"سأجوب بها كل أستراليا": لاجئة فلسطينية تنجح في افتتاح عربة طعام بعد خمس سنوات من العمل

GFX 250924 ARB Falastinian Kitchen Header.jpg

عملت عاهدة بجد واجتهاد على مدار خمس سنوات حتى تمكنت من جمع المبلغ المطلوب لشراء عربة طعام.


اقتربت عاهدة نعمان بخطوات ثابتة من اللوحة الكبيرة الموضوعة على الرصيف والتي اختير مكانها بعناية لتواجه المارة والسيارات في الشارع الجانبي الضيق في حي برانزويك في ملبورن. ويالها من مصادفة أن اسم الشارع هو Hope street أو "شارع الأمل".

تحمل اللوحة صورا مبهجة تعكس الثقافة الفلسطينية بحيث لا يمكن أن تخطئها العين: عجوزان يرتديان الزي التقليدي وصورة لمسجد قبة الصخرة بقبته الذهبية المميزة وصورا لعاهدة تطهو وتقدم الطعام وبعض الشهادات التي حصلت عليها بعد وصولها إلى أستراليا.
IMG_8960.jpg
عاهدة نعمان تتحدث عن الصورة المعلقة على اللوحة Credit: Dina Abdel-Mageed
لم تفوت عاهدة - التي كانت ترتدي جلبابا أسودا مطرزا بالتطريز الفلسطيني المميز - فرصة الحديث عن الصور للزبائن الذين كانت أعدادهم قد بدأت في التزايد بالفعل.

قالت عاهدة وهي تشير إلى الصور بفخر: "هذان هم جدي وجدتي."

"أشعر بمشاعر متضاربة للغاية الآن. فهو مزيج من الفرح والخوف. أخيرا وصلت لهدفي بعد خمس سنوات ولكني لا زلت لاجئة وأفتقد وطني وعائلتي."

"أشعر بالفرح بعد أن رأيت هذه الأعداد الكبيرة من الناس. لم أكن أتوقع ذلك."

كان على عاهدة الإسراع بالدخول إلى عربة الطعام التي كتب عليها بحروف عربية "المطبخ الفلسطيني" كي تبدأ في إعداد الطعام لطابور من الناس كان قد وصل لآخر الرصيف بالفعل.
LISTEN TO
Aheda interview web.mp3 image

من الخليل إلى ملبورن: كيف حملت هذه السيدة دفء فلسطين إلى أستراليا عبر حبها للطهي

SBS Arabic

13/12/202208:39
ارتدت عاهدة مريولا أبيض وبدأت بسرعة في غرف المنسف والفلافل في الأطباق بينما دوت "زغروطة" في الخلفية أطلفتها إحدى صديقات عاهدة.

تقول عاهدة ضاحكة وهي تضع الطعام في الأطباق: "أتمنى أن يكفي الطعام كل هؤلاء. لقد طهيت خروفين كاملين وأعددت كمية كبيرة من الفلافل. أتمنى أن يعجبهم طعامي."

"أود أن أشكر كل من ساعدني ليس فقط بالأموال ولكن أيضا بشراء الطعام مني ومساعدتي على تحقيق حلمي."

عندما وطأت قدما عاهدة أرض أستراليا لأول مرة عام 2019 لم تكن اللاجئة الفلسطينية تتوقع أبدا أن تحقق مثل هذا النجاح.

بدايات صعبة

بعد وفاة زوجها وسفر أبنائها وإخوانها خارج فلسطين جعلت عاهدة نعمان مهمتها هي رعاية والدتها. ولكن بعد سفر والدتها إلى الولايات المتحدة ليجتمع شملها ببعض أفراد الأسرة وجدت عاهدة نفسها وحيدة في مدينتها مدينة الخليل.

تقول عاهدة لأس بي أس عربي: "كان علي اتخاذ خطوات لدفع حياتي نحو الأفضل وحتي أستطيع البقاء على اتصال مع أبنائي."

عقدت عاهدة العزم على السفر إلى أستراليا وبدأت في الاستعداد ولكن البعض كان يرى أنها خطوة "لا داعي لها".

تقول عاهدة: "لم تكن والدتي مقتنعة بقراري وظلت تتساءل عن جدواه. كما قال لي البعض أني كبيرة في العمر."
IMG_8975.jpg
توافد الزبائن على عربة الطعام الخاصة بعاهدة Credit: Dina Abdel-Mageed
لكن عاهدة لم تتراجع عن قرارها ومضت قدما فيما عزمت عليه حتى وصلت أستراليا منذ خمسة أعوام.

وكما هي العادة لم تكن البداية سهلة.

"شعرت بالقلق في البداية بالطبع. أتيت إلى بلد مختلف العادات والتقاليد واللغة."

حاولت التأقلم ولكن الأمر كان صعبا للغاية. احتجت لتعلم الكثير من الأشياء."

في ملبورن ايقظت عاهدة شغفها الذي حملته عبر القارات من فلسطين إلى السعودية ثم إلى أستراليا.

"جعلني والدي أدرس تخصصا لا أحبه لأنه كان يرى أن المؤهل الدراسي يوفر حماية للفتاة من المستقبل. ولكن شغفي الحقيقي ظل الطبخ."

تحكي عاهدة كيف أنها أحبت المطبخ منذ نعومة أظافرها.

"حبي للطبخ الفلسطيني بدأ وأنا عمري 12 عاما. كنت أقف بجانب أمي وجدتي وأتعلم."

لكن عندما انتقلت عاهدة إلى ملبورن فوجئت بعدم وجود مطاعم فلسطينية.

"بحثت عن مطاعم للأكل الفلسطيني. كنت أريد أن أذهب وأتناول إفطارا فلسطينيا مثلما كنت أفعل في بلدي. كنت أريد أكل الحمص والفلافل والفول والأكلات الفلسيطينية التقليدية."

"أخبرني الناس أن هناك مطاعم تقدم طعاما لبنانيا أو شرق أوسطيا ولكني لم أجد أية مطاعم فلسطينية."

ما هو الطعام الفلسطيني؟

شئنا أم أبينا تجد تعقيدات السياسة طريقها إلى المطبخ.

وصف طعام بأنه فلسطيني قد يختلف عن وصف أي طعام آخر من أي بلد آخر حيث يرتبط في أذهان الكثيرين بالصراع القائم في الشرق الأوسط الذي يتعدى كونه صراعا سياسيا حيث تتحول الهوية في حد ذاتها إلى ساحة تنازع.

بحسب جريدة فإن "الطعام الفلسطيني لا يزال نادرًا في الغرب" على الأقل تحت ذلك المسمى وغالبًا ما يتم إدراجه تحت مسمى طعام "شرق أوسطي" أو حتى تحت مسمى "طعام البحر الأبيض المتوسط" الأكثر قبولا لتجنب "الصور النمطية الغربية السلبية".

من المؤكد أن هناك تشابها بين تقاليد الطهي الأخرى في بلاد الشام وبين المطبخ الفلسطيني ولكن تقول عاهدة إن الطعام الفلسطيني يتمتع بملامحه الخاصة.

عندما لم تجد عاهدة ضالتها تبلورت لديها الفكرة وبدأت في العمل على تعريف الناس بالطعام الفلسطيني.

في البداية عملت عاهدة كمتطوعة في Asylum Seeker Resource Centre (ASRC) وكانت تقوم بطهي الأكلات الفلسطينية.

"بدأ الناس شيئا فشيئا بالتعرف على الأكلات التقليدية الفلسطينية وأعجبوا بها كثيرا وبدأت في تقديم دروس في الطبخ الفلسيطيني."
بدأت عاهدة في تقديم دروس في الطبخ الفلسطيني بشكل مستقل بعد أن حققت نجاحا كبيرا.

وعندما يسألها الناس عن سر الطعم المميز لطعامها تقول عاهدة إن لديها سران وليس سرا واحدا.

"أولا استخدم يداي بدلا من أدوات المائدة وأطهو الطعام بالشكل الفلسطيني التقليدي وثانيا أضع كل حبي وقلبي في الطعام."

"أقدم دروس الطبخ ليس فقط من أجل المال ولكن ليشاركني الناس في الطعام الفلسطيني وفي الحب الذي أضعه في الطعام. إنه شعور رائع أن أرى البسمة على وجوه الناس."

خمس سنوات لجمع المبلغ

عملت عاهدة بجد واجتهاد على مدار خمس سنوات حتى تمكنت من جمع المبلغ المطلوب لشراء عربة طعام لتقديم الطعام الفلسطيني والتي تقول إنها تطمح أن "تسافر بها عبر جميع أنحاء أستراليا".

آبي ريتش فنانة تعرفت على عاهدة في ملبورن وعملت على دعمها في تحقيق حلمها بطرق مختلفة.

تقول آبي: "تعرفت على عاهدة عن طريق شريكي سام الذي يعمل مصورا والذي قام بتصوير عاهدة العديد من المرات."

"تقاربنا وأصبحنا أصدقاء في الخمس سنوات الماضية."

فرحت آبي للغاية عندما علمت أن عاهدة تمكنت من شراء عربة الطعام الخاصة بها وقررت المساعدة.

"سألتها ماذا ستضعين على العربة فسألتني إذا كنت أود المساعدة في طلائها وتزيينها فأخبرتها أن هذا سيكون أفضل شيء حدث لي على الإطلاق."

"سألتها عن كيف تريد أن يكون شكل العربة واتفقنا معا على الشكل النهائي."
ASSEMBLY.00_34_42_12.Still006.jpg
آبي ريتش وعاهدة نعمان Credit: Sam Biddle
أرادت عاهدة أن تكون هناك كتابة عربية على العربة لذلك كان عليها المساعدة في عملية الطلاء.

تقول آبي: "لا أعرف اللغة العربية لذا ساعدتني عاهدة في كتابة الكلمات العربية التي أرادت وضعها على العربة."

استغرق الطلاء أكثر من أسبوع ولكن كان يمكن أن يستغرق أقل من ذلك."

تشرح آبي ضاحكة: "قضينا الكثير من الوقت في الحديث وتناول طعام عاهدة اللذيذ ولذلك استغرق الأمر وقتا أكثر مما كان متوقعا."

"كتبت كلمات with love باللغة الإنجليزية لأن عاهدة دائما ما تتحدث عن الحب الذي تضعه في طعامها وأيضا هي إنسانة محاطة بكثير من الحب والفن نفسه تعبير عن الحب."

"رسمت غصن الزيتون والكوفية الفلسطينية على العربة وكتبت عاهدة "المطبخ الفلسطيني" بحروف عربية."

تعرفت آبي على الثقافة والطعام الفلسطيني لأول مرة من خلال صداقتها مع عاهدة.

"كسيدة بيضاء من نسل المستعمرين تعيش في أستراليا لم أكن أعرف الكثير عن الفلسطينيين."

"لدينا تاريخ استعماري مشابه هنا في أستراليا مع السكان الأصليين والكثير من قصص سرقة الأرض والإبادة تحجب عنا لذلك لا نتعلم الكثير عن التاريخ الفلسطيني."

"اليوم لدي الكثير من الحب والفهم للطعام الفلسطيني والثقافة الفلسطينية."

 أكملوا الحوار عبر حساباتنا على و

اشتركوا في لتشاهدوا أحدث القصص والأخبار الأسترالية.

شارك