في قلب حي سانت كيلدا النابض بالحياة في ملبورن، يمتلئ مقهى في أحد الأزقة برائحة التوابل العربية الغنية.
إنه مقهى Flavours of Syria أو نكهات سوريا، المزين برسومات الحائط المبهجة الملونة. ولكن المقهى ليست مجرد مكان لتناول الطعام، بل هو أيضا شاهد على قوة وشغف نيران طبيعي وهي امرأة عربية قررت عدم التخلي عن حلمها رغم الصعاب.
"نحضر معنا البهارات والابتسامة. إنها ليس فقط مصلحة تجارية، إنه طفل يكبر."
"لقد كنت فقط طالبة لجوء لا يعرف عنها أحد شيئا والآن أدير مقهى ذا حوائط ملونة جميلة يجلب الفرح للمجتمع المحلي."
في يوم المرأة العالمي، نلقي نظرة على الرحلة الملهمة التي قطعتها نيران طبيعي، التي حولت رحلة هروبها من سوريا التي مزقتها الحرب إلى طعام لذيذ يربط بين الثقافات والمجتمعات.
نيران طبيعي في مقهى نكهات سوريا في سانت كيلدا
شجاعة امرأة
ولدت نيران ونشأت في دمشق، وعاشت حياة هادئة حيث كانت تدير مقهى وتجارة مزدهرة لعمل وتوصيل البقلاوة. ولكن اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011 قلب حياة نيران وأسرتها رأسا على عقب.
تقول نيران: "كنا نعيش في منطقة داريا وكانت منازلنا قريبة على الجبال وكنا نتعرض لهجمات متكررة من تنظيم داعش."
"حاولوا الحفر تحت منازلنا للوصول إلى المدينة. كما كنا نتعرض لهجمات متكررة من مسلحين."
مع تصاعد العنف، تعرض منزل نيران وعملها للقصف، مما أجبر عائلتها المكونة من ستة أفراد على اللجوء إلى لبنان. لكن رحلتها المحفوفة بالمخاطر لم تتوقف عند هذا الحد. فقد حملتها محاولة النجاة بحياتها وحياة أسرتها إلى بلدان متعددة بحثًا عن الاستقرار.
كانت المحطة الأولى في لبنان حيث قرر الوالدان منح ثلاثة من أولادهما بعض الاستقرار.
"أرسلنا الصبية وهم في عمر 13 و11 و7 مع جدتهم للحياة في إيران حتى تستقر أوضاعنا بعض الشيء."
"كان قرار صعبا ولكن رأينا أن ذلك كان أفضل لهم."
LISTEN TO

"هذا خط أحمر": هل الفتيات العربيات في أستراليا ممنوعات من الحب؟
SBS Arabic
04/04/202316:42
انتقلت الأسرة من لبنان إلى تايلاند ثم إلى إندونيسيا حيث لجأت إلى هيئات الإغاثة الدولية في بالي لكنها لم تتمكن من الحصول على وضع قانوني يسمح لها بالاستقرار.
تقول نيران: "أخبرونا أن الحصول على أي وضع قانوني كلاجئين قد يستغرق أعواما. قالوا لنا أن الوضع في إيران وسوريا مستقر وحالوا إقناعنا بالعودة أدراجنا."
"لم يكن لدينا من الوقت سوى خمسة أيام لنقرر الخطوة القادمة. كانت داعش خلفنا والبحر أمامنا."
قرار حياة أو موت
بلغت رحلة عائلة نيران ذروتها في الخامس عشر من أكتوبر عام 2012 عندما قررت أن تخوض رحلة بحرية محفوفة بالمخاطر من إندونيسيا إلى أستراليا.
بعد تردد قررت نيران ركوب قارب هجرة غير شرعي بصحبة زوجها وطفلتها الصغيرة.
وكأن ما عاشته الأسرة من مآسي لم يكن كافيا، فقد رأى الثلاثة الموت بأعينهم عدة مرات وسط المحيط وظلوا لساعات في انتظار من ينقذهم.
تقول نيران: "انقلب القارب بنا وكدنا نموت ولكن تمكنا من قلبه. كنت أحمل ابنتي على صدري لتنجو هي وتعيش حياة أفضل حتى لو مت أنا."
"بعد وصولنا عند نقطة معينة قام المهربون بكسر القارب حتى تأتي قوات حرس الحدود وتنقذنا. بقينا في الماء حوالي نصف يوم وأدمت الصخور أرجلنا عندما كنا نحاول السباحة للنجاة بأنفسنا."
وصلت قوات حراس الحدود الأسترالية وتمكنت من إنقاذ عدد من ركاب القارب الذين فقد أكثر من نصفهم حياته.
"كان على القارب حوالي 100 شخص ولكن لم ينج منهم سوى 38. لم تكن هناك سترات نجاة تكفي الجميع ولم يتمكن البعض من السباحة."
في النهاية وصلت نيران وزوجها وابنتها إلى جزيرة كريسماس.
في قلب حي سانت كيلدا النابض بالحياة في ملبورن، يمتلئ مقهى في أحد الأزقة برائحة التوابل العربية الغنية.
قضت الأسرة عدة سنوات في مراكز احتجاز للاجئين في عدة ولايات كانت نيران خلالها حريصة على المشاركة في العمل المجتمعي من خلال الطهي وحتى القيام بالترجمة لطالبي اللجوء الآخرين.
تمت إعادة توطين أسرة نيران في ملبورن، ووجدت السيدة السورية نفسها مضطرة لإعادة بناء حياتها من الصفر.
مستفيدة من حبها العميق للطهي وتراثها السوري الغني، بدأت نيران في التطوع مع منظمات مثل Salvation Army، وفي مشاركة مهاراتها في الطهي للتواصل مع المجتمع.
سرعان ما قادتها موهبتها إلى Free to Feed، وهي مؤسسة اجتماعية تعمل على تمكين اللاجئين من خلال دروس الطهي.
كمدربة طبخ، وجدت نيران متعة في تعليم الآخرين.
نكهات سوريا: حلم يتحقق
بدأت نيران في إعداد الطعام في منزلها وبيعه من أجل الحفلات والمناسبات. وفي عام 2019، اتخذت نيران خطوة جريئة نحو حلمها من خلال افتتاح مقهى Flavours of Syria في سانت كيلدا. سرعان ما اشتهر المقهى بأطباقه السورية الأصيلة، مثل المسخن والشكشوكة والشيش برك.
لم تتردد نيران في فتح المقهى في منطقة ليس بها حضور عربي كبير لأنها ترى أن "الأستراليين يحبون تجربة الأطعمة الجديدة".
تعكس قائمة الطعام نظرة نيران للطهي: "الطعام يمكن أن يربطنا ويبني المجتمع".
تقول نيران: "بعض الأكلات التي أعدها لم يتذوقها زبائني من قبل قط. يتذوقونها مرة ثم يذهبون ويحضرون عائلاتهم وأصدقاءهم ليتذوقوها هم أيضا."
تسعى نيران إلى مشاركة نكهات الطعام السوري مع المجتمع الأسترالي ولكنها أيضا تعمل على مساعدة الآخرين من خلال استخدام المقهى كمكان لتدريب المهاجرين وطالبي اللجوء، مما يوفر لهم فرصًا لاكتساب الخبرة في مجال الضيافة.
في أكتوبر 2024، وسعت نيران نطاق عملها في مجال الطهي من خلال افتتاح مقهى ثانٍ في منطقة كامبرويل.
يقدم الموقع الجديد نفس الأجواء والأطباق السورية الدافئة التي سحرت رواده في سانت كيلدا، بما في ذلك حساء الدجاج بالزعفران والبقلاوة الطازجة.
هذا التوسع ليس مجرد إنجاز تجاري ولكنه دليل على عزيمة نيران وعملها الدؤوب.
LISTEN TO
"حتى الرجال يبكون": بطل الملاكمة بيلي ديب يروي تجربته مع الفقد والمرض
SBS Arabic
03/12/202410:27
وسط نجاحاتها المهنية، حققت نيران مؤخرًا انتصارًا شخصيًا مهمًا من خلال الحصول على الإقامة الدائمة في أستراليا. هذا الوضع يقربها من أمنيتها الصادقة: لمّ شملها مع أبنائها الثلاثة، الذين يعيشون في الخارج منذ هروب العائلة من سوريا.
"لم أر أولادي منذ 14 عاما."
"نتحدث في الهاتف ونتشارك الصور ولكني لا أشعر أني أم. فقدنا ترابطنا بسبب بعد المسافات كل هذه السنوات."
احتمالية رؤية أبنائها مرة أخرى تملأ قلب نيران بالأمل والترقب بعد التضحيات العميقة التي قدمتها من أجل سلامتهم ومستقبلهم.
تقول نيران: "لم تغير الإقامة الدائمة وضعي كثيرا حتى الآن."
"لا زال الطريق طويلا فليس بإمكاني تقديم طلب لإحضارهم حتى أحصل على الجنسية الأسترالية."
بجانب مشاريعها في مجال الطهي، تشارك نيران بنشاط في الفعاليات والمهرجانات المجتمعية، وتشارك قصتها لإلهام الآخرين.
"أريد أن يراني المهاجرون وطالبوا اللجوء الآخرون ويقولون إذا كانت نيران تمكنت من تحقيق هذا، فنحن أيضا نستطيع."