"لا تفضلوا السبق الصحفي على حياتكم": جمال السعيدي وذاكرة تبكي في صورة وربع قرن من توثيق الحروب

Media (1).jfif

Award-winning Lebanese photojournalist Jamal Saidi who documented the Lebanese Civil War, Gulf War, and the Iraq War and covered various historical moments in the Middle East and the world culminating 3 decades at REUTERS as Chief Photographer in the Levant region unveils his journey & the inner wounds of war coverage to SBS Arabic journalist Petra Taok.

لم يختر السبق الصحفي يومًا على حساب حياته رغم انه كان يضع روحه على كفّه ويحمل آلة التصوير لينقل الخبر في جحيم الحروب. وثّق الحرب الأهلية، ولكنه كتب مقاله بحبر الصورة والصورة بقيت مكسورة من الحرب الأهلية في لبنان الى الحرب في العراق لأحداث السودان واليمن وليبيا وإيران والسعودية وقطر والأردن، في ترحال بحثه عن الحقيقة التي غالبًا ما تكون الضحيّة الأولى في تغطية الحروب. هو الذي وثّق الحرب بعدسته لأكثر من ربع قرن، كيف ينظر الى حقبة ظنها "رح تنذكر وما تنعاد"؟ وماذا سيقول لعصام عبدالله ورفاقه الصحافيين الذين كانوا يغطون الخبر فباتوا هم الخبر؟ النقيب السابق للمصورين الصحافيين في لبنان ورئيس قسم التصوير في وكالة رويترز لبنان وسوريا جمال السعيدي سيبوح بالقليل الكثير في رحلة صوتيّة مع بترا طوق الهندي.


من الولايات المتحدة الأمريكية حيث يعانق سكينة الطبيعة في تقاعد لم يبعده عن الأحداث او شغف التصوير، يجول النقيب السابق للمصورين الصحافيين في لبنان ورئيس قسم التصوير في وكالة رويترز لبنان وسوريا جمال السعيدي لثلاثة عقود، في أروقة الذاكرة المرهقة بجراح الحرب والتغطية الصحافية في المواجهة مع متاريس الموت.

هو ابن بلدة برجا الشوفيّة، المصور الصحافي الحائز على جوائز والذي ظهرت أعماله في مجلات وصحف عالمية مثل صحيفة الإندبندنت، الغارديان، نيويورك تايمز وواشنطن بوست، وفي كتب تنشرها وكالة رويترز، يترقّب من بعيده هول الخسارة الإنسانية والثمن الباهظ الذي يدفعه الجسم الصحافي في غزة ولبنان في حرب تبدّلت قواعدها وباتت تُنقل وتوثق بالصوت والصورة.

ينظر جمال السعيدي الى تجربة أربعين سنة من العمل الصحفي كمصور، ولكن في أيام الحروب العبثية التي اتخذت من الشرق الأوسط مسكنًا. أيام فارقها، ولكنها لم تفارقه وما ظنّها انها "رح تنذكر وما تنعاد"، باتت كابوسًا في وعيه ولاوعيه وإذا بها ايقظت جراحه مع مقتل زميله في وكالة الأنباء رويترز الصحافي عصام العبدالله اذ يقول:

" للأسف ما نشهده اليوم هو مجزرة كبيرة بحق الصحافيين اللبنانيين والعرب وما من أي طرف يناشد لوقف هدر هذا الدم. ما من سقف يحمينا وبتنا كجسم صحفي مكشوف".

Media (3).jpg
Jamal Saidi with Reuters Lebanese journalist Issam Abdallah who was killed by Israeli tank shell in southern Lebanon on 13 October 2023.

يأسف السعيدي للخسارة الباهظة بالأرواح رغم الحماية الموجودة والتدريبات التي تقدمها المؤسسات الإعلامية لتغطية آمنة وان في الأزمنة غير الآمنة، ولكن الفشل في حماية الجسم الصحافي هو الواقع المؤلم:

 " في الحروب التي مرت علينا في لبنان خسرنا زملاء على مدار خمس عشرة سنة لأنه لم يكن لدينا المعرفة حول التغطية الآمنة في أماكن النزاع، لم نكن نملك أدوات الحماية وكنا ننجو بالصدفة"،

"ما يحدث يوم يمثّل جريمة حرب تتكرر وما من جهود رادعة من أي منظمة دولية أو حقوقية".
هو الذي يضع تجربته بسخاء في متناول الجيل الجديد من الصحافيين، الا انه يناشدهم دائمًا باختيار مبدأ السلامة على أي سبق صحفي وان كانت أرواحهم على كفهم وهم يؤدون واجبهم الصحفي، فيقول:

" على مدار 40 سنة من تجربة الصحفية، لم أختر السبق الصحفي على حساب حياتي"،

ولزملائه يقول:

"لا تفضلوا السبق الصحفي على حياتكم"،

" سلاحنا هو الكاميرا التي من خلالها ننقل الحقيقة والواقع الذي يعيشه أهل هنا في الجنوب اللبناني مؤلم والثمن الذي يدفعونه باهظ".


ويتابع قائلًا:

"علينا أن نفكر كيف يتوجب علينا العودة إلى مؤسساتنا وبيوتنا بأمان وتنسيق مهم مع الإدارة حتى في اختيار الموقع. ما من خبر يستحق أن نخسر حياتنا لأجله".


ينظر السعيدي الى الجسم الصحافي في غزة كما لبنان الذي دفع ثمناً باهظاً للحرب التي انطلقت شرارتها بعد ان أعلنت إسرائيل الحرب على حماس ردًا على هجوم السابع من أكتوبر 2023. منذ 28 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أظهرت التحقيقات الأولية التي أجرتها لجنة حماية الصحفيين أن ما لا يقل عن 131 صحفيًا وعاملًا في مجال الإعلام ما جعلها الفترة الأكثر دموية للصحفيين منذ أن بدأت اللجنة بجمع البيانات في عام 1992، فيقول:

"استهدافهم في بعض الأماكن قد يكون لإسكاتهم عن تغطية الخبر من مواقع محددة قد تؤثرعلى تشكيل الرأي العام. بعض زملائي في الجنوب يقدمون تضحيات كبيرة دون أي مساندة من الدولة اللبنانية ومنهم من خسروا منازلهم".

 
img058.jpg
A Lebanese family escaping the civil war by award-winning journalist Jamal Saidi whose photojournalism has appeared in a wide range on the front covers of international and regional newspapers and magazines
نجوتُ باعجوبة

أصيب جمال السعيدي خلال عمل كمصور صحافي مرتين. كانت الإصابة الاولى في العام 1981، اما الثانية فكانت خلال الاجتياح الإسرائيلي على بيروت عام 1982. اخترق الرصاص جسده، ولكن هذه التجربة فتحت أعينه على ابعاد أخرى اذ يقول:

" نجوت بأعجوبة وهذه التجربة علمتني الكثير وبدأت أتخذ التدابير الاحترازية آنداك في غياب أي تدريب مهني ولاحقا مع التدريبات التي باتت تقدم من قبل الوكالات العالمية، اكتشفنا مدى المخاطر التي كنا في مواجهتها".
Media (3).jfif
Award-winning Lebanese photojournalist Jamal Saidi documenting the Lebanese Civil War.
يتحدث السعيدي بإسهاب عن قواعد التغطية المهنية التي تقلل فرص المخاطرة بالأرواح وتحافظ على سريّة التنقّل اذ يقول:

" لم نكن نكشف عن مواقعنا وكنا ندخل أحيانا إلى مناطق في العراق ونغادر عبر طريق آخر كي نحافظ على سرية التحرك، فالعمل الصحفي خلال الحروب صعب وشاق".

 

انسانيتي تسبقني الى الصورة

هو الذي عاين بأم العين جحيم الحروب على ارضه وفي العالم العربي، لم يتخل عن انسانيته يومًا رغم فظاعة ما وثّقت ذاكرته قبل عدسته. يؤكد ان النجاحات المهنيّة يجب أن تبقى ضمن الخطوط الحمر لإنسانيتنا اذ يقول:

" لم أتخل عن إنسانيتي مرة واحدة وكانت إنسانيتي تسبقني الى الصورة وما كان يؤثر بي هو مشاهد الأمهات والأطفال ومن هنا بدأت أتنبه لمدى معاناة المرأة والأم وأنا لدي أم وأطفال وإخوة".

يتابع قائلًا:

كنت أحيانا ألتقط صورًا دون أن أتمكّن من أن أحبس دموعي

يعود بصمت الى جراح ذاكرة فيقول:

"يتضاعف الحزن مع رائحة البارود والدم المتصاعد من الجسد"،
" لن أقوى على نسيان ذلك وأعيش وحتى اللحظة كوابيس تردني إلى هناك في حالة ما بعد الصدمة".

يهرب جمال السعيدي اليوم من ظلامية الحروب الى سلامية الطبيعة، فيتخذها ملاذًا لعلها تنتشله من هذا الجحيم فيقول:

" أحاول اليوم أن أهرب إلى الطبيعة لأنقذ ذاتي من آلام 40 سنة من توثيق الحروب وهي تنتشلني من هذا الانهيار والجحيم"،

" هناك لحظات تتخطى قدرة المرء على التحمل".

Media (2).jfif
Award-winning Lebanese Jamal Saidi culminated 4 decades of photojournalism.

هو الذي لن يشفى من حكم مؤبد فرض عليه يقول:

" خسرت رفاقًا وأهلًا وزملاء وكنت ألتقط أنفاسي وأكمل، ولكن مقتل عصام عبد الله أي قضية ذاكرتي وكل الصدمات المخزونة فيها".

وعلى مشارف الذكرى الخمسين لاندلاع الحرب الأهلية في لبنان، ينظر إلى وطن جريح وإلى شعب يستحق الحياة ويقول:

ما زلت أقول "تنذكر وما تنعاد!" أنا ضد الحروب وهذا الوطن دفع أثمانا باهظة وهو يستحق النجاح والحياة

ماذا يقول للمرأة الجرح الصامت في الحروب وهو الذي خسر والدته بعمر العشر سنوات؟ كيف كانت رفيقة دربه تعيش على توقيت عودته سالمًا؟ وماذا سيقول لعصام عبد الله، الخسارة التي لا تعوّض، والذي تفقّده كالمعتاد عندما زار وكالة الأنباء رويترز في بيروت وكأنه الغائب الحاضر؟


الإجابة في رحلة إنسانية ومهنية ملهمة مع الصحافي المصور اللبناني جمال السعيدي، في الوثائقي الصوتي أعلاه.

للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغط على .

استمعوا لبرنامج "Good Morning Australia" من الاثنين إلى الجمعة من الساعة السادسة إلى التاسعة صباحا بتوقيت الساحل الشرقي لأستراليا عبر الراديو الرقمي وتطبيق SBS Audio المتاح مجاناً على  وعلى القناة 304 التلفزيونية.

أكملوا الحوار على حساباتنا على SBSArabic24 و و

اشتركوا في  لتشاهدوا أحدث القصص والأخبار الأسترالية.

 

شارك