."
لكن تجارب كورونا لم تكن كلها سلبية، فقد دفعت التغييرات التي شهدتها الحياة الكثيرين لتغيير مسارهم العملي.
باسم راشو كان يعمل في إحدى شركات الفندقة الكبرى في أستراليا بدوام كامل، ولكن القيود أصابت قطاع السياحة بالشلل التام، فاتجه إلى نشاط مختلف تماما وهو صناعة الأبواب الخشبية.

باسم راشو برفقة ابنته شارميران في ورشة النجارة التي افتتحها بعد أن خسر عمله. Source: Basem Rasho
وقال راشو "فكرت وأنا في المنزل، لما لا أغير المهنة خاصة أن عمري قد تجاوز الخمسين، فقررت التغيير والاتجاه نحو عمل مطلوب أكثر في السوق."
وأضاف "اخترت الأخشاب لأنها يمكن تحويلها إلى قطع فنية جميلة، وقد بدأت بأبواب المنازل."
وأكد راشو "استغليت الموقف بشكل إيجابي، ودفعتني فترة تفشي كورونا إلى استغلال الطاقة الموجودة داخلنا وتوجهت إلى المهنة الجديدة."
اليوم أستراليا لم تسجل أي حالات جديدة من الإصابة بفيروس كورونا، وقد ظلت معدلات الوفيات في البلاد تحت حاجز الألف ولكن بعض القيود لا تزال موجودة.
وفي حين اعتبرت الحكومة أن رفع القيود على السفر الدولي قد يستغرق شهورا، يبدو أن القيود الباقية على السفر بين الولايات، أو داخل كل ولاية، في طريقها للتخفيف بشكل كبير.
استمعوا إلى التقرير الكامل عن كيفية تأثير كورونا على حياة أبناء الجالية العربية في الرابط أعلاه.