حروب المواجهة: كيف قضى الأوروبيون على 90 في المائة من السكان الأصليين في أستراليا؟

Frontier wars

Slaughterhouse Creek Massacre of 1838, NSW by Godfrey Charles Mundy Source: Australian War Memorial (Commons Wikimedia)

الحلقة الثانية من بودكاست الأصليون تعرض تاريخ حروب المواجهة بين المستوطنين الأوروبيين والسكان الأصليين بعد وصول الأسطول الأول لسواحل أستراليا الشرقية


أعلن الكابتن جايمس كوك خضوع أستراليا للتاج البريطاني عام 1770، وقام برفع خريطة القارة الجديدة وجمع معلومات عن الحياة البرية والطبيعية بها.

لكن الاستقرار البريطاني في أستراليا لم يحدث حتى عام 1788، أي بعد وصول كوك الأول بثمانية عشر عاما كاملين.

الدافع الرئيسي للاستقرار كان إنشاء مستوطنة عقابية للمحكومين، خاصة بعد استقلال الولايات الأمريكية في حرب الاستقلال عام 1783، والتي كانت تستخدم لهذا الغرض.

السبب الثاني كان رغبة القادة البريطانيين في انشاء مستعمرة لتسهيل عمليات البحرية البريطانية ضد المستعمرات الإسبانية في أمريكا الجنوبية خاصة في تشيلي والبيرو.

الدكتور أحمد شبول رئيس قسم الدراسات العربية والإسلامية السابق في جامعة سيدني قال إن المحكومين الذين تم إبعادهم إلى أستراليا، كان أغلبهم من مرتكبي السرقات البسيطة، خاصة من الإيرلنديين.
جهزت بريطانيا بالفعل أول أسطول لاستيطان أستراليا تحت قيادة الكابتن آرثر فيليب والذي غادر ميناء بورتسموث في الثالث عشر من مايو أيار عام 1787. كان الأسطول الأول أو First Fleet مكون من 11 سفينة، منها سفينتان حربيتان وثلاث سفن للمؤن وست سفن للمحكومين وعددهم أقل من ألف شخص.

دخل أسطول فيليب إلى Botany Bay التي وصفتها خرائط جايمس كوك، لكنه وجد المنطقة أصغر مما يرغب من أجل رسو الأسطول وبدأ الاستيطان. أبحر فيليب شمالا حتى دخل Port Jackson في السادس والعشرين من يناير كانون الثاني عام 1788 وهو التاريخ الذي يتم الاحتفال فيه بيوم أستراليا الوطني.

منطقة بورت جاكسون هي التي تضم الآن معالم مدينة سيدني الرئيسية مثل دار الأوبرا و Circular Quay وDarling Harbour.

حروب المواجهة

لم يندلع الصراع بين الأوروبيين والسكان الأصليين فور وصول الأسطول الأول، لكن الأمر لم يستغرق طويلا. الدكتور شبول قال إن وصول أشخاص أحرار إلى المستعمرة الجديدة ومنح المزيد من الأراضي للأوروبيين لتحويلها إلى مزارع، عجل من وتيرة الصدام مع السكان الأصليين.

الحروب بين الطرفين التي عرفت باسم حروب خطوط المواجهة أو Frontier Wars استمرت في الفترة بين 1788 و1934، وراح ضحيتها ما يقارب 20,000 من السكان الأصليين و2500 أوروبي.

بعض التقديرات رفعت ضحايا السكان الأصليين إلى 60,000 والبعض الآخر قال إن خسائر الأوروبيين كانت في حدود 5000 شخص.
Rufus River Massacre.
Rufus River Massacre in Victoria. Source: Sovereign Union/State Library of Victoria
ارتفعت وتيرة الهجمات على السكان الأصليين مع التوسع الأوروبي، فطبقا للمؤرخ نيكولاس كليمنت كان إجمالي الهجمات في عام 1824 يقدر بنحو 20، وقد زادت تلك الهجمات خلال ست سنوات لتصل إلى 259 في عام 1830.

كان عدد السكان الأصليين عند وصول الأوروبيين حوالي 750,000 شخص ولكن هذا العدد انخفض بنسبة 90 في المائة في الفترة بين 1788 وحتى 1900.

وبجانب المجازر التي تعرض لها السكان الأصليين فإن أحد العوامل التي ساهمت في القضاء عليهم بأعداد كبيرة هي الأمراض المعدية التي جلبها الأوروبيون.

الأمراض المعدية

لم تعرف قارة أستراليا أغلب الأمراض المعدية التي كانت منتشرة في العالم القديم، وبالتالي لم يكن لدى شعوب السكان الأصليين المناعة لمقاومتها.

ومع وصول الأوربيين بدأت أمراض مثل الإنفلونزا والحصبة والجدري والسل تقضي على السكان الأصليين بأعداد كبيرة.
Fighting near Creen Creek, Queensland in September 1876.
Fighting near Creen Creek, Queensland in September 1876. Source: Supplied
وإلى الآن لم يتم حسم الجدل حول إن كان الأوروبيين قد تعمدوا نشر تلك الأمراض في مجتمعات الشعوب الأولى، خاصة الجدري الذي تحول إلى وباء فتك بالسكان الأصليين في نيو ساوث ويلز وفيكتوريا وكوينزلاند.

الحرب السوداء في تسمانيا

أبرز المواجهات بين الأوربيين والسكان الأصليين وقعت في جزيرة تسمانيا، وهي ما تعرف باسم الحرب السوداء أو Black War في الفترة من 1824 وحتى 1831.

كانت شعوب السكان الأصليين تتراوح أعدادهم بين 1000 إلى 1200 شخص مقسمين إلى تسع أمم، لكن الحرب أودت بحياة 1000 شخص، وهو ما يعني أن أغلب السكان الأصليين قد راحو ضحيتها.

من تبقى منهم، تم نقله إلى مستوطنات خاصة في جزيرة فليندرز وهناك فتكت الأمراض بأغلب الموجودين.
Palawa
An illustration of early interactions with Tasmania's Palawa people. Source: Various
الدمار الذي لحق بالسكان الأصليين لم يقتصر على الأعداد ولكنه أيضا طال ثقافة وحضارة غنية، تم محوها ولم يصلنا منها شيء.

خلال جيل واحد كانت أعداد المتحدرين من شعوب تسمانيا الأصليين معدودين على الأصابع، وإلى اليوم هناك نقاش حول إن كان هناك أي من سكان تسمانيا قد نجوا من تلك الحرب.

مجازر متلاحقة في كوينزلاند

تلاحقت المجازر في أستراليا مع توسع الاستيطان الأوروبي، وكانت تحدث نتيجة احتكاكات بين المستعمرين والسكان الأصليين. من أبرزها مجزرة Pinjarra عام 1834 في غرب أستراليا، ومجزرة Appin في نيو ساوث ويلز عام 1816.

لكن المجازر الأكثر قسوة حدثت في كوينزلاند، ومن أشهرها مجزرة Hornet Bank في وسط كوينزلاند عام 1857. في هذه الواقعة، قام مستوطن أوروبي اسمه ويليام فرايزر بقتل 12 شخصا من أحد شعوب السكان الأصليين، فقاموا بالرد وقتلوا ثمانية من أفراد عائلته.

استعان فرايزر بأحد المسؤولين في الولاية وهو Thomas Lodge Murray-Prior والذي خطط ونفذ مجزرة راح ضحيتها 300 من السكان الأصليين وشارك فيها رجال الشرطة والمستوطنين الأوروبيين.

الباحثة Eva Fesl من السكان الأصليين قالت إن عدد من قتلوا يصل إلى 500 شخص.
Frontier Wars
Frontier Wars Source: National Library of Australia
وفي منطقة Kilcoy و Whiteside في كوينزلاند وقعت حادثتين، حيث تم توزيع دقيقا مسموما بمادة الاستركنين على السكان الأصليين ما أدى إلى وفاة ما يقارب 150 شخصا.

ولعل آخر مجزرة كبيرة شهدتها أستراليا هي مجزرة Coniston عام 1928 في مقاطعة أراضي الشمال، حيث أدى مقتل أحد الصياديين الأوروبيين ويدعى Fred Brooks إلى أعمال انتقامية من قبل البيض.

وقام الشرطي الخيال George Murray بقيادة مجموعة من الأشخاص للانتقام حيث قاموا بقتل أكثر من 60 شخصا من شعوب Anmatyerre, Kaytetye, Warlpiri من السكان الأصليين.
frontier Wars
'Warriors of New South Wales' by Dubourg 1786-1808 Source: National Library of Australia
وحتى الآن لم يتم الاعتراف بحروب خطوط المواجهة، كحروب خاضتها أستراليا ضد السكان الأصليين. أيضا لم يتم توقيع معاهدة حتى الآن بين السكان الأصليين والحكومة الفيدرالية لتنظيم عملية انتقال السيادة على أراضي القارة إلى الحكومة الحالية، وبالتالي فإن الكثير من السكان الأصليين يعتبرون أنفسهم اليوم مستمرين "بروح المقاومة" لاستعادة أراضيهم.


شارك