انه خورخي ماريو برغوليو، رجل الله في الانسان ورجل الله والإنسان الذي رحل عن عالمنا بعد مسيرة استثنائية في خدمة الإيمان والإنسانية مختارًا ان يترك هذا العالم في تابوت خشبي فقير كتب عليه فقط "فرنسيس" ليلبس الانسان في رحيله دون البابوية.
هو الذي أغمض عينيه عن عمر ناهز 88 عاماً بعد أن أثقل جسده المرض، كان رجل السلام والحوار والبيئة والفقراء والمهمشين الذي كان بحبريته جسرًا بين الأديان، متوّجًا ذلك بوثيقة الأخوة الإنسانية احتفاءً بقيم الرحمة والتضامن والسلام، حيث قال "إما أن نكون إخوة، أو، اسمحوا لي أن أقول، كل شيء سينهار"، تاركًا ارثًا زاخرًا من الاشعاع الروحي.

A legacy in a papacy
بيتنا المشترك
حمل البابا 266 للكنيسة الكاثوليكية في حبريّته همّ التغيّر المناخي وأزمة المناخ. هو الذي انتخب في 13 آذار/مارس 2013 كأول أميركي لاتيني يسوعيّ على رأس السدّة البابوية، كان أول من حمل اسم القديس فرنسيس في حبريّة السلام مع الله والخليقة في دفاعه الشرس عن هذا البيت المشترك قائلًا:
"إن الله يغفر دائمًا، ونحن البشر نغفر أحيانًا، لكنّ الطبيعة لا تغفر أبدًا. إذا أسأت إليها، أساءت إليك هي أيضًا. أعتقد أنّنا استغللنا الطبيعة أكثر من اللازم".
في مداخلة خاصة حول البابا فرنسيس حامل مشعل البيئة والتغيّر المناخي، توقفت وزيرة البيئة اللبنانية د. تمارا الزين، عند هذا الإرث البيئي للبابا فرنسيس.
تقول د. تمارا الزين:
"رحل البابا فرنسيس في إثنين القيامة وبرحيله نخسر ليس فقط رجل دين له مكانته، بل شخصية تاريخية لها إرث إنساني عظيم، هو الذي عرف برجل الحوار والتسامح والمحبة".
تستذكر الزين وقوف البابا فرنسيس إلى جانب لبنان ومتضامنه مع الضعفاء والمهمشين وحتى مقاربته لشؤون البيئة والمناخ التي كانت أيضا من باب العدالة الاجتماعية.
الزين التي توقفت عند الرسالة المفتوحة التي نشرها البابا فرنسيس في تشرين الأول 2023 قبيل انعقاد قمة المناخ، والتي دقّت ناقوس الخطر المناخي تقول:
اعتبر البابا ان أزمة المناخ هي المرض الصامت الذي يؤذينا جميعا لذا وجه نداءه إلى قادة العالم مطالبًا بوجوب التقيد باحترام كوكب الأرض أو ما كان يسميه ببيتنا المشترك
" ذكر البابا بضرورة وضع حد للأفكار التي تروج للإنسان المتفلت من القيود الذي يظن أنه لا محدود القوة في زمن التطرف والنزعة نحو الهيمنة التكنو اقتصادية".
وختمت قائلة:
سيبقى كلام البابا فرنسيس بوصلة لمن يسعى لأنسنة التقدّم لحماية مستقبل البشرية
الديبلوماسية البيضاء
كان البابا فرنسيس ذلك الصوت الصارخ في بريّة هذه العالم، هو الذي كان قريبًا من جرح الشرق الأوسط، وقبل وفاته، دعا إلى وقف الحرب فى قطاع غزة قائلا إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تولد الموت والدمار وتسبب وضعا إنسانيا مروعا ومشينا، قائلًا:
"أوجه نداءً إلى جميع أطراف النزاع: أوقفوا إطلاق النار وليتم الإفراج عن الرهائن، ولتقدم المساعدة للشعب الذي يتضور جوعا ويتوق إلى مستقبل يسوده السلام".
توقف الباحث الجيوسياسي د. زياد الصائغ، المدير التنفيذي لملتقى التأثير المدني عند الدبلوماسية الحبرية ودور الفاتيكان في بناء عالمٍ يسوده السلام والعدالة.
يقول د. زياد الصائغ:
"ارتحل البابا فرنسيس إلى قلبِ الله، مُنهكًا بعذاباتِ العالم من حروبٍ ولا عدالة، من صراعاتٍ وكراهيّة، من ظلمٍ واستِنزاف، حَمَلها وفي وجدانه أنَّ السّلام مع العدالة بوصلة خلاصيَّة".
الصائغ الذي أضاء على مواكبة البابا فرنسيس إبَّان خدمته البابويّة أزماتٍ كونيَّة من أوكرانيا، إلى فلسطين، وسوريا، ولبنان يقول:
"كم بكى حزنًا، وكم رجى صارِخا أن تتوقف النّزاعات الدمويَّة رافضًا أن يتلطّى أيٌّ من أفرقائها بأي دين أو فلسفة أو عصبيَّة"،
حمل البابا فرنسيس الشرق الأوسط، وفي صميمه لبنان وسوريا وفلسطين والعراق، حمَلَهُ في صلواتِه وفكرِهِ. لم يتعب من الدعوة إلى تحقيق العدالة للشّعب الفلسطينيّ، نابِذًا كلّ أشكالِ العُنف، مؤمِنًا بتحقيق السَّلام بالحوار، سلامِ الشُّجعان، بعيدًا عن تأبيدِ الصِّراع بأجُنداتٍ دينيَّة من هنا وهناك
يقرأ الصائغ إرث حبرية لم يرُق لها استِخدام الأبرياء من كلّ الأطراف وقودًا في معارِكَ قذِرة قائلًا:
"لم يتعب من حثِّ ضمير العالم لصونِ هويَّة لبنان الحضاريَّة في الحريَّة والتنوُّع والعيشِ الواحِد. لم يتعب من مواجهةِ كل أشكالِ التوتاليتاريَّات والأوتوقراطيَّات والثيوقراطيَّات ".
وختم منوّهًا:
"ناضَلَ البابا فرنسيس لِفكّ أسر الشرق الأوسط من تسخير الدين في دوَّامة عنف مستدامة. أراد سوريا حرّة. نظر إلى العراق أرضاً خصبة لسلام الأديان.
ناضلَ لاستعادته إلى روح السَّلام بالأُخوَّة الإنسانيَّة"، ناضَلَ البابا فرنسيس وشُعلَةُ نِضالِه النقيَّة من أجلِ المحبَّةِ والتَّلاقي السَّلامي لن تنطَفِئ
الأخوة الانسانيّة
عمل البابا فرنسيس بلا كلل كي لا يتوقف حلم الأخوّة الإنسانية عند الكلمات اذ ساهم في تفعيل الحوار الإسلامي المسيحي، والذي توّج بوثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش معًا.

توقفت رئيسة مؤسسة اديان د. نايلة طبارة، عند مساهمة البابا فرنسيس في تفعيل الحوار الإسلامي المسيحي انطلاقًا من
وثيقة الأخوّة الإنسانية اذ تقول:
" ركز البابا فرنسيس على قيم الإنسانية الجامعة التي تلتقي عليها الأديان كافة كما ذوي الإرادة الصالحة ما شكّل قلب وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها مع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب والتي ترتكز على القيم المشتركة بين أهل الديانتين وكل ذوي النيّات الطيبة وبشكل خاص مناصرة المستضعفين والمقهورين".
طبارة التي سلّطت الضوء ايضًا على اللقاء الذي جمع البابا فرنسيس مع السيد السيستاني خلال زيارته التاريخية والأولى من نوعها في تاريخ الكرسي الرسولي الى العراق في آذار/ مارس 2021، تقول:
" لا ننسى هذه الزيارة التاريخيّة الى العراق حيث التقى قداسته القادة الدينيين من الأديان كافة الموجودة في العراق والتي تغنيه، للتذكير بمبادئ التضامن والأخوة والحفاظ على الأرض".
هذا وتطرّقت الى اعتذار البابا الجريء من الشعوب الأصليّة قائلة:
نستحضر زيارة البابا إلى أمريكا ولقائه بممثلي الشعوب الأصلية هناك واعتذاره منهم وهذا انعكاس لانفتاحه وجرأته حتى الاعتراف بأخطاء الكنيسة تجاه شعوب أخرى وثقافات، أديان أو روحانيات أخرى
كنيسة الفقراء
أراد البابا فرنسيس كنيسة للفقراء وبذلك فان ارثه الروحي يتمحور حول هذا الجوهر. لخّص الأب المشير مارون موسى، المرسل اللبناني ارث البابا الروحي وأثر البابا في قلب الكنيسة الأم والمعلّمة في حبريةٍ انطلقت من جوهر الإيمان والبساطة.
يقول الأب مارون موسى:
كنيسة الفقراء أرادها البابا مشرّعة ابوابها لكل فقير لرحمة الله، فالكنيسة هي بمثابة مشفى روحي لكل إنسان خاطئ
هو المدافع الأول عن اللاجئين بحثًا عن السلام، والذي قال عنهم مرارًا:
"المهاجرون لا يشكلون تهديدًا لثقافاتنا وعاداتنا وقيمنا، إنهم أناس يسعون إلى السلام وهم رمز لكل أولئك الذين رفضهم المجتمع"، أراد كنيسة المسيح مشرعة لهم.
يقول الأب مارون موسى:
" أراد البابا كنيسة لكل فقير للمساعدة الاجتماعية، كل فقير للسلام، لكل فقير لاحترام حرية معتقده وأخيرًا لكل فقير لعالم أفضل مع كنيسة تناضل من أجل قضايا البيئة للحفاظ على بيتنا المشترك".

ما بعد فرنسيس
يشكّل رحيل البابا فرنسيس خسارة مؤلمة ليس فقط للكنيسة الجامعة، بل للعالم بأسره حسبما رأى البروفيسور زياد فهد، رئيس جمعية "حوار للحياة وللمصالحة".
في زمن الأوبئة والحروب وانتكاسة القيم، تميز البابا فرنسيس بانفتاحه على الأكثر هشاشة، اذ شرع أبواب الكنيسة لاحتضان الأكثر ضعفا دون استثناء تمييز.
في هذا الإطار يقول الأستاذ المحاضر في جامعة سيدة اللويزة، البروفيسور زياد فهد:
"إن استكمال مسيرة البابا فرنسيس هي الأهم وصوته سيرافقنا من خلال وثيقة الأخوة الإنسانية التي هي دعوة لتشريع القلوب دون تحفظ للحوار واحتضان التنوع"،
إن التنوّع مشيئة إلهية ومصدر غنى وفرح في تجسيد لعظمة الخالق والكرامة الالهيّة، لنعلن سويًا مجد الإنسان الذي هو أعظم ما خلقه الله
كيف ودّعت ساحة القديس بطرس في الفاتيكان، بابا الفقراء عشية اثنين القيامة؟
الإجابة مع الناشطة الكنسية والمحررة د. باسكال رزق، في الملف الصوتي أدناه.
هل أعجبكم المقال؟ استمعوا لبرنامج "Good Morning Australia" من الاثنين إلى الجمعة من الساعة السادسة إلى التاسعة صباحا بتوقيت الساحل الشرقي لأستراليا عبر الراديو الرقمي وتطبيق SBS Audio المتاح مجاناً على و وعلى .