كان عمار* وهو مهندس شاب يعمل لصالح وزارة النفط العراقية، ويتنقل بين حقول النفط المختلفة بين الشمال والجنوب. وكان مركز عمله في حقل حمرين هدفا لهجمات تنظيم داعش عام 2014 الذي توغل في تلك المنطقة.
نجوت من موت محقق على أيدي عناصر داعش
ويقول عمار إن نظام عمله كان يسمح له بالعمل لفترة أسبوعين في الموقع وأسبوعين خارج الموقع، ويقول إن ذلك أنقذه من موت محقق على أيدي عناصر تنظيم داعش.
"شاء القدر ألا أكون في موقع العمل عندما هاجمت داعش المنطقة، لكن لي زملاء قتلوا خلال الهجوم، كما وأن عناصر التنظيم استحوذوا على المعلومات الموجودة في الموقع استطاعوا من خلالها التعرف على العاملين فيه، وقاموا بتهديدي، فاضطررت إلى ترك العراق، والتحقت بأمي وأخوتي الذين كانوا تهجروا من العراق منذ عام 2005".في تركيا تقطن والدة عمار وأخواه الاثنان بعدما كانوا قد اضطروا إلى الهروب من العراق إلى سوريا حيث أمضوا قرابة خمس سنوات، لكنهم وبعد اندلاع الحرب في سوريا لم يجدوا أمامهم إلا الهروب مجددا قاصدين الأمان في تركيا.
حقل حمرين حيث كان يعمل عمار كمهندس بترول Source: Supplied
وفي تركيا تقدمت العائلة بطلب للجوء إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وكان عليها انتظار قرار الحصول على صفة اللجوء لغاية عام 2015 وتم تحديد أستراليا كبلد لتوطين العائلة، وأحيل الملف إلى الجهات الأسترالية لمتابعة الإجراءات.
انتظرت الوالدة والأبناء من عام 2015 لغاية عام 2019 للحصول على مقابلة مع المسؤولين الاستراليين في تركياـ وتمت الموافقة على قبولهم في أستراليا،
في بداية شهر شباط فبراير 2020 تم منح تأشيرة الحماية للعائلة وأحيل الملف إلى منظمة الهجرة الدولية التي تعنى بمتابعة إجراءات ومستلزمات السفر.وفي هذا الوقت بدأت جائحة كورونا. وبدأت رحلة معاناة أخرى لهذه العائلة.
"انتظار المجهول في تركيا" Source: Supplied
كانت منظمة الهجرة الدولية قد حددت موعد سفر العائلة إلى أستراليا في 24 من شهر أذار مارس، فقامت العائلة بتجهيز مستلزمات السفر، وترك كل ما وراءها أملا بغد أفضل في أستراليا. باعت كل ما لديها من أغراض وأثاث، وتركت المنزل الذي كانت تسكنه، حتى أنها حجزت السيارة التي ستوصلها في رحلتهم إلى المطار.
ولم تكن هذا العائلة لتدرك أن السلطات الأسترالية ستتخذ قرارا بإغلاق الحدود ومنع القادمين إليها من الدخول ريثما تنقشع الأمور، وتتم السيطرة على انتشار الفيروس.
صدر قرار إغلاق الحدود في 19 أذار مارس، وتم إرسال رسالة للعائلة بتأجيل السفر.
ويقول عمار إن الوضع في تركيا صعب خاصة وأن السلطات التركية أوقفت المساعدات الطبية للاجئين.
"المصيبة أن الحكومة التركية أوقفت الدعم الطبي للاجئين منذ بداية عام 2020، والدتي تعاني من مشاكل صحية مزمنة، وأي استشارة لدى الطبيب المختص قد تكلف مبلغ 400 دولار".
دفعت كل جنى العمر ثمن التأشيرة والكفالة
وكان عمار الذي ترك العراق هربا من تنظيم داعش ووصل إلى تركيا في عام 2014 علم بوجود برنامج خاص تقدمه الحكومة الأسترالية لإحضار 500 لاجئ سنويا ضمن تأشيرة خاصة تكفلها إحدى المنظمات الإنسانية في أستراليا لكنها توجب على المتقدمين عليها دفع مبلغ مالي لتأمين التكاليف والمصاريف عند الوصول إلى أستراليا.
تقدم عمار للحصول على هذه التأشيرة وتم قبوله بمساعدة مؤسسة Brotherhood of St Laurence وقام بدفع مبلغ مالي يناهز 45 ألف دولار أسترالي، هو كل مدخراته بعد تسع سنوات من العمل كمهندس بترول.
اختصاص في هندسة البترول وخبرة تسع سنوات لم تساعد عمار في إيجاد عمل يناسب اختصاصه في أستراليا
وصل إلى أستراليا عام 2019 بعد انتظار خمس سنوات في تركيا، لكنه كان سعيدا ومستبشرا ببدء حياة جديدة في "بلاد الفرص".
وكان على عمار الابتداء من نقطة الصفر.
قام بمعادلة شهادة الهندسة التي حصل عليها من جامعة بغداد من وحدة معادلة الشهادات في ولاية فيكتوريا التي أقرت بأن الشهادة التي يحملها تعادل شهادة بكالوريوس.
لكن الحصول على المعادلة شيء وإيجاد عمل في مجال الاختصاص شيء آخر.
انضم عمار إلى بعض البرامج التدريبية، وحصل على عمل مع مجلس البلدية المحلي في مجال صيانة المواقع لمدة ستة أشهر. غير أن العقد انتهى، ولم يتمكن من الحصول على عقد آخر.
يقول عمار إنه يطمح بالعودة للدراسة والحصول على شهادة الماجستير في مجال هندسة البترول، وربما على شهادة الدكتوراه، لكن دون ذلك عقبات كثيرة ليس أقلها الحاجة إلى العمل من أجل تأمين مصاريف الحياة "الغالية في أستراليا" ومساعدة والدته وأخويه في تركيا.
"تكاليف المعيشة في أستراليا غالية جدا، وعلي أن أساند أمي وأخوي الذين ينتظرون المجهول في تركيا. حاولت الحصول على إذن خاص لتعجيل قدومهم ثلاث مرات لكن دون جدوى".
اختصاص في الهندسة في مجال النفط وتسع سنوات من الخبرة لم تساعد عمار في إيجاد عمل في هذا المجال في أستراليا، فلم يكن أمامه، في الوقت الحاضر على الأقل، إلا العمل في مجال آخر.
"أعمل حاليا كسائق سيارة أجرة مع شركة أوبر، لكن مرونة العمل وعدم التقيد بساعات دوام محددة تعطيني الفرصة للتقدم على وظائف أخرى، أو متابعة الدراسة ربما".
وخلال جائحة كورونا أوقفت أستراليا السفر ومنعت دخول آلاف الأشخاص الموجودين في الخارج نظرا لعدم وجود قدرة استيعابية كافية في أماكن الحجر الصحي المفروض على كل القادمين إليها والذين عليهم البقاء في الحجر لمدة أسبوعين في أماكن مراقبة مثل الفنادق والمنشأة الخاصة بهذا الغرض في مقاطعة أراضي الشمال.
ويناشد عمار الحكومة الأسترالية أن تنظر بالحالات الإنسانية خاصة للاجئين المنتظرين في دول الانتظار لأنه شخصيا عاش تلك المعاناة.
"أتمنى أن تنظر استراليا بحالة عائلتي وغيرها من عائلات اللاجئين الذين تم قبولهم للاستقرار في استراليا قبل جائحة كورونا، ما هو ذنبهم؟"
*عمار هو ليس اسمه الحقيقي.