للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغطوا على الرابط التالي.
كل الظروف بدت مكتملة لانطلاقة شرارة الحرب اللبنانية في ١٣ نيسان عام ١٩٧٥ مع حادثة بوسطة عين الرّمانة. ما اعتبره البعض جوهر اندلاع الحرب اللبنانية ومعركة السيادة والدفاع عن الأرض، رآه البعض الآخر شرارة البداية لا أكثر متمثلة بالوجود الفلسطيني المسلّح.
تبوح بوسطة عين الرّمانة بالكثير القليل، لا عن جرح ١٣ نيسان، بل عن الواقع اللبناني الشائك في هشاشته في ظل غياب الرؤية الواحدة لمفهوم الوطن والهويّة الوطنيّة الضائعة بحثًا عن كيان لبنان بين الحدود الجغرافية والحدود السياسية.
تزامن جرح ١٣ نيسان مع حركة احتجاجية شعبية مطالبة بالإصلاح بنفَس اليسار المنادي بدولة علمانية لا يمكن ان تتحقق الا بإلغاء الطائفية السياسية فيما اليمين المسيحي متمسك بصيغة العام ١٩٤٣ تحت راية الدفاع عن الكيان اللبناني الحرية التي هي جوهر لبنان، الا ان انقسام اللبنانيين العامودي كان قبل 1975 وبقي بعد 1990.
١٣ نيسان ، شرارة الحرب او جوهره؟
كان الناشط السياسي والكاتب ومؤسس منظمّة الحزب الشيوعي في استراليا مروان ابو شقرا، طالبًا في حرم كليّة العلوم في الجامعة اللبنانية في الحدث مع مجموعة من الرفاق الطلاب يوم اندلعت شرارة الحرب اللبنانية. هو الذي غادر لبنان هربًا من نيران الحرب بعد حرب السنتين عام ١٩٧٧، يعود بالذاكرة من استراليا الى يوم شكّل حياته قائلًا:
" ١٣ نيسان كان الشرارة انما ما سبق هذا اليوم كان الاهم. كان لبنان يشهد تحركات مطلبية وطلابية عمّالية ولكن بالمقابل كان هناك جوًّا اقليميًّا ضاغطًا وهو الوجود الفلسطيني الذي استُغل من قبل اليمين اللبناني بشكل من الاشكال في شعارات تُخرج الواقع المطلبي في لبنان من سياقه":
تابع أبو شقرا موضحًا:
لا أنكر ان العامل الفلسطيني هو جزء من بداية الحرب اللبنانية ولكنه ليس الكل
يلتقي ابن الجنوب اللبناني الاستاذ عبد المجيد حجازي العضو الحزب الشيوعي اللبناني فرع استراليا، مع قراءة أبو شقرا مسلطًا الضوء على محورية ما سبق ١٣ نيسان من حركة مطلبيّة قائلًا:
" سبقت هذه الفترة حملات نضاليه عارمه شاهدها لبنان في مظاهرات عارمة للحفاظ على لقمه العيش وفي شباط من تلك السنة كان شهدت صيدا مظاهرات حاشدة احتجاجًا على انشاء شركة بروتين لصيد الاسماك وترأس المظاهرة آنذاك الشهيد النائب معروف سعد الذي تصدى له الجيش اللبناني".
A Lebanese family escaping the civil war by award-winning photojournalist Jamal Saidi
١٣ نيسان هو محطة من محطات الصراع التي خلقتها الطائفية السياسية في لبنان. انه محطة من محطات الحرب على الاهالي وليس الحرب الأهلية
في المقابل الناشط المجتمعي جوزف علم ابن بلدة بصرما في شمال لبنان الذي عاصر الحرب اللبنانية بأكملها وهاجر الى استراليا بعد انتهائها، يرى ان ١٣ نيسان لا يمثّل السبب الرئيسي لاندلاع الحرب موضحًا:
"١٣ نيسان ليس البداية ولا بوسطة عين الرمانة هي السبب، السبب الأساسي هو أن الدولة تخلت عن سيادتها في أواخر الستينات وسمحت للوجود الفلسطيني المسلح وهذا ما سبب انهيار سيادة الدولة"،
" بدأت الأمور بالتراكم منذ أواخر الستينات وصولًا الى العام ١٩٧٥حين انفجرت الأزمة".

'Remembering lest we repeat' documentary marks the 50th memorial of the Lebanese War by Petra Taok and Lebanese Australian whose lives were tragically impacted on April 13th.
"ما حصل عام ١٩٧٥ كان نتيجة تراكمات وخيارات خاطئة لبعض المجموعات اللبنانية التي اعتقدت أنها يمكنها أن تضع يدها على البلد بأكمله".
سردية ام سرديات؟
كان شربل فخري المسؤول السابق لحزب القوات اللبنانية في سيدني في الثامنة من العمر يوم اندلعت شرارة الحرب في ١٣ نيسان عام ١٩٧٥ وكان آنذاك يلهو ويلعب في بلدته في بشري التي تبعد مسافة ١٢٦ كلم عن العاصمة بيروت. يقول شربل أن الحرب أعادت رسم حياته بأكملها:
هذه الحرب اخذتني الى اتجاه لم يكن في حسباني أنا ووالديّ ، ولكنني كما الجميع، تأثرت بما يحدث
ينظر شربل الى تلك الحقبة من مسافة نفسية وزمنيّة اذ يقول:
" وصل لنا الشعور بالخطر وعندما يشعر الانسان بالخطر يجد ذاته وبشكل تلقائي في موقع الدفاع عن الذات"،
"مجزرة الأرز كانت مفصليّة اذ تحرك الجميع بناء على هذه الحادثة وما زالت الحرب مستمرة حتى الآن".
لم يجد مروان ابو شقرا نفسه مضطرًا لحمل السلاح خلال الحرب الا لحماية أمن عائلته ويجد ان السلّاح الذي هدف ان يكون جزء من عملية التغيير، بات المشكلة اذ يقول:
إنّ لغة السلاح لا تحل المشكلة انما تعقّدها وتأخذها الى أمكنة اخرى
" الحرب كان عليها ان تنتهي عام ١٩٧٧ عندما تم اغتيال المعلم كمال، وبعدها باتت حربًا عبثيّة تداخلت فيها القوى الإقليمية والدول المجاورة، كما إسرائيل".
في قراءة نقديّة يعود الى تراجع الرفيق جورج حاوي عن موقفه الداعم لكمال جنبلاط لعزل حزب الكتائب آنذاك قائلًا:
" عاد جورج حاوي عم موقفه في قراءة ذاتية اذ خلُص الى أن هذا الشعار كان غير موفق. امتلك حاوي جرأة النّقد والعودة عن هذا الشعار الذي عمّق الصراع الطائفي وعزز التفرقة ولم يكن صائبًا"،
Award-winning Lebanese photojournalist Jamal Saidi documenting the Lebanese Civil War.
كيف عليّ ان اعزل كلبناني جزء من اللبنانيين؟ كيف سأبني وطنًا؟
إعطاء المعنى للقتال
توقف الأكاديمي والباحث الاجتماعي البروفسور في علوم الاجتماع والأنثروبولوجيا د. بول طبر، عند التقاء الأطراف كافة في إعطاء المعنى لحمل السلاح. في قراءة سوسيولوجيّة للحرب اللبنانية يقول د. بول طبر:
" لا يشارك الانسان في عمل ما، إذا لم تكن هذه المشاركة ذات معنى، ويقوم هذا المعنى لمشاركته بتحفيزه للانخراط بما يفعله وقد يصل هذا الانخراط لدرجة القبول بالموت في سبيل تحقيق المطالب المرفوعة في هذا المجال".
Lebanese civil war by photojournalist Jamal Saidi.
" نجد أن كل فريق من فرقاء الحرب الأهلية التي اندلعت في ١٣ نيسان عام ١٩٧٥ كان له سرْديته التي أضفت المعنى على ما كان يقوم به ودفعته بالتالي للمشاركة والاستثمار، إذا جاز التعبير، فيما كان يقوم به"،
"هكذا خيضت الحرب وتصارعت السرديات التي أضفت المعنى لما جرى، وصولاً إلى اتفاق الطائف عام ١٩٨٩".
من القلم الى السلاح
يستذكر شربل فخري انه كان في الثالثة عشرة من العمر عندما حمل السلاح للمرة الاولى عام ١٩٨١ قائلًا:
" كنت ألهو وأكبر في بيئة ريفيه نظيفة بعيدًا عن كل الأحداث، الى أن حين وصل الخطر الى داخل المنزل، فأمام أرواح الضحايا بإثر مجزرة الارز، بتنا جميعًا من الطفل الى المسن معنيين".
شربل الذي كان يقتصر عالمه على بشري التي كانت تمثل الكون بأكمله له يقول:
" كنت اظن ان بشري هي الكون بأكمله ولم اكن افهم من هو ذاك الذي يسعى لزعزعة هدوء عالمي فكبرت في غضون اشهر من طفل يلهو بالطابة الى رجل يحمل السلاح".
ندافع عن لبنان ولكن أي لبنان؟
كل الأطراف ومن موقعها كانت تدافع عن لبنان او نظرتها الخاصة له، وفي ظل غياب الانتماء الوطني الذي لم تتمكن الدولة اللبنانية من تعزيزه منذ الاستقلال الى الحرب اللبنانيّة، بدا واضحًا أن في لبنان شعوب لا شعبٌ واحد، وكأن لكل مكوّن لبنانه أو على الأقل رؤيته الخاصة للبنان المختلفة عن الآخر.
وحول غياب الهويّة الوطنية الواضحة يشرح طبر قائلًا:
الأمر يتعلق برؤية كل طرف من الأطراف المتصارعة للبنان وتضارب، لا بل تناقض، هذه الرؤية مع الطرف الآخر
يرى طبر انه ليس غريباً على القوى السياسية في الدول ان تحمل رؤى متباينة لدرجة التناقض احياناً حول مفهومها للمصلحة الوطنية العامة للبلد الذي تنتمي اليه، أما في حالة لبنان فالأمر ينبع من الاختلاف بين ابناء الوطن الواحد على وجود لبنان بالأساس موضحًا:
" بالنسبة للحركة الوطنية، كان هذا الوجود غير شرعي، او في أفضل الاحوال هو وجود في خدمة مصلحة وطنية مختلفة يمكن توصيفها بالمصلحة العربية العابرة للحدود اللبنانية، وهي بالأساس مصلحة عامة ومتنازَع عليها. أما بالنسبة للجبهة اللبنانية، فالمصلحة الوطنية اللبنانية كان يحددها كون الكيان اللبناني وطناً نهائياً لا يجوز التشكيك في شرعيته وصفته النهائية".
يشرح طبر أن عدم التسليم بلبنان كوطن نهائي لجميع ابنائه، والتسليم بمؤسسات الدولة التي تجسد هذا المفهوم للبنان، كان سبباً أساسياً من اسباب اندلاع الحرب الاهلية عام ١٩٧٥ موضحًا:
" الدفاع عن لبنان كوطن نهائيّ كان ينطلق من معيار طائفي إقصائي للبنان وليس من معيار وطني شمولي. ان اعتبار لبنان وطناً لحماية المسيحيين أساساً، واعتبار الامتيازات السياسية التي كانوا يتمتعون بها هي ضمانة لهم ولبقاء لبنان، هو الذي شجَّع القوى السياسية الطائفية الإسلامية والأحزاب اليسارية والقومية العربية، دون أن يكون ذلك السبب الوحيد لذلك، على نبذ فكرة الوطن اللبناني كوطن سيد وحر ومستقل".
هوية وطنية ضائعة
يعتبر د. طبر أن غياب الهوية الوطنية المشتركة لدى المتصارعين، هو من مسببات الحرب ونتيجة حتمية لها مؤكدًا ان أقصر الطرق للوصول إلى رؤية مشتركة لهوية لبنان ومصلحته الوطنية، تكون في التخلي عن تحديد هوية لبنان كوطن لطائفة او لأخرى، وبناء المصلحة الوطنية على قاعدة المساواة السياسية والقانونية بين جميع أبنائه وهذا ما يتبنّاه من عاصر الحرب اللبنانية عبد المجيد حجازي الذي يؤكد ان لا خلاص للبنان الا بإلغاء الطائفية السياسية.
لا يلتقي جوزف علم مع هذا الطرح اذ يرى أن السبب الأساسي للحرب كان غياب الانتماء الوطني الذي لم تتمكن دولة ١٩٤٣ - ١٩٧٥ من ترسيخه، في ظل الفشل في معالجة مخاوف الأطراف المختلفة بحسب مرجعية الدستور والتي فتحت المجال لتدخلات خارجية استباحت لبنان لمصالحها المتصارعة قائلًا:
"كثر يتهمون النظام الطائفي أنه هو سبب المشاكل في لبنان بدل أن يعتبرونه سبب غنى، وأغلب من يطرح إلغاء النظام الطائفي هم بمعظمهم يضمرون سيطرة طائفة على الطوائف الأخرى"،
"الأولوية هي للوطن مع احترام التعددية الطائفية والدينية والاثنية. طالما لم نصل لتحقيق هذه الأولوية لن نستطيع بناء دولة ووطن".
Militiamen at a chekpoint Shiyah1983, Lebanese civil war photo by Jamal Saidi.
قراءة الصفحة قبل طويها
يشدد د. طبر أن طوي الصفحة دون قراءتها سوف يؤدي إلى تكرار ما جرى من حروب وما عاناه اللبنانيون من ويلات ومآسي قائلًا:
" ان قراءة ما جرى بروح نقدية وبجرأة عالية لا تتردد بمحاسبة الذات قبل محاسبة الآخر، هي مفصليّة لخلق دولة تقوم على مبدأ العدالة لا للتأكيد على صوابيّة مواقف كل طرف من الأطراف التي شاركت فيها بل بروح نقدية تساهم جدياً في مشروع بناء الوطن المنشود".
وبدوره يؤكد جوزف علم على أهميّة هذه القراءة قائلًا:
"جرح الحرب أذى الجميع وترك ندوبًا يصعب التحامها. لم يكن من الممكن لهذا الجرح الذي تركته الحرب أن يندمل دون اجراء قراءة نقدية ومراجعة من قبل الجميع في إقرار بالخطأ بحق الوطن وبحق المجتمع وحتى بحق نفسه لأنه لم يكن يدرك"،
" شئنا أم أبينا فإن لبنان يتشكل من مجموعات طوائف تحاول أن تشكل شعبًا واحدّا وإذا لم تضع كل المجموعات أولويتها بناء الدولة والوطن وأن يكون لبنان وحدة نصب تركيزنا لبنائه.
تنذكر حتى ما تنعاد
يتوقف راعي الأبرشية المارونية في أستراليا ونيوزلندا وأوقيانا المطران انطوان شربل طربيه المطران عند جرح الثالث عشر من نيسان عام 1975 الذي يصفه بحرب الاخرين على ارض لبنان، وعشية الذكرى الخمسين يقول:
" تركت الحرب الكثير من المآسي والظلم والقهر، ولكن الشعب اللبناني رفض الاستسلام، صمد وما زال يملك الاستعداد الكافي ليستنهض قواه ويبدأ من جديد في بناء وطنه".
هو الذي يشدد أنه من غير الكافي ان نكتفي بالقول "تنذكر وما تنعاد"، يشدد على أهمية وضع رؤية جديدة للبنان والعمل على ذلك في الوطن والانتشار تزامنًا مع دعوة البطريرك بشارة بطرس الراعي لاعتماد الحياد الايجابي كطريق اكيد لإنقاذ وحدة لبنان ورسالته، قائلًا:
" حان الوقت لاستخلاص العبر من دروس الماضي واعادة النظر في امور كثيرة لتنقية الذاكرة الوطنية الفردية كما الجماعية لمصالحة حقيقية بين اللبنانيين مبنيه على اوليه الانتماء الى لبنان الوطن النهائي لجميع أبنائه".
تابع طربيه قائلًا:
" في الذكرى الخمسين لاندلاع الحرب اللبنانية، أدعو للمصالحة التي وحدها تقود الى التفاهم بين لبنانيين وبناء الثقة المفقودة بينهم كشعب وبين لبنان الدولة والمجتمع الدولي وانا أصلي لأرواح الضحايا وكل من خسر غاليًا في هذه الحرب".
ما هي الطريق للبحث عن هوية وطنية ضائعة؟ كيف تبدأ مسيرة شفاء الذاكرة؟ هل الطائفية هي جوهر الإشكالية اللبنانية؟ وما الذي لم يمح حتى اللحظة من ذاكرة النقيب السابق للمصورين الصحافيين في لبنان جمال السعيدي المثقلة بالجراح؟ وكيف حملت شمس السلاح في عمر الثالثة عشرة؟
الإجابة الكاملة في هذا الوثائقي الصوتيّ وشهادات مع اشخاص أعادت الحرب اللبنانية رسم حياتهم.
هل أعجبكم المقال؟ استمعوا لبرنامج "Good Morning Australia" من الاثنين إلى الجمعة من الساعة السادسة إلى التاسعة صباحا بتوقيت الساحل الشرقي لأستراليا عبر الراديو الرقمي وتطبيق SBS Audio المتاح مجاناً على أبل و أندرويد وعلى SBS On Demand.
أكملوا الحوار على حساباتنا على فيسبوك و انستغرام.