قليلة هي الايام التي نظل نذكرها طوال حياتنا وتبقى تفاصيلها عالقة للأبد في ذاكرتنا. وعادة ما تكون هذه الأيام قد غيّرت فينا شيئاً إما للأفضل أو للأسوأ.
وبالنسبة للطالبة سندس* ابنة الرابعة عشر والطالبة في الصف التاسع في إحدى مدارس بريزبان الحكومية في ولاية كوينزلاند، Cavendish Road State High School، كان يوم الجمعة السابع من مايو/أيار من العام الفائت يوما فاصلاً بدأته كأي يوم دراسي عادي ولكنه لم ينتهِ كذلك.
النقاط الرئيسية
- تعرضت سندس للضرب من طالبة في المدرسة بمشاركة أخريات صورن الواقعة ونشرنها على موقع التيك توك.
- تتهم سندس وعائلتها المدرسة بعدم معاقبة المعتديات والضغط عليها لعدم المضي قدماً في متابعة الاعتداء.
- المدرسة تنفي الاتهام وتؤكد أنها حريصة على خلق بيئة آمنة لكل المجتمع المدرسي.
تروي سندس كيف أن غرفة تبديل الملابس في مدرستها تحولت إلى ساحة للقتال: "كل ما رأيته هو مجموعة من الفتيات في الغرفة أحطن بي وأخرجن هواتفهن النقالة لتسجيل ما سيحصل أما الفتيان فقد أغلقوا مخرج الغرفة لمنعي من الهرب".
وتقول سندس إنها حاولت معرفة السبب وراء ترصد الفتيات لها ولكنها لم تلقَ إجابة سوى ضحك الطلاب والطالبات من حولها، وفجأة سدّدت طالبة لكمة على وجه سندس التي لم تشعر بنفسها إلا وهي على الأرض لتقوم نفس الطالبة بسحلها وشدها من شعرها وتواصل توجيه الضربات على رأس سندس من كل جهة.
وتصف سندس شعورها في تلك اللحظات: "كل ما كنت أفكر فيه هو هل سأخرج من هنا على قيد الحياة؟ لقد أظلمت الدنيا من حولي".
لم يهب أحد لمساعدة سندس واستمروا في تصوير الاعتداء الذي انتهى فجأة كما ابتدأ وانفض الجميع من حولها. عادت سندس الى الصف وهي في حالة يرثى لها.
كنت اشعر بدويّ الضربات على رأسي وألم لا يطاق في أنفي وكانت عيناي متورمتين
ومع استمرار الألم توجهت سندس إلى غرفة العلاج في المدرسة وأخبرت المشرفة أنها تعرضت للضرب، فماذا كان رد فعل المدرسة؟
تقول سندس: "أجلسوني في الغرفة وطلب مني وكيل المدرسة عدم إخبار أحد بما جرى".
وتضيف أنها لم تتلقَ أي مساعدة ولم يستدعِ أحد الاسعاف لعلاجها. وبعد لحظات عاد أحد مسؤولي المدرسة بالطالبة المعتدية ليخبر سندس بأن الفتاة تريد الاعتذار إليها.
أنا لا أريد منها أي أعتذار، أنا أريد المساعدة الآن
وطلبت سندس أن يتصلوا بوالدتها.
يا ترى ما هو شعور الأم التي تتلقى اتصالاً من المدرسة يخبرها أن ابنتها قد تعرضت للضرب، وما هي المخاوف التي ستراودها في تلك اللحظة؟
تروي لنا والدة سندس السيدة رشا عبد الدايم تفاصيل المكالمة: "أخبرتني المدرسة أن ابنتي تعرضت للضرب من إحدى الطالبات، وعندما سألت عن حالة سندس أخبروني أنها بخير وأن كل ما أصابها هو احمرار خفيف تحت العين".

"حاصروني في غرفة تبديل الملابس وانهالوا عليّ باللكمات": مراهقة عربية تروي تفاصيل الاعتداء عليها في المدرسة Source: Sondos Rafiq Family
ولكن عندما تحدثت السيدة رشا مع ابنتها، كانت الصورة مختلفة: "قالت لي إنها متألمة ومتوجعة وأن الطالبة التي كانت تتنمر عليها العام الماضي قد أغلقت عليها باب غرفة تبديل الملابس واعتدت عليها بالضرب".
بعد اتصال المدرسة توجه الوالد ابراهيم رفيق ليعيد ابنته ويُصدم بالإصابات التي لحقت بها، حيث كانت بحسب العائلة تعاني من تورم في الأنف وانتفاخ وزرقة في العينين.
اقرأ المزيد

أشياء تحتاج إلى معرفتها عن التنمر ضد الأطفال
ويرفض الأب ابراهيم وصف ما حدث لابنته بأنه مجرد شجار بين اطفال: "ما حدث كان جريمة مخططة ومصورة، هذه أفعال لا تصدر ابداً عن أطفال".
وتقول العائلة أن سندس كانت عرضة للكثير من المضابقات العنصرية بسبب لغتها وخلفيتها الثقافية ولكن هذه هي المرة الاولى التي تتعرض فيها طالبة الصف التاسع لاعتداء جسدي.
وتؤكد سندس على هذا: "كنت دائماً أتعرض للاستهداف من الطالبات في المدرسة بسبب ديني أو عرقي أو ثقافتي".
"استمر هذا لسنوات طويلة وكنت أتجاهل احياناً، وأشتكي للإدارة أحياناً، وحاولت التعايش مع الوضع ولكن التنمر كان دائماً لفظياً فقط مثل النكات عن التفجيرات أو رائحة طعام الكاري وأشكال نمطية أخرى عن العرب".

Sundos receiving treatment following the attack (R) and an image from a video of the incident posted to social media (L) Source: Sundos's family
وتحذر المستشارة الأسرية والمختصة في حل النزاعات رند فايد من أن تعرض المراهقين والاطفال للتنمر في المدارس يعرضهم لتأثيرات نفسية وعقلية سلبية طويلة المدى: "في معظم الحالات، يكبر الأشخاص الذين يتعرضون للتنمر كأطفال ليصبحوا بالغين يعانون من تدني احترام الذات ولديهم صورة ذاتية سلبية. وفي بعض الحالات يؤدي ذلك إلى إفراط في إرضاء الناس أو العكس تماماً، فقد يصبحون عدوانيين وحتى عنيفين".
خضعت سندس رفيق لعملية جراحية في أنفها بعد أيام قليلة من الاعتداء لمعالجة الإصابات التي لحقت بها، ولم تعد إلى المدرسة منذ ذلك اليوم.
توجهت العائلة إلى الشرطة لمتابعة الاعتداء على ابنتهم، وأسفر عنه اعتذار الطالبة المعتدية وتوجيه تحذير لها دون تصعيد الأمر نظراً لحداثة سنها.
وتقول سندس وعائلتها إن ما يزيد من شعور الغبن والظلم هو أن لقطات الاعتداء قد أصبحت متوافرة على منصات التواصل الاجتماعي وتحديداً تطبيق تيك توك.
مازلت أتعرض للتنمر الإلكتروني من هذه اللقطات وأشعر بالألم عندما أشاهدها وأرى تعليقات الناس عليها
وعلّق خبير التكنولوجيا إيهاب هادي على ظاهرة التنمر الإلكتروني بالقول إن شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الأجتماعي أضافت بعداً جديداً للتنمر ومكّنت المتنمرين من الوصول لمراحل قياسية جديدة في مستوى التنمر وأنواعه.
ويرى أن السبب الرئيسي يكمن في حقيقة أن العالم الأفتراضي للإنترنت "يمنح المتنمرين أحساساً أكبر بالأمان من العقاب و مواجهة عواقب وتبعات تصرفاتهم".
وهذا برأيه ما زاد عدد حوادث التنمر وحدتها في العالم حتى بتنا نسمع كثيراً عن حوادث انتحار أطفال كنتيجة مؤسفة لهذه الأفعال.
وأشار هادي إلى أن الأحصائيات كشفت أن شخصاً من كل ثلاثة أفراد قد تعرض في حياته للتنمر الإلكتروني وأن حوالي 70% من مستخدمي الإنترنت مارسوا نشاطاً تنمرياً مرة على الأقل خلال فترة استخدامهم لتلك الشبكة.
وتتهم سندس وعائلتها المدرسة بأنها لم تعاقب أياً من الطالبات اللواتي شاركن في الاعتداء رغم تعهد الإدارة بأنها ستجري تحقيقاً صارماً.
وتقول العائلة إن الإدارة قد تراجعت عن وعودها بل وطالبت سندس بالسكوت عما حصل وإلا سيتم اعتبارها طرفاً في شجار مدرسي وسيشملها العقاب أيضاً.
وفي بيان لأس بي أس عربي24، نفت مدرسة Cavendish Road State High School في مدينة بريزبان في ولاية كوينزلاند اتهامات سندس وعائلتها مؤكدة على أنها لا تتقبل أو تتهاون مع أي سلوك غير اجتماعي.
وأضافت المدرسة أنها تعمل بشكل دائم مع الطلاب وأسرهم لخلق بيئة آمنة لكل المجتمع المدرسي وتتعامل مع كل حادثة تهدد أمن هذا المجتمع بحزم وجدية.
وأضافت المدرسة أنها على علم "بحادثة فردية لسوء سلوك" حدثت في شهر مايو/أيار 2021، "وأنها تعاملت مع كل الطلاب المعنيين بحسب ميثاق أخلاق الطلاب".
وشددت المدرسة على أنها على تواصل مع الطالبة المعنية وعائلتها للوصول إلى حلول لكل ما يقلقهم "في حادثة التنمر المزعومة" بحسب المدرسة.
ونعود إلى أهم ما في هذه القصة، سندس ابنة الرابعة عشر من العمر التي انقطعت عن الذهاب إلى المدرسة منذ الاعتداء عليها في السابع من مايو/أيار والتي تقول إنها "خسرت بعض صديقاتها بعد أن اتهمنها بأنها تبالغ في ردة فعلها فكل ما حدث لها هو لكمة على الوجه في المدرسة!"
وتضيف سندس: "ما زالت أشعر اليوم بنفس الألم الجسدي والنفسي الذي شعرت به يوم الاعتداء وكل ما أريده الآن هو الإنصاف والعدل الذي أستحقه".
* تم حجب الاسم الكامل لاعتبارات تتعلق بالخصوصية
يمكن للقراء الذين يسعون للحصول على دعم في حالة الأزمات الاتصال بشركة Lifeline على الرقم 13 11 14 وخدمة معاودة الاتصال على الرقم 1300659467 وخط مساعدة الأطفال على 1800 55 1800 (للشباب حتى سن 25). يتوفر المزيد من المعلومات والدعم في مجال الصحة النفسية في وعلى 4636 22 1300.
اقرأ المزيد

"الحيوان المشعر": هكذا واجهت تعرضي للتنمر