لم يكن دوام غسان في العمل ذاك اليوم، لكنه اختار أن يعمل في الرابع من آب/أغسطس ليتمكن من الاحتفال بعيد "تجلّي الرب" في دير المخلص في جون، الدير الأم في بلدة غسان في قرية بنحلية الشوفية.
النقاط الرئيسية
- غسان حصروتي كان يعمل في مرفأ بيروت وقتل في انفجار الرابع من آب/أغسطس 2020
- بقي عالقًا تحت الأنقاض لمدة أسبوع كامل لكن العائلة لم تعرف أي خبر عن الوالد طيلة أربعة عشر يومًا
- ولد حفيده الرابع بينما كان الجدّ ما زال تحت الأنقاض
في الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت، وبغصة كبيرة، يشارك نجل الضحية إيلي حصروتي محطة أس بي أس عربي24، بأعمق مشاعر الحزن والغضب رحلة بحث عن أب وسند لمدة اسبوعين ويوجه رسالة إلى أهالي الضحايا مؤكدًا إصراره على اكمال مسيرة نضاله التي بدأت في الرابع من آب/أغسطس لمعرفة الحقيقة وإحقاق العدالة.
في الرابع من آب، كان إيلي في بلدته، في المنزل العائلي الذي بناه غسان والمكان المفضل لديه، بينما كانت العائلة في بيروت على بعد خمس كيلومترات من مرفأ بيروت.
اهتزت الأرض تحت قدمي إيلي مع سماع دوي الانفجار، فظنّ أنه عدوان مباشر على جبل الباروك. اكتشف بعد دقائق أن الانفجار كان في بيروت وتحديدًا في المرفأ مكان عمل والده.
هرع إيلي فورًا للاطمئنان على عائلته وعلى والده. انهمرت على الابن المفجوع اتصالات الاطمئنان في حين فقد الاتصال بوالده:
"كان الناس يتصلون بي ويسألونني عن والدي قائلين "أين البابا؟ الانفجار في المرفأ."بعد الاطمئنان على عائلته المصدومة ومساندتها وسط دمار المنزل، بدأت رحلة البحث الطويلة عن الوالد، والتي استغرقت أربعة عشر يومًا كانت أشبه بكابوس:
Beirut blast victim Ghassan Hasrouty. Source: Elie Hasrouty
"توزعنا على مجموعات للبحث في المستشفيات ووضعنا صورة الوالد على صفحات التواصل الاجتماعي لتسريع البحث عنه"
ظنّ إيلي أنه مع بزوغ فجر الخامس من آب، سيبزغ فجر من الأمل مع خبر العثور على غسان، إلا أن الانتظار طال وطال كثيرًا، لكن العائلة أبت إلا أن تتمسك بالأمل رغم الألم، اذ غسان "حارس القمح" في إهراءات المرفأ الذي ناضل طيلة فترة الحرب كي لا يفرغ معجن الوطن، سيناضل تحت الأنقاض.
14 غروبًا وحارس القمح لم يعد
بغصّة كبيرة، روى إيلي تفاصيل البحث العقيم عن والد وسند طيلة فترة أسبوعين وفي قلب الانتظار المؤلم، اختارت الحياة أن تقول كلمتها بولادة الحفيد الرابع لغسان:
في ليلة 9 آب، حملت شقيقتي التي شارفت على الولادة إلى مستشفى. لم أكن أتوقع يومًا أن أعيش هذا الواقع في حياتي. صعوبة الوضع كانت تفوق الطبيعة
وصف إيلي رهبة تلك اللحظات قائلًا: "صدمت بواقع مؤلم لم يكن في الحسبان يومًا. فاختلطت تعزية الأحباء مع مباركاتهم."
انتظار الموت أم موت الانتظار؟
في اليوم الرابع عشر من جلجلة الانتظار، ورد اتصال من قوى الأمن يبلغ العائلة عن تطابق بين الحمض النووي لإحدى الجثث والحمض النووي للابن إيلي.
وكأن الموت البطيء كان على مراحل. في 20 آب، كان الوداع الأخير والعبور لحارس القمح في كنيسة سيدة البشارة التي شيدها في قريته وادي بنحلية.
Beirut blast victim lovingly surrounded by his family. Source: Elie Hasrouty
النضال لإحقاق الحق
لم يكن يتخيل أن يصل ما وصفه بإجرام السلطة الحاكمة إلى هذا الحجم، في إشارة منه الى التحقيقات المتعثرة حول أسباب الانفجار الذي دمر ثلث مدينة بيروت وتسبب بالكثير من 200 قتيل وآلاف المصابين والجرحى وأضرار جسيمة بالممتلكات والبيوت.
"لم أكن أتصور أن من يرتكب مجازر في حق اللبنانيين، سوف يصل إجرامه لحجم تفجير مرفأ بيروت."
وأضاف: "نحن في مواجهة مع وحش، لكن هذا الوحش لن يمنعنا من أن نعيش إنسانيتنا. أدعو الجميع لأخذ موقف يحمي إنسانيتهم"
ماذا يقول ايلي اليوم لـ "أبو إيلي"؟
بغصة كبيرة سكب إيلي مشاعر اشتياقه لأب كان مثالًا للأمانة والعطاء والقيم. يعانق الابن أمانة والده في تفاصيل تخاطبه اليوم بعد رحيله، ويقول:
"كم أتمنى لو كنت اليوم قادرًا أن أغمره وأقول له كم أحبه، أتأمل بأمانته لي وللعائلة حتى الرمق الأخير، إذ قتل والدي وهو يؤدي واجبه من أجل أولاده، من أجلي."وتابع قائلًا: "أريد أن أكون أنا، ثمرة حبه مع الوالدة، أمينًا للحياة التي أعطاني إياها"
Beirut blast victim Ghassan Hasrouty with his wife, children and grandchildren. Source: Elie Hasrouty
إيلي بعد الرابع من آب
بعد سنة على انفجار مرفأ بيروت، مات جزء من إيلي في الرابع من آب. يحمل إيلي اليوم في ذاته قصة ألم وظلم ونضال عبّر عنها في هذه الكلمات قائلًا:
أريد أن أقول لأمهات الضحايا إني متُّ. إيلي قبل الرابع من آب مات، لكن إيلي الذي يولد اليوم أنضج وأعمق
وتابع قائلًا: "أنا أقتل كل يوم عندما أرى موقف السلطة."
وختم بدعوة لحمل نبض الضحايا وإرثهم قائلًا: "أدعوهم لأن نسير هذه المسيرة في قلب الحزن لنكتشف الكنوز التي تركها لنا من سبقونا في قلوبنا."