عاش الفلسطيني مروان عكرماوي حياة مملؤة بالفن، فالمهنة خياط والهواية مطرب، وكلاهما يحتاج إلى قدر كبير من المهارة والإحساس بالجمال. قضى عكرماوي أكثر من 48 عاما في أستراليا، لكن السفر والانتقال ليس جديدا عليه، فهو يصف نفسه قائلا "الغربة في دمي".
ولد عكرماوي في بلدة عين كارم في قضاء القدس، ونشأ وترعرع في محيط المدينة العتيقة، لكن وفاة والده حرمته من استكمال التعليم. وقال عكرماوي في حديث لأس بي أس عربي24 "الوالد اتوفى، فغادرنا المدرسة من أجل العمل، حتى نتمكن من العيش والمساعدة، وما شاء الله أنا واحد من ثمانية أطفال."
كان نصيبه العمل مع خال له في الخياطة، وهي المهنة التي سيبرع فيها لاحقا ويكون سمعة كبيرة في مدينة سيدني، على بعد آلاف الكيلومترات من المكان الذي تعلم فيه الحرفة لأول مرة.
يتذكر عكرماوي فترة الصبا قائلا "كنا نعيش بالقدس، وانتقلت إلى جنين، ثم ذهبت إلى عمان الأردن والعقبة، وأمضيت بعض الوقت في لبنان، ثم توجهت إلى العراق، حيث عملت هناك لفترة."
ولكن كغيره من الفلسطينيين قلبت حرب 1967 حياته، حيث قال "تعرف المعاناة واللاجئين والمخيمات والحصول على الإعانات وكل العذاب والحاجة، ما الذي يمكن أن أقوله عن المأساة الفلسطينية خلال السبعين أو الثمانين عاما التي مرت."كان لمروان أخ موجود في أستراليا، ومن خلال الخطابات المتبادلة، أقنعه أخوه بالقدوم إلى تلك البلاد الجديد، بل وبدأ في إجراءات الحصول على تأشيرة لمروان. وبالفعل في الثاني والعشرين من يوليو تموز عام 1972، حط عكرماوي الرحال في مدينة سيدني.
مروان عكرماوي عاش حياته بين حرفته كخياط وموهبته كمطرب Source: Supplied
يتذكر هذا اليوم "أول ما وصلت، كنت أرغب بالعودة، لأني وصلت في شهر سبعة وأنا كنت أعيش بالعراق." وأضاف "في العراق، هذا الشهر حار للغاية وهنا العكس تماما، فأنا بمجرد ما خرجت من المطار، شعرت ببرد قارس ولم أكن ارتدي طبقات من الملابس تحمينا، فكان أول خاطر في ذهني: هل هذه هي أستراليا؟ وفكرت فعلا في العودة."
لم تكن تلك هي نهاية المتاعب، فمروان لم يخبر أخيه أنه قادم إلى أستراليا، وفكر أن يجعلها مفاجأة. الخطة كانت أن يحمل معه العنوان الذي يراسل أخيه عليه، ويصل إلى أستراليا، ومن المطار إلى هذا العنوان ليجده أخيه على عتبة بابه.
وقال عكرماوي "فوجئت أن العنوان الذي أحمله هو عنوان مكتب بريدي، وكان وصولي يوم السبت والمكتب يغلق أبوابه مبكرا، فتورطت أنا وسائق التاكسي." وأضاف "سائق التاكسي كان يونانيا، فظل معي وبدأ يفتش عن أي أماكن للعرب في المدينة، حتى وجد أصحاب محل للخضار من بيت الخير، وحكى لهم قصتي، فقالوا له اتركه عندنا."
وقال "بدأوا يبحثوا معي عن أخي، لم نجده، ولكننا وجدنا جماعة يمكن أن يعرفوه، واستقبلني شخص في بيته اسمه صياح سكرية، وبدأ يبحث معي حتى وصلنا إلى أخي وسارت الأمور على خير."كانت أول أيام لعكرماوي في سيدني هي الأصعب، فالأمور سارت بشكل جيد منذ ذلك الحين: "الشيء الجيد أنني وجدت عمل مباشرة بعد وصولي، صحيح كنت اتحدث بالإشارة ولكن لا يهم، استمريت في العمل في إحدى شركات الخياطة."
موهبة مروان عكرماوي الغنائية حققت له شهرة في أوساط الجالية العربية وجوائز من الوطن الأم Source: Supplied
وقال مروان "استغرق الأمر عاما من أجل أن أشعر أنني تأقلمت على الوضع، والفضل في ذلك يعود إلى انغماسي مباشرة في العمل."
ولجه مروان التحديات التقليدية للمهاجرين من لغة وتعود على المكان وصعوبة التنقل وفهم نظام الحياة في تلك البلاد الجديدة. وقال "كان في ذهني أن أستراليا هي جنة الله في الأرض، وبالفعل لم يخب ظني ووجدت ما توقعت حقيقيا."
وقال "أول شيء فكرت فيه من أجل الاستقرار أن أتزوج وافتح بيت، حتى لا تضيع حياة الإنسان." وأَضاف "بعد سنوات من العمل قررت أن افتح مصنعا للجينز في سيدني وبدأ العمل يزدهر."
كان على مروان أن يأخذ قرارا صعبا مع بدأ مغادرة المصانع لأستراليا، حيث كانت المعامل الصغيرة تتعرض لضغط كبير: "قلت لنفسي لماذا يجب على أن انتظر حتى تنهار تجارتي، أنا في الأصل خياط، فقمت بغلق المصنع واشتريت محل في السيتي، وفتحته خياط."
هذا المحل هو الذي صنع اسم عكرماوي في سيدني كأحد أفضل خياطي البدلات في المدينة: "حتى الآن وبعد خمس سنوات من تقاعدي، لا يزال أسمي موجود مثل الدولار الذهب."
كانت لمروان حياة موازية كمطرب وفنان يحيي الحفلات في سيدني، بدأت تقريبا بمجرد وصوله إلى سيدني.
وقال "عندما وصل أخي إلى أخيرا، كان الناس الذين استقبلوني لديهم حفل، وكان في وقتها هناك الكثير من الحفلات في المدينة، وكل أسبوع هناك موسيقى ومطربين وخلافه." وأضاف "اقترح أخي ونحن جالسين معهم، أن أغني في تلك الحفل، وبالفعل رحبوا ومن هنا بدأت رحلتي مع الغناء في سيدني."
غنى عكرماوي لعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، ولاقى استحسان كبير لدى أبناء الجالية، وحتى أنه بدأ في تسجيل أغانيه الأصلية.وقال عكرماوي "كنت أحيي الكثير من الحفلات، والكل كان يعرفني ولدي جمهور هنا في سيدني، ولكن في الألفينات وجدت أنني قد كبرت وأصبحت غير قادر على الوقوف في المسرح وقررت الاعتزال."
مروان عكرماوي عاش حياة حافلة بالتنقل والفن Source: Supplied
لكن مكالمة هاتفية من الصحفي عبد الفتاح حمدي جعلته يعيد التفكير في الأمر، ويبدأ في عمل أغاني خاصة به. وبدأ عكرماوي في مراسلة الإذاعات العربية لإذاعة أغانيه.
وقال "الفضائية الفلسطينية أعجبتهم أغنية "مش هنسى" فاتصلوا بي وقالوا إنهم يرغبون في تصوير الأغنية فيديو كليب، فوافقت، ثم اتصلوا بي ليخبروني أنهم يرغبون في تقديم الأغنية في مهرجان ياسمين الخيام في تونس، وهو مهرجان دولي للأغنية."
كان ذلك في عام 2004 وكانت المفاجأة أن الأغنية ربحت المركز الأول: "تفاجأت لأنني أول فنان من المهجر يرسل أغنيته إلى الوطن ويحصل على الجائزة الأولى." وأضاف "بدأ اسمي ينتشر وتكون هناك دعايات للأغنية، ودخلوا بها مهرجان آخر في القاهرة وحصلت على المركز الثالث."
الآن عندما يتأمل مروان عكرماوي مشواره، يعتبر أن أهم شيء يجب أن يتحلى به المهاجر هو الثقة بالنفس، وعدم الانجراف: "يجب أن يضع الإنسان استراتيجية ويسير عليها، ولا يسمح لأي شيء بإيقافه."