لم تكن جنى جواد تتخيل للحظة ان احتفالها الأول بالأمومة والحياة لن يكون في كنف بيت نسج بكثير من الحب ولبس حلّة الاستقبال.
بعد عام على التصعيد في لبنان بين حزب الله وإسرائيل بعد إعلان الحزب ما يسميها "إسناد حرب غزة" واكثر من أسبوعين على تصاعد التوترات بين إسرائيل وحزب الله بعد عملية اغتيال الأمين العام الأسبق لحزب الله الاسيد حسن نصرالله بغارة إسرائيلية على مقر القيادة المركزية للحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت يوم الجمعة في 27 ايلول/سبتمبر 2024 ، لم يعد هناك مكان آمن في لبنان ودخل لبنان في نفق مظلم مع حرب شردت مليون ومئتي الف لبناني في ارضهم ومن بينهم جنى وحبيب جواد.
تضم الأمّ الشابة باكورة احلامها الى قلبها، لا في منزل العائلة الجنوبي، بل في مركز لإيواء النازحين في المتن الذي تتشارك فيه مع 130 نازحة ونازح، وبغصة تعود الى ذاك اليوم الأخير قبل ان تصبح "الأم النازحة". هي التي اعتادت على سماع دوي القصف، ظنّت حتى اللحظة الأخيرة انها لن تخلي منازلها اذ تقول:
"كنا نضع اللمسات الأخيرة على الشوكولاتة وحلوى الولادة واضطررننا لترك كل شيء والفرار".
كانت جنى تحتسي القهوة الصباحية وسط ترقّب للأوضاع وسرعان ما تركت فنجانها لترافق زوجها حبيب للتبرع بالدم في مركز للصليب الأحمر خارج البلدة، دون أن تدري أن هذه الزيارة ستكون الأخيرة لنطاق البلدة اذ تقول:
" بدأ استهداف الطريق المؤدي الى بلدتنا والتي علينا ان نسلكها، كما وتم استهداف منزل في بلدتنا فبدأت الاتصالات تنهال علينا من قبل الأهل".
Baby Mariam in the arms of her displaced mother Jana at the Mariapolis Centre in Ain Aar, 20 kilometres north of Beirut.that welcomed them along with 130 people who had to flee their bombarded areas.
تابع الأب المنتظر حبيب وبتماسك طريقه نحو البلدة رغم المخاطر، ولحظة الوصول اتخذ قرار الإخلاء الفوري:
كنا نعاين الدمار بأعيننا وسرعان ما شعرت بالانهيار
كانت ولادة جنى مقررة ليوم الخميس في المستشفى الميداني في البلدة ولكن العائلة اتخذت قرار الاخلاء ام البقاء سويًا، ولكن الغارات حسمت الجدل:
" بخمس دقائق فقط وضّبت حقيبة الاخلاء وجلبت حقيبة الولادة المعدة للمستشفى وحتى الغسيل بقي في الغسالة".
الموت وراءهم والمجهول امامهم
تستذكر جنى اللحظات الأقسى، حين وجدت نفسها في سيارة مع كافة عائلة وزوجها في طريق الموت:
"انطلقنا في السيارة دون معرفة وجهة الذهاب وكل ما استطعت احضاره هو السرير النقّال للولادة".
استغرقت الرحلة ست ساعات وكل ما كان يبتغيه الزوج الذي يحاول تماسك نفسه هو الوصول بأهله وزوجته الى أي بر أمان. حبيب الذي عليه ان يكون مصدر الأمان والذي فقد الأمان يقول:
" انها لمسؤولية كبيرة ان يكون مصير اهلي بين يدي ولكن الله تدبر أمرنا "،
الهدف كان مغادرة البلدة ولكن الي أين؟ كان هذا السؤال الأصعب
حاولت جنى جاهدة أن تخفي خوفها ومخاض الولادة كي لا تسبب هلعًا آخر للزوج الذي ينتشل العائلة من جحيم الموت وسط الغارات فتقول:
وضعت يدي على بطني طوال الطريق وكنت ارفع الدعاء واستذكر انني قرأت شهادة الموت
تتابع قائلة:
"كنت اسأل ذاتي عما اذا كنت سأصل الى بر الأمان وانا على قيد الحياة فيما كنت اشعر بمخاض الولادة لكنني لم اتفوه بكلمة طوال الطريق خوفًا من ارباك حبيب ومن الولادة على الطريق".
برّ الأمان
حطت رحال العائلة الهاربة، ودون ان تعلم كيف، في مركز ماريابولي لجماعة الفوكولاري في منطقة عين عار في المتن، الذي استقبل العائلة في حرب تموز عام 2006. في تاريخ لا يلبث ان يكرر ذاته، يصبح الانسان مهجرًا داخل وطنه، في مواجهة مع عبثية وهمجية الحرب. عن هذا الاختبار تقول جنى:
"استقبلنا سابقًا نازحين في بلدتنا وتعاطفنا معهم، ولكن لم نكن نعي ابدًا مدى قساوة هذا الامر قبل ان نختبره شخصيًا".
Baby Mariam in the arms of the Apostolic Nuncio to Lebanon Paolo Borgia who was visiting the displaced & afflicted at the Mariapolis Centre
تقول جنى:
"غادرت المنزل ومريم في احشائي وان عدت فستكون بين ذراعي"،
لن يعود أي شيء الى ما كان عليه في السابق
"أعدّ الدقائق للعودة الى منزلي الذي اشتقت اليه وعائلتي الصغيرة رغم دفء الاستقبال".
وفي لحظة هرمت جنى وبات لعمر الحرب زمنه الخاص:
"كبرنا سنوات في أيام وكسر في داخلنا شيء كبير وبتت فقط اصلّي للعودة واتمنى الا يكون هدم منزل ذكرياتنا"
لماذا سمّيت مريم؟ وما الرسالة التي حملاها الى لبنان الجريح؟
الإجابة في رحلة صوتية ملهمة مرفقة بالصورة أعلاه.
استمعوا لبرنامج "Good Morning Australia" من الاثنين إلى الجمعة من الساعة السادسة إلى التاسعة صباحا بتوقيت الساحل الشرقي لأستراليا عبر الراديو الرقمي وتطبيق SBS Audio المتاح مجاناً على وعلى القناة 304 التلفزيونية.